إسبانيا تتجاهل طرح البوليساريو وتدعم مبادرة الحكم الذاتي

أظهر رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز خلال كملته بأشغال الدورة 74 للأمم المتحدة، بشكل مفاجئ، تأييده التام للحل السياسي ومبادرة الحكم الذاتي في النزاع حول الصحراء المغربية، متجاهلا خيار “استفتاء تقرير المصير” المتقادم الذي ما زالت تدافع عنه الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية.

وقال سانشيز إن “طريق الحل السياسي العادل والدائم والمقبول من لدن الأطراف للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، يمرّ حصريا عبر الأمم المتحدة”، مؤكدا “الالتزام الإسباني برؤية الأمم المتحدة حول قضية الصحراء المغربية، ومواصلتها دعم مجهودات الأمين العام للأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي وفقا للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي”.

وتشرف الأمم المتحدة على مفاوضات بين المغرب والبوليساريو بحثا عن حل نهائي للنزاع. وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تدعو البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير.

وهذه هي المرة الأولى التي لم تلمح فيها إسبانيا إلى عدم تنظيم أي استفتاء قصد حل هذا النزاع، وهو ما يكشف تغيرا في الموقف الإسباني، وانحيازا لمبادرة الحكم الذاتي وتأييده تسوية سياسية تحت مضلة الأمم المتحدة.

ويشير هشام معتضد، الباحث المتخصص في الدراسات والسياسات الأمنية الدولية، إلى أن الموقف الرسمي الإسباني يترجم التزام مدريد بالمواقف الأممية بخصوص ملف الصحراء من جهة، وحرصها على الاستمرار في تبني سياسة الحياد الإيجابي من خلال تقديم الدعم اللازم لإنجاح عملية التسوية تحت رعاية الأمم المتحدة من جهة ثانية.

موقفا إسبانيا وموريتانيا يحملان تأكيدا على أن الحل السياسي مبني على المبادرة المغربية ويمكن ربطه بما تقوم به البوليساريو من انتهاكات حقوقية

ويبدّد الموقف الإسباني غيوم التوتر الذي خلفته تصريحات سابقة لسانشيز عبّر فيها عن دعم توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء المغربية (المينورسو) لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو ما ترفضه الرباط جملة وتفصيلا.

وحول التراجع الإسباني عن دعم توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان وتنظيم الاستفتاء حول تقرير المصير بالصحراء الذي تؤيده البوليساريو، يرى معتضد أنه بمثابة استدراك سياسي على مستوى الخطاب والموقف الرسمي الإسباني ومحاولة من سانشيز لتدارك انزلاقاته الأيديولوجية التي يقف خلفها طموح براغماتي.

ويعد وقوف إسبانيا على الحياد من قضية الصحراء مكسبا جيواستراتيجيا مهما، وذلك لجهة أنها تعتبر مؤثرة تاريخيا وحاملة لمسؤولية تاريخية تجاه ملف الصحراء المغربية.

ويعتبر المغرب الصحراء مسألة وجود ولا يمكن التنازل عن شبر من سيادته عليها، ويرفض أي حل لهذا النزاع خارج مبادرة الحكم الذاتي. ويبقى الموقف الرسمي والشعبي للمغرب موحدا حول مركزية قضية الصحراء، حيث أكد رئيس الحكومة سعدالدين العثماني، في الكلمة التي ألقاها أمام الأمم المتحدة، ‎أن سيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية غير قابلة للمساومة، وأن المغرب يسعى بجدية لإيجاد حل سياسي ونهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل.

وبدوره شدّد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على أن المملكة المغربية قامت باقتراح مبادرة للحكم الذاتي لجهة الصحراء مفعمة بروح من الجدية والمصداقية والواقعية من أجل تحقيق السلام للمنطقة وتجسيدا لمبدأ احترام السيادة والوحدة الترابية للدول، مشيرا إلى أن هذه المبادرة هي الحل النهائي والوحيد لهذا النزاع.

وشدد الدبلوماسي المغربي، خلال الاجتماع الوزاري لحركة عدم الانحياز الذي انعقد على هامش الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، على أن “قضية الصحراء المغربية هي أولا وقبل كل شيء قضية استكمال لوحدة المغرب الترابية، وسيادته على أقاليمه الجنوبية غير قابلة للتفاوض ولا المساومة”.

ويرى مراقبون أن جبهة البوليساريو ما فتئت تسعى إلى تقويض كافة الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي واقعي تمثله مبادرة الحكم الذاتي المشهود لها دوليا بالمصداقية.

ورغم دور الوساطة الذي تلعبه موريتانيا في ملف الصحراء، كونه يقع ضمن الملفات الأساسية في السياسة الداخلية والخارجية لنواكشوط، إلا أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني تجاهل في كلمة أمام الأمم المتحدة التطرق إلى هذا الملف.

العثماني: سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية غير قابلة للمساومة

ورأى هشام معتضد في تجاهل الرئيس الموريتاني الجديد لقضية الصحراء إشارة إيجابية من الرئاسة الموريتانية للمغرب وتغيّرا ملموسا لموقف نواكشوط بخصوص ملف الصحراء، خاصة أن موقفها التقليدي غالبا ما تميّز بنوع من الحياد السلبي.

ولم يسلم الرئيس الموريتاني من هجوم جبهة البوليساريو الانفصالية بعد تصريحاته أمام الجمعية العامة الذي رجح فيها مصلحة بلاده وسيادتها، مؤكدا أن موريتانيا حافظت وبصفة منتظمة على سياسة النأي بالنفس عن الصراعات وعلى علاقات حسن الجوار.

واعتبرت البوليساريو هذا التجاهل يعكس ما أسمته سياسية “النفاق الإيجابي” التي يتعامل بها النظام الموريتاني مع قضية الصحراء، وهي القضية التي تمت إثارتها أثناء الحملة الانتخابية للرئاسيات الموريتانية، حيث كانت مجرد ورقة انتخابية تتلاعب بها الأحزاب الإسبانية والموريتانية.

واستغرب رئيس الجمعية الموريتانية المغربية للدفاع عن الوحدة المغاربية، شيخاني ولد الشيخ تناقض تصريحات عناصر من جبهة البوليساريو الانفصالية بخصوص الموقف الموريتاني الأخير.

وأشار ولد الشيخ في تصريح لـه  إلى أن “استهداف البوليساريو للرئيس الموريتاني الجديد قد يشوّش على الموقف الرسمي للدولة الموريتانية من قضية الصحراء الذي يطبعه الحياد الإيجابي، للتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف تحت طاولة الأمم المتحدة.”

ويستنتج المراقبون أن موقفي إسبانيا وموريتانيا يحملان تأكيدا ضمنيا على أن الحل السياسي مبني على المبادرة المغربية، ويمكن ربطه بما تقوم به البوليساريو من انتهاكات حقوقية ومالية وتدخلاتها القمعية ضد المنتفضين على قياداتها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: