وأجبت صديقي من البوليساريو: الضامن هو الله

لم يعد التعديل الحكومي المرتقب يثير اهتمام الرأي العام المغربي، وعيا منه بعدم جدوى أي تعديل في تحسين حياة الناس، بعد تدهور قطاعات مثل الصحة والشغل والتعليم، لكن الاهتمام منكب الآن على قضية هاجر الريسوني وتبعاتها، التي تعد من القضايا التي تؤكد المقولة الشهيرة «إذا كنت في المغرب فلا تستغرب».
قضية هاجر الريسوني، إحدى أغرب قضايا العهد الجديد،  تتلخص في اعتقال الدولة المغربية لصحافية من «أخبار اليوم» وهي تغادر عيادة طبية في العاصمة الرباط، لتجد نفسها أمام تهمة الإجهاض في بلد يشهد يوميا أكثر من 600 عملية من هذا النوع تحت أعين السلطات. ورغم نفي الصحافية المنتمية الى جريدة غير مهادنة وهي «أخبار اليوم»، إجراء الإجهاض معززة كلامها بتقرير طبي وقعه عدد من أطباء أحسن مستشفى عمومي في المغرب، هو مستشفى ابن سينا في العاصمة الرباط، ارتأت الدولة إجراء خبرة مضادة عند طبيب في مستشفى مختلف، حيث وقع على خبرة طبية مشكوك في أهليتها، وفق الدفاع.

وأبدع الإعلام العمومي والإعلام المقرب من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في التشهير والتشنيع، بنشر كل تفاصيل الحياة الطبية الخاصة لهاجر الريسوني، وكأننا أمام محاكم تفتيش من نوع جديد.
وكلما شهد المغرب قضية مثيرة للجدل، خاصة المتعلقة بالحريات والفساد المالي، أنتظر اتصالا من صديق لي ينتمي الى جبهة البوليساريو ليستفسرني بخلفية استفزازية، محاولا إقناعي بطريقة أو أخرى، لماذا لا يرغب شباب البوليساريو الانضمام إلى المغرب، واعتدت بدوري الاتصال به وبخلفية استفزازية كذلك، عندما يقع شيء ما في مخيمات تندوف أو في تمثيلية من تمثيليات الجبهة في الخارج، فهو استفزاز متبادل لكن بروح الدعابة والمشاكسة وليس بروح الانتقام.

لم يعد التعديل الحكومي المرتقب يثير اهتمام الرأي العام المغربي، وعيا منه بعدم جدوى أي تعديل في تحسين حياة الناس

سألني الصديق، متحديا، على هامش قضية هاجر الريسوني: هل القانون المغربي يسمح بالتشهير وخاصة بالنساء؟ استوعبت مغزى سؤاله، فالتقاليد الصحراوية تمنح المرأة مكانة خاصة، حيث يجرم التشنيع والتشهير، وكان جوابي: نظريا لا لأنه قانون متطور ينص على احترام الحياة الخاصة. وأضاف سؤالا آخر: ولماذا يتم التشهير بهاجر الريسوني بشكل وحشي؟ وفي حالة انضمامنا النهائي للمغرب: هل يضمن الدستور المغربي حماية الحياة الخاصة؟ أم كل من أعرب عن موقف لا يرضي السلطات العميقة، أو كان لديه فرد من العائلة لديه مواقف سياسية راديكالية لا تروق للنظام، يجد نفسه مشنوقا ومقتولا معنويا أمام الرأي العام؟ وكان جوابي: لدينا في المغرب دستور متقدم نسبيا، وقوانين مقبولة للغاية، ولكن الدولة لا تحترمها، ولهذا لا يضمن الدستور حقوقك في حالة عودتك الى المغرب في الوقت الراهن، وإنما الضامن هو الله فقط، وما يحققه الشعب المغربي من مكتسبات بفضل تضحيات جسام ومؤلمة أحيانا. أسئلة صديقي الصحراوي محرجة، اعتاد اختيار تلك التي لا جواب عنها سوى من طرف القابضين على زمام السلطة في المغرب. ومن هذه الأسئلة مثلا: لماذا لم يتحرك القضاء في ملفات الفساد ومنها، الحسابات السرية في سويسرا وشركات مغاربة في بنما؟ وأسئلة أخرى:مثل الذي طرحه الملك بنفسه وهو: أين ذهبت الثروة؟ وهناك أخرى تتعلق بالصحافة مثل، توفيق بوعشرين وحميد المهداوي وناشطي الريف، وكلهم معتقلون في ملفات لم يقبل الرأي العام الخروقات التي شابتها، ورفض بقوة الأحكام التي صدرت بشأنها.
والواقع أن تأمل المشهد العام في المغرب يدعو للغرابة، فقد سيطرت خلال الثلاث السنوات الأخيرة وقائع مرتبطة بالاعتقال والفساد والسجون، وأصبحت بيانات مؤسسة السجون والشرطة والنيابة العامة، وتلك الصادرة عن الجمعيات الحقوقية الدولية والوطنية، بشأن الخروقات تفوق وبكثير بيانات وزارة الخارجية والاقتصاد ورئاسة الحكومة وباقي الوزارات جماعة. وهذا يعني تحول المغرب الى دولة الأحزان بدل دولة الأفراح.
القابضون على السلطة، ولاسيما الشأن الأمني، هم أسرى نظرة واستراتيجية قصيرة المدى جدا، مثل ذلك المياوم الذي يخرج يوميا عن من يستخدمه للحصول على العيش ليوم واحد، بدل التفكير والبحث عن العمل القار. ويعتقد أصحاب هذه النظرة من خلال «فتوحات أمنية محدودة» في استعادة هيبة الدولة، بينما هيبة الدولة الحقيقية تتجلى في ما قدمته للشعب من خدمات  في الصحة والتعليم والشغل ومحاربة الفساد، وهي خدمات غائبة. يعتقد أصحاب هذه الرؤية في تعزيز مكانة الدولة، لكن التاريخ المغربي يؤكد أنه كلما زاحت السلطة الأمنية عن الطريق، وقعت قلائل وانهارت وحدة البلاد، ويكفي العودة لقراءة الأحداث التي وقعت منذ نهاية القرن التاسع عشر.
أدرك أن صديقي الصحراوي أو «المغربي المتمرد» كما يحلو لي نعته، سيتصل بي مجددا، لأن قائمة أخطاء الدولة الأمنية كثيرة ومتعددة طالما أنها تقوم على مفاهيم خاطئة، وحسابات أمنية ضيقة لا تراعي المصلحة العميقة للبلاد، وسيكرر سؤاله المستفز: هل الدستور المغربي يضمن الحقوق، وبطبيعة الحال سيكون جوابي هو: في الوقت الراهن الضامن هو الله.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: