مفهوم الحرام يمنع الإناث في شمال أفريقيا من الحب

كيف يعيش الشبان والشابات حياتهم الغرامية والجنسية في تونس والجزائر والمغرب وما هو موقفهم من النظرة السائدة للعلاقات بين الجنسين في بلدانهم، وكيف يتكيّفون مع بيئة محافظة وأعراف وقوانين متشددة أحيانا؟

لا يزال جسد المرأة في المغرب العربي ملكا للمجتمع، ذلك هو ما خرجت به الصحافية الفرنسية ميكاييل جانيي من تحقيقها المنشور أخيرا تحت عنوان “الحب الممنوع، الجنس والتابوهات في المغرب العربي”.

“صدمتني قصصهم وفاجأتني”، تقول الكاتبة، وتضيف “إنها قصص متعبة حقا. هي أحزن مما نتصور بكثير حتى وإن أحسن أصحابها إضفاء صبغة فكاهية عليها ووضع مسافة بينهم وبينها. مسافة محيّرة أحيانا”.

يتضمن الكتاب شهادات مجموعة كبيرة ومتنوعة لإناث وذكور من مختلف الأعمار من المغرب والجزائر وتونس، بعضهم متزوج والبعض أعزب، وآخر مثلي الجنسية. نقرأ في تدخلاتهم تذمّرا وشعورا بصعوبة خوض تجربة الحب في مجتمع يئن تحت ثقل التقاليد وحضور ديني كبير وضاغط وقوانين رجعية. ومن سرد قصصهم الغرامية والعراقيل التي تقف حجر عثرة أمامها يستشف القارئ مدى عطشهم للحرية ورغبتهم الكبيرة في الانعتاق من هذا الفخ المجتمعي الذي يخنق أنفاسهم ويمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية كباقي شبان وشابات العالم.

الحب في بلدان المغرب ليس لقاء للمتعة بل هو رياضة قتالية، حسب عبارة الشابة الجزائرية إيناس التي تصف ظاهرة التحرش الجنسي المستفحلة “يجب علينا أن نلف وندور لنتخطى الحواجز الواقفة ضد الحب في شوارع الجزائر العاصمة ولنتجنب الملاحظات البذيئة والملامسة من طرف الغرباء، سواء كنا متحجبات أو غير متحجبات، وحتى مرتديات البرقع لا يسلمن”.

تقول دراسة أعدتها منظمة الأمم المتحدة إن 66 بالمئة من الجزائريات تعرضن للتحرش الجنسي.

وقانون الأسرة هو مصدر مأساة الجزائريات، تقول شابة جزائرية أخرى، ولذلك تشارك النساء بقوة في المظاهرات الاحتجاجية اليوم متطلعات إلى تغييره.

لئن مسّ التحديث كثيرا من نواحي الحياة في كل من تونس والجزائر والمغرب فلا شيء تغيّر تقريبا في ما تعلق بالجنس، فهو التابو الأعلى دائما حسب شهادات كثيرة صادمة. في تونس والمغرب يعاقب بالسجن كل شاب وشابة إن ضبطا وهما يتعاشران دون المرور بالزواج الرسمي الشرعي. وفي البلدان الثلاثة تثمين ذهبي للعذرية ولكن في نفس الوقت نجد أن جراحة إعادة غشاء البكارة تجارة رائجة جدا، يمارسها الكثير من الأطباء سريّا مع قرب موسم الأعراس.

وفي العيادات الخاصة يتاجر الكثير من الأطباء في تلك البلدان في إعادة غشاء البكارة مع قرب موسم الأعراس.

تعاقب السحاقيات والمثليون والذين تلصق بهم صفة الشذوذ الجنسي بثلاث سنوات سجن نافذة فقط لأنهم كذلك. “لقد تم القبض على 120 مثليا تونسيا سنة 2018. وقد غادر الكثير من المثليين البلد ومن لم يفعل فهو يخاطر بحريته وبحياته أحيانا”. تقول عالمة الجنس ألفة دخلاوي إنه لا ينبغي أن نغرس وجوهنا في الرمل، فالدين هو المسؤول عن هذا الاحتباس الجنسي “نربي البنات اعتمادا على فكرة الحرام والممنوع وهذا يخلق كبتا رهيبا ومن ثمة تكبر الفتاة وهي تربط بين الجنس والخوف”.

وهو ما عاشته الكاتبة المغربية ليلى سليماني التي تكتب في مقدمتها لهذا الكتاب “لقد تساءلت وعادت بي الذكريات إلى أيام مراهقتي في مدينة الرباط سنوات التسعينات. في تلك الفترة كان الجنس بالنسبة إليّ مقترنا بالخطر والعنف والكتمان. خطر الحمل دون رغبة والخوف من عدم قدرتي على التخلص من الجنين في بلد الإجهاض فيه ممنوع”.

وإن كانت الجزائر تمنع الإجهاض مثل المغرب، فتونس لا تمنعه. وتتحدث الاختصاصية عن تلك العادة البربرية التي لا تزال قائمة إلى اليوم، وهي طقس يتم قبل مرحلة مراهقة الفتاة ويتلخص في تلفظ جدتها أو قريبة من قريباتها ببعض الكلمات السحرية كي لا تفقد المراهقة عذريتها فكأنها تغلقها بمزلاج.

ولا يتعلق الأمر بالمراهقات فقط، فرجال ونساء بلدان المغرب لا يعيشون حبهم أو تجاربهم الجنسية بشكل طبيعي وإنما يتوجب عليهم التحايل والتخفي وأحيانا تتحول العلاقة إلى مأساة نظرا لانعدام حقوق الإنسان الجنسية في تلك البلدان.

وتلخص الكاتبة مأساة العلاقات الغرامية بالقول “تعاني المرأة من العديد من الضغط والإرغام وتحمل على أكتافها الكثير من الأعباء: العذرية مقدسة دائما، المعاشرة غير مسموح بها، مستهجنة في كل الأحوال ويمكن أن تحسب كدعارة ويتم سجن الشابين وحتى القبلة المسروقة في الشارع ينظر إليها كفعل سيء للغاية”. وإن كانت المعاشرة غير ممنوعة منعا قانونيا صريحا في تونس ولكن كثيرا ما تحاول الشرطة إثبات أنها علاقة دعارة وهنا يعاقب المتعاشران بعقوبة سجن مدتها 6 أشهر. أما في المغرب فالمادة 490 من قانون العقوبات تسلّط عقوبة بالسجن لمدة سنة على كل من أقام أو أقامت علاقة جنسية خارج إطار الزواج.

وعموما فخارج مؤسسة الزواج، لا حرية للعشاق. ففي غالب الأحيان لا يمكن أن يحصل شاب وشابة غير متزوجين على غرفة في نزل دون تقديم عقد زواج في بلدان تستمد قوانينها مما يسمّى شريعة إسلامية. وينجم جراء هذا المنع القانوني والضغط الاجتماعي نتائج اجتماعية وأخلاقية كارثية كالزواج القسري والزواج المرتب بين العائلات، الاغتصاب الزوجي، مهزلة غشاء البكارة، ولادات في الخلاء ورمي الأجنة في أكياس القمامة.

وتبقى الشهادات مرايا تعكس صورة مجتمع وثقافة ودين وليس مجرد مسارات حميمية فردية. فالحقوق الجنسية حقوق إنسان أساسية وسياسية أيضا وقمعها هو دائما في صالح الأنظمة الاستبدادية. فمتى تندلع ثورة جنسية في بلدان المغرب تعيد للإنسان كرامته وحريته وجسده؟

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: