هل يتقبّل شباب اليوم العيش خارج التغطية

عندما تنقطع الإنترنت في أحد الأماكن العامة أو البيوت العربية تلاحظ حالة من الاضطراب ويسود التوتر الأجواء، فترى غالبية الأفراد وكأنهم يبحثون عن شيء ضائع منهم. وتضاف إلى علامات التوتر أحاسيس مضطربة مثل الغضب والضياع أو الاكتئاب وأحيانا الهستيريا إذا ما طال غياب الإنترنت خصوصا عند المراهقين والشباب من كلا الجنسين، ما يثير تساؤلات حول حياة شباب اليوم من دون تغطية الأنترنت وفي غياب وسائل التواصل.

عندما انقطعت الإنترنت في فترة ذروة استخدامها بمناسبة عيد الأضحى الماضي ، أحسست أني فقدت إحدى حواسي الأساسية. لم أكن متصلة بصديقاتي ولا بأحبابي ولا بكل ما يدور من حولي، ولم أعلم ما كان يجري من حولي إذ لم يكن التلفزيون كافيا لتلقي جميع الأخبار والأنباء ولإمتاعي، هكذا عبّرت إيناس ذات الأربع والعشرين سنة، وهي مترجمة بصحيفة.

وتضيف الشابة ، “شعرت بأن عطلة العيد ضاعت وفقدت معناها ولم أتمتع بها لمجرد وجودي خارج تغطية الإنترنت، باتت حياتي كلها مرتبطة بالإنترنت ولا طعم لها من دونها؛ أحتاجها للتواصل مع صديقاتي اللاتي يدرسن في مناطق بعيدة عن العاصمة أو في دول المهجر. فالرسائل الورقية ليست كافية لسد رغبتي في رؤيتهن والدردشة معهن حول حياتنا اليومية وجديدها”.

وتؤكد إيناس أنها حتى عند تحديد موعد لمقابلة أصدقائها، فإنه “يتعيّن علينا البحث عن مطعم أو مقهى مناسب، وحينها أحتاج شبكة الإنترنت للبحث عن وجهة وتحديد طريق الوصول إليها. كما لا أختار المكان للقاء أصدقائي دون قراءة التعليقات التي تركها الزبائن الذين زاروه”. وتتابع الفتاة العشرينية “إلى جانب فوائد الإنترنت التي تجعلها ضرورية فهي أيضا أفضل وسيلة للترفيه عن نفسي، كما أحتاجها في عملي وأحيانا للمطالعة وتنزيل الكتب ومشاهدة المقاطع والتمتع بالألعاب”.

ويلاحظ كل من يجوب الشوارع والمدن المغربية ، كما في الكثير من الأقطار العربية وغيرها من دول العالم، تركيزا واضحا من الجميع على التواصل عبر وسائل الاتصال الحديثة وفي أغلب الشوارع ترى العيون تدقق في شاشات الهواتف الذكية والأعناق منحنية لها، والآذان موصولة بها عبر السماعات بأنواعها.

الإدمان على الإنترنت وعلى الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بات أحد أبرز أمراض وظواهر العصر الراهن، وبات بارزا للعيان.

ولا تخلو أيادي الشباب والمراهقين خصوصا من الأجهزة الذكية بأنواعها من هواتف ذكية إلى ساعات ذكية وغيرها. يبدو كل منهم منغمسا في عالمه الخاص الذي يتصل به عبر الإنترنت، وكأنه لا يرى ما يدور حوله على أرض الواقع، وكثيرا ما ترى مجموعة من الأفراد سواء من نفس الأسرة أو أصدقاء أو زملاء يجمعهم نفس المكان ونفس المائدة أحيانا لكن لا أحد يخاطب الآخر وكل منهم يتفاعل مع جهازه الذكي؛ من بينهم من لا ترتاح أصابعه وهو يكتب الرسائل والتعليقات وتعبيرات وجهه تتغير وفق فحواها، ومن بينهم من يستمع بكل انتباه لأغانيه أو موسيقاه المفضلة ومنهم من لا يهتم بغير الألعاب ساعيا للفوز على منافسين افتراضيين.

بمجرد أن تنقطع شبكة الإنترنت وتقطع الاتصالات عبر الأجهزة الذكية حتى ترى حالة من الاضطراب والغليان وأحيانا تتصاعد أصوات وتعبيرات الغضب وقد تنشب بعض المشاجرات في لحظات. ويبدو الجميع في صورة تشبه رضيعا سقطت لهّايته من فمه، فتراه يتخبط غضبا ويبحث عنها بعينيه في كل مكان وكل ما تقدم الوقت يزيد توتره إلى أن يصرخ باكيا.

وعندما يطول انقطاع الإنترنت في البيت مثلا، فقد تبدأ بعض الحوارات والأحاديث الخفيفة والتي فيها الكثير من التساؤلات والتحاليل لانقطاع الإنترنت، لكن سرعان ما يتصاعد التوتر والبحث عن حلول وإن دام الانقطاع لساعات طويلة أو أيام فقد يدخل البعض في حالة من العزلة والاكتئاب والحزن.

دراسات تدق ناقوس الخطر

حالات الإنفعال هذه يعرّفها الباحثون بإدمان الإنترنت، وأكدت العديد من الدراسات الحديثة أن الإدمان على الإنترنت وعلى الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بات أحد أبرز أمراض وظواهر العصر الراهن، وبات بارزا للعيان. وإن لم يكن هناك إدمان فسنجد درجة تعلق أقل حدة بالتقنيات الحديثة والإنترنت. ولاحظ العديد من الباحثين أن هناك إفراطا في استعمال الأجهزة الذكية خصوصا من قبل المراهقين والشباب.

وأكد علماء أن حالة من التعلق بالعالم الافتراضي باتت تكتسح الشباب والمراهقين حول العالم وأشاروا إلى أنه بالرغم من التحذير ونشر المعرفة بالمخاطر التي يتعرض إليها الإنسان على مستوى الصحة العقلية والجسدية والنفسية تظل هناك زيادة في نسب الاستعمال والإفراط والإدمان على الإنترنت والأجهزة الإلكترونية يكون معظم ضحاياها من الشباب والمراهقين.

ويعد الكثير من الباحثين الحرمان من الإنترنت وسيلة للتجريب والبحث التي تمدهم بمؤشرات تثبت الإدمان على الإنترنت من عدمه، كما تمكنهم من الخروج بنتائج دقيقة حول نوعية العلاقة التي باتت تربط الشباب اليوم بالإنترنت والتي تراوحت بين مفاهيم الإفراط في الاستعمال، التعلق الوجداني الزائد، الإدمان، ثم المخاطر الصحية في جميع أشكالها والتواصلية في علاقة بالأسرة وربط العلاقات في المحيط الاجتماعي. وقليلة هي البحوث التي خلصت إلى أن الإنترنت ومواقع التواصل والأجهزة الذكية لها فوائد للمراهقين.

20 بالمئة من الشباب المغربي يريدون العلاج لتجاوز هذا الإدمان الذي أثر على علاقتهم بمحيطهم الخارجي

و  أظهرت دراسات أن نسبة تتراوح بين 15 و20 بالمئة من المراهقين التونسيين مدمنون على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأكدت الأمينة العامة للجمعية شهرزاد بن صالح “أن إدمان الشباب التونسي على وسائل التكنولوجيا الحديثة على غرار الكمبيوترات والألعاب الإلكترونية والهواتف الذكية وغيرها أصبح يشكل خطرا على صحتهم”. وأشارت إلى “أن نسبة 20 بالمئة من الشباب التونسي يريدون العلاج لتجاوز هذا الإدمان الذي أثر على علاقتهم بمحيطهم الخارجي”.

ومن جانبها أفادت الكاتبة العامة الجمعية العلمية التونسية للطب العائلي، خديجة زيتون بأن درجة خطورة هذا الإدمان على الإنترنت عالية جدا إذ يصعب التخلص منه لاحقا وقد يؤدي إلى العزلة وعدم التواصل مع المجتمع أو إلى الوقوع في فخ شبكات خطيرة أو الوصول إلى مرحلة إيذاء الذات والانتحار خاصة بالنسبة للمراهقين.

واعتبرت الأستاذة في الطب النفسي للأطفال بمستشفى المنجي سليم أحلام بلحاج، أن ظاهرة الإدمان على استخدام الإنترنت تحولت إلى ظاهرة مجتمعية في تونس بتسجيل عدة حالات متقدمة من الإدمان عليها، مذكرة بأن آخر الدراسات كشفت أن نسبة تتراوح بين 15 و20 بالمئة من المراهقين في تونس هم مصابون بالإدمان على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

خارج التغطية يفضح الإدمان

يقول محمد علي، طالب هندسة في مجال تكنولوجيا المعلومات “لم تبدأ قصتي مع شبكة الإنترنت قبل سنوات المراهقة، كنت أعتمد على لقائي مع أصدقائي وعلى التلفزيون للترفيه عن نفسي. لكن الأمر تغير في أحد أيام فصل الصيف عندما اشترك والدي في إحدى باقات الإنترنت، حينها، بدأت رحلتي مع “الويب” الذي منحني القدرة على الوصول إلى كل شيء أفكر فيه. كان العالم واسعا لدرجة أنني لم أعرف من أين أبدأ. لكنني قررت إنشاء حساب على فيسبوك حتى أتواصل مع أقراني وأبناء معهدي الذين نجحوا في إقناعي بالانضمام للموقع.

وجعل الانبهار بشبكة الإنترنت والإعجاب بها، محمد  (25 عاما)، يقبل عليها أكثر فأكثر ويوضح ، “أصبحت مدمنا على الإنترنت. وأصبح الكمبيوتر وجهتي كلما عدت إلى المنزل. وكنت أستمتع بمشاركة الصور والمقاطع التي تعجبني وتضحكني. لم أتفطن إلى الأمر إلى أن انتهت صلاحية اشتراك البيت في الإنترنت. أحسست بأنني كنت مدمنا على السجائر. كان عليّ تجديد الاشتراك بسرعة حتى أستعيد بوابتي إلى ذلك العالم. أردت أن أرجع بسرعة إلى حسابي على موقع فيسبوك حتى أتواصل مع أصدقائي الذين أعرفهم وأولئك الذين تعرفت عليهم من جميع أنحاء العالم”.

وكان علماء نفس أميركيون قد أكدوا أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر تسببت في أن المزيد من الأشخاص أصبحوا يشعرون بالوحدة. وأفادت نتائج دراستهم التي أجروها في جامعة بيتسبرغ الأميركية أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعتين خلال اليوم يضاعف فرص شعور المستخدمين بالعزلة الاجتماعية. وأضافت أن تعرض المستخدمين لصور مثالية لحياة الآخرين يزيد من مشاعر الحقد والغيرة لديهم.

وقالت الأستاذة الجامعية إليزابيث ميلر المشاركة في الدراسة “من الممكن أن يكون الشعور بالعزلة أدى بالمستخدمين من الشباب إلى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، أو أن استخدامهم لهذه المواقع هو الذي أدى بهم إلى الانفصال عن الواقع”.

وأجريت الدراسة على نحو 2000 شخص تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عاما. وقال الأستاذ الجامعي برايان برايماك من جامعة بيتسبرغ “هذه قضية هامة وتستدعي الدراسة في ظل الانتشار الكبير للأمراض النفسية بين المراهقين”. وأضاف “في الوقت الذي تقدم وسائل التواصل الاجتماعي فرصا لملء الفراغ في الحياة الاجتماعية، لا تقدم تلك الوسائل كل الحلول التي يسعى إليها مستخدموها”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: