عندما تتحوّل المرأة في عين الرجل إلى “مصيبة” و”بومبة”

حوّاء.. يرفعها بعض الرجال إلى مكانة عالية فيولّونها منصب وزيرة داخلية أو وزيرة مالية أو حتى رئيسة حكومة وينزلها آخرون منزلة وضيعة فتتدحرج إلى مصيبة أو “بومبة” أو محنة، بينما يتجاهلها آخرون ويتجنبون حتى ذكر اسمها ويكتفون بنعتها بـ “الدار”أو “هذيك” أو “هي”… هي تسميات مختلفة تشترك في الحقيقة المرّة التي تحياها الأنثى في مجتمع مغاربي يأبى فيه الذكر التلفظ باسم شريكة حياته أوحبيبته أو أخته التي باتت في نظره عورة لا يجوز التلفظ باسمها أمام الآخرين.

لم تسلم المرأة  على مرّ الزمن من نعتها بكل الصفات التي تنتقص من إنسانيتها ومن أنوثتها فمن “الدار” و”العائلة” إلى  “المصيبة” و”المحنة”  و”الهمّيّة” و”البلية”.. وفي أحسن الأحوال عندما يخجل الرجل من ذكر اسم زوجته يهرب إلى بعض المناصب كـ”الحكومة”..”الداخلية” ..”المالية” وهذه الأخيرة تنتشر بشكل أكبر لدى نوع من الرجال يقدّر المرأة ولكنه يخشى أن ينتقص المجتمع من رجولته إذا ما هو جهر بذلك.

الظاهرة تعد امتدادا تاريخيا لعقلية توارثها الأجيال على مرّ السنين تنم عن جهل كبير للجانب الديني الذي لم ينتقص يوما من قيمة المرأة فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يذكر أسماء زوجاته دونما أي إحراج، فأين معشر الرجال اليوم من الاقتداء بخير الأنام الذي استوصى خيرا بالنساء والذي قال “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.

في القديم كان آباؤنا وأجدادنا لا يتلفظون باسم زوجاتهم أوأخواتهم ويعتبرون ذلك “عيبا”  فإمّا أن ينادوها بـ “هي” أو الدار أو “العائلة” ولا يتعلق الأمر بدوائر التواصل الواسعة بل حتى على أضيق الدوائر.

واستمر الحال على ذلك فترة طويلة كان يشعر خلالها الرجل بسطوته وجبروته حتى أنه لم يكرم شريكته وأم أولاده ولو بذكر اسمها وكأنها عار عليه وكانت المرأة تشعر خلالها بالقهر والمذلة والمرارة في كل مرة يناديها.

وفي هذا السياق نذكر حالة خالتي السعدية التي قالت لنا أنها ظلت على مدار أكثر من 50 سنة زواج لم تسمع زوجها يتلفظ باسمها ولو كان الأمر بينهما، ففي بداية علاقتها الزوجية كان ينعتها بـ”هي” لما يتحدث إلى أهله وبـ”العايلة” لما يتحدث إلى أصدقائه وفي أحسن الحالات عندما تخلى عن تلك التسميات أصبح يناديها بالحاجة بعد آدائها مناسك العمرة.

ومع تطوّر الحياة الاجتماعية وانفتاحها بعض الشيء استحدث الجيل الجديد من الشباب مفردات جديدة قد تعتبرها بعضهن بالوضيعة فبات ينعت الشاب حبيبته أو زوجته بـ “المصيبة” أو “المحنة” أو “البومبة” وغيرها من الصفات المجحفة، الأمر بالنسبة لبعضهن الآخر عادي بل هو من باب التدليل والحميمية، غير أنه سرعان ما يتحوّل إلى عكس ذلك عندما تتوسع دائرة استخدامه أمام الأصدقاء والأهل ويتحوّل إلى مصدر امتعاض من قبل كثيرات.

أمّا الفئة الثالثة المتبقية والتي عادة ما تكون على ذات مستوى فهي عندما تتحدث عن المرأة الأخت أو الأم أو الزوجة  تشير إليه وفق مناصب معينة كالمالية أو الحكومة والداخلية أو “السانديكة” بمعنى النقابة.. هي ألفاظ وإن كانت توحي بالرقي في المستوى والمكانة، إلا أنها لا توحي بالتخلص من عقدة المجتمع الموروثة أبا عن جد.

وفي هذا السياق أكّد زهير خريج كلية الحقوق  أنه لا يذكر اسم زوجته أمام الآخرين ولا أمام والده وذلك كما برّره بناء على الأعراف المتواترة في العائلة فأبوه أيضا لا يذكر اسم أمّهم أمامهم، وهي عادات غير مقتبسة من ديننا الحنيف-حسبه- بل عبارة عن سلوك يختلف من شخص لآخر ربما يدخل هذا ضمن تقديس استثنائي لاسم الزوجة أو حتى الأخت أو الأم لما له من آثار ربما قد تكون سلبية على صاحب السلوك الذي سيعيش نوعا من حب الذات، وأضاف انه لا يفعل هذا من باب انتقاص قيمة المرأة وإنما من باب حفظ مكانتها وحرمتها وعدم استباحتها.

من جهته بوجناح لحسن، مدرب في السلوكيات والعلاقات الزوجية، أكّد لنا أنّ الرجل بطبعه يحبّ التحدث عن أمّه، زوجته، أخته أو صديقته، بدافع استعراض ما لديه، غير أن دافع العزّة وهو الدافع الموروث هو الذي يكبت ذلك، فهو يحب أن يجهر بالنعمة التي يعيشها أو كما قال ” يحب أن يخبر الناس بأن الخير يصله سواء من زوجته أو أهله”.

وأضاف بوجناح أن المجتمع لم يتحرر بعد ويعرف مشكل تواصل كبير بين أفراده ولذلك فإن الأمر يتعلق بتغيير السلوك التدريبي وهو مالا يمكن عند الكبار لذا علينا على الأقل السعي لتغيير ذلك عند بقية الفئآت.

وأضاف مدرب السلوكيات أن الرمزية مشوشة عند الجزائري وأنّ الأغلبية تجهل آليات التواصل الصحيحة، لذا فهناك تشويش في القدوة والنموذج الذي يستند الأفراد إليه،مما يعني أن القدوة التي يرتكز عليها الرجل الجزائري في هذا المجال خاطئة ويجب إعادة النظر فيها.

هذا لايعني أبدا، يستطرد بوجناح، أن الرّجل عندما لا يتلفظ باسم المرأة أنه لا يحبها أو ينتقص من شأنها، بل على العكس من ذلك تماما فالرجل يعشق المرأة ومولوع بها إلى حد الجنون ..فقط الحرمة والسلوك الموروث يمنعان الرجل من التعبير عن ذلك سواء في الأوساط العريضة أو الضيقة، فالمرأة تندرج في دائرة حرمة الرجل الذي يستميت في الدفاع عنها وحمايتها.

أمّا عن الأثر النفسي الذي قد يخلّفه الأمر في نفسية الزوجة، فأكد لنا الأستاذ بوجناح أنّ الأثر قد يكون عندما لاتدرك المرأة تركيبة الرجل وهو ما عليها السعي لفهمه …حينها فقط يختفي الضرر وتعيش حوّاء مرتاحة البال.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: