روما تعدل بوصلتها نحو أوروبا بعد سقوط الشعبويين

التقط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سريعا إشارات الحكومة الإيطالية الجديدة التي أبدت انفتاحا على أوروبا، من أجل ترميم العلاقات الفرنسية الإيطالية التي تأزمت مع الحكومة الشعبوية الفارطة.

ويتوجه الرئيس الفرنسي الأربعاء إلى روما في زيارة رسمية ستخصص لمناقشة العديد من الملفات الثنائية مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتيريلا وكذلك رئيس الحكومة المكلف جوزيبي كونتي. وتمثل الزيارة فرصة لترميم العلاقات الثنائية بين الجارتين بعد أن أضرت الحكومة الشعبوية الفارطة بمتانتها وكادت تتسبب في أزمة ديبلوماسية بين البلدين.

وكان وزير الداخلية الإيطالي السابق، اليميني المتطرف، ماتيو سالفيني، انتقد ماكرون مرارا على خلفية ملف الهجرة.

وصدرت انتقادات مماثلة على لسان زعيم حركة خمس نجوم لويجي دي مايو الذي بات وزيرا للخارجية في الائتلاف الحكومي الجديد بين الحركة والاشتراكيين الديمقراطيين. ورد ماكرون على منتقديه مؤكدا أن سالفيني “خصمه الرئيسي”.

تسعى إيطاليا إلى الخروج من أزمتها الاقتصادية حيث بلغ الدين العام الإيطالي حاليا 2.7 تريليون دولار ما يعادل 132.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي

والأحد، صرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن الحكومة الإيطالية الجديدة “تبدو أكثر انفتاحا في بعدها الأوروبي وأكثر تصميما على إقامة علاقات إيجابية مع فرنسا، نحن مستعدون للتحاور”.

وكادت الحكومة الشعبوية السابقة التي تزعمها جوزيبي كونتي أيضا، أن تضع إيطاليا في عزلة من عالمها الخارجي ولاسيما أوروبا حيث كان التلاسن سيد الموقف بين إيطاليا وشركائها الأوروبيين.

وتمثل الإطاحة بماتيو سالفيني في هذه الحكومة الجديدة العنوان الأبرز للمرحلة السياسية التي تعيش على وقعها إيطاليا، حيث أثار اليميني المتطرف بتصريحاته المعادية للهجرة وللعديد من البلدان الأوروبية مخاوف كثيرين وأعاد إلى أذهانهم حقبة نشوء الفاشية في إيطاليا.

جان إيف لودريان: الحكومة الإيطالية الجديدة تبدو أكثر انفتاحا في بعدها الأوروبي وأكثر تصميما على إقامة علاقات إيجابية مع فرنسا، نحن مستعدون للتحاور

وكان حزب وزير الداخلية ماتيو سالفيني قد حقق نتائج إيجابية في الانتخابات البرلمانية الأوروبية بحصوله على 28 مقعدا واحتل بذلك حزب سالفيني المرتبة الثالثة آنذاك وهو ما أثار مخاوف من تعاظم دور الأحزاب اليمينية المتطرفة في الاتحاد الأوروبي.

ومن الواضح أن زيارة ماكرون في هذا الظرف الهدف منها التوجه برسالة للقادة الأوروبيين مفادها أن إيطاليا ستتغير في القريب وأنها لن تكون بمنأى عما يحدث في أوروبا خاصة بعد سقوط سالفيني الذي لطالما هاجم الاتحاد الأوروبي خاصة في ما يتعلق بملف الهجرة.

وخلافا للمعتاد سمحت إيطاليا السبت بإنزال 82 مهاجرا في ميناء لامبيدوزا وذلك بعد مرور أكثر من 14 شهرا لم تستقبل فيها الموانئ الإيطالية مهاجرين.

وتأتي عملية استقبال المهاجرين لتعلن عن قطيعة مع سياسات وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني وحزبه اللذين انتهجا سياسة معاداة المهاجرين ولتكشف كذلك عن نوايا إيطالية وأوروبية لتقاسم أعباء الهجرة، حيث أكد وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير أن إيطاليا وفرنسا وألمانيا والبرتغال ولوكسمبورغ اتفقت على توزيع المهاجرين بين الدول الخمس وضرورة الاتفاق على آلية أوروبية حقيقية مؤقتة.

ورغم تباعد الرؤى في السابق بين الجارتين الأوروبيتين في ما يتعلق بملف الهجرة، فإن رهان ماكرون في زيارته إلى إيطاليا يكمن في إقناع روما بتقديم المزيد من التنازلات لحلحلة أزمة المهاجرين الذين تنقطع بهم السبل في عرض البحر الأبيض المتوسط وهو ما يمكن تقبله من الجانب الإيطالي بعد سقوط سالفيني ما مثل انتكاسة حقيقية لدى الأوساط السياسية اليمينية التي تراهن على معاداة الهجرة كخطاب لكسب الأنصار حيث سيحاول كونتي تصويب المسار مقابل تنشيط العلاقات الاقتصادية بين بلدان الاتحاد الأوروبي وروما.

ويبدو أن الحديث عن تنشيط العلاقات الاقتصادية مستبعد لدى البعض، بينما تسعى إيطاليا إلى الخروج من أزمتها الاقتصادية حيث بلغ الدين العام الإيطالي حاليا 2.7 تريليون دولار ما يعادل 132.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 135 بالمئة، وهو ما يزيد من رغبة إيطاليا الجامحة في إنهاء الخطابات التي من شأنها هدم علاقاتها ببعض البلدان وكذلك عدم إسهامها في حلحلة العديد من الإشكاليات على غرار الهجرة أن يضعها في مأزق غياب الدعم الخارجي لاسيما الأوروبي لمجابهة أزمتها الاقتصادية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: