المصالحة تعزّز موقع اليسار المغربي في التعديل الحكومي المرتقب

أطلق رئيس حزب الاتّحاد الاشتراكي إدريس لشكر نداءً للمصالحة داخل حزبه وتجاوز الخلافات الّتي تسبّبت في تصدّعات داخليّة، وبذلك تعزّز المصالحة حظوظ الحزب في التعديل الحكومي المرتقب. غير أنّ بعض قيادات الاتّحاد الاشتراكي تشكّك في جدوى هذه الخطوة، وترى أنّها ظرفيّة ومرتبطة بهاجس لشكر في الحفاظ على حضوره الوازن بالمشهد السياسي.

 أعلن رئيس حزب مشارك في الائتلاف الحكومي بالمغرب، الجمعة، انتهاء الجولة الأولى من مشاورات التعديل الحكومي المرتقب. يأتي ذلك في تصريحات أدلى بها إدريس لشكر، رئيس حزب “الاتّحاد الاشتراكي”، خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة الرباط، بمناسبة الذكرى 60 لتأسيس حزبه.

وبدأ رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني، في الآونة الأخيرة مشاوراته لتعديل حكومي، بحسب إعلام محلّي. وقال لشكر، إنّ “الجولة الأولى من مشاورات التعديل الحكومي انتهت”، دون تفاصيل أكثر، مكتفيا بذكر أنّ “المعني بتقديم الخلاصات هو رئيس الحكومة”. وأضاف “نحن نتحمّل المسؤولية في حصيلة الحكومة، لكنّنا نعتقد أنّها ثقيلة عدديّا وسياسيّا”.

وفسّر متابعون تصريحات لشكر بمحاولة استباقه لفرضيّة إقصائه من التشكيلة الحكوميّة الجديدة، حيث يملك كلّ أوراق البقاء بحكم التنويه الّذي طال أداء وزير الهجرة المنتمي إلى الاتّحاد الاشتراكي وما قدّمته وزارته من نتائج طيّبة.

وربط لشكر تحسين الأوضاع الاجتماعية بالمملكة مع خطوة التّعديل حكومي، وهي نظرة مهمة للتّماشي مع مقتضيات المرحلة، الّتي تستجيب لنداء العاهل المغربي الملك محمد السادس، الّذي دعا إلى تجنيد كفاءات جديدة.

وبمناسبة مرور عشرين عامًا على تولّيه الحكم، دعا العاهل المغربي إلى تعديل حكومي قبل أكتوبر المقبل. مشيرا إلى أنّ بلاده مقبلة على مرحلة جديدة ستعرف “جيلا جديدا من المشاريع”. ومؤكّدًا أنّها ستتطلّب “نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخّ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسيّة والاقتصاديّة والإداريّة، بما فيها الحكومة”.

وقد أبدى لشكر دعمه للتعديل الحكومي بشدّة. كما حاول مغازلة رئيس الحكومة وترك الحريّة له في اختيار الفريق الجديد، بهدف الحفاظ على  حظوظ حزبه في التّعديل الحكومي.

وقالت المصادر المطّلعة على كواليس المشاورات الحكومة إنّ إدريس لشكر نزل بثقله ومن ورائه عدد من القياديين الكبار حتّى يستمرّ حزبه في الحكومة، مشيرة إلى أنّ رئيس الحكومة مرن إلى أقصى الحدود في التعاطي مع طلبات قيادة الاتّحاد الاشتراكي، وهو ما ظهر في لقائه بالكاتب الأوّل للحزب إدريس لشكر والحبيب المالكي عضو المكتب السياسي، والّذي يشغل منصب رئيس مجلس النواب.

لشكر: المرحلة تتطلّب لمّ شتات اليسار

وأكّدت المصادر أنّ رئيس الحكومة يتعامل مع ضغوط بعض الأحزاب السياسيّة بنوع من البراغماتية والواقعيّة في ما يخصّ الأسماء المقترحة، حتى يتمّ إخراج التعديل الحكومي من عنق الزجاجة. ولفت الباحث في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية رشيد لزرق، أنّ على العثماني عدم الاستسلام لمنطق الابتزاز الّذي تَنهجه بعض القيادات الحزبيّة المشكّلة للتحالف، والّتي لا تقترح إلّا أسماء انتهازية فاقدة للمصداقية”.

واعتقادا منه أنّ أقصر الطّرق للبقاء داخل الأحزاب المتصدّرة للانتخابات المقبلة آثر إدريس لشكر السّلامة السياسية والتنظيمية بإطلاقه رسميّا نداءً من أجل “ترصيص الصفوف داخل الاتّحاد الاشتراكي، وإعادة الدّفء للعائلة اليساريّة التي أصابها العطب السياسي إلى حدّ التّشرذم”. وفي هذا الصدد، أعلن لشكر في ذكرى تأسيس حزب الاتّحاد الاشتراكي أنّ “النداء لا يستهدف تسجيل مواقف ظرفيّة أو مؤقّتة، بقدر ما يسعى إلى إعادة بعث روح الوحدة في صفوف مناضلين ومناضلات قادتهم الظروف إلى الابتعاد عن العمل السياسي.”

والمصالحة الّتي يريدها لشكر موسّعة ومنفتحة على كلّ الطاقات الحزبيّة وبمثابة دعوة لكافة القيادات للعودة والرجوع والاندماج من جديد في حضن الاتّحاد الاشتراكي. ولا يستهدف النداء تسجيل مواقف ظرفيّة أو مؤقّتة، بقدر ما يسعى إلى إعادة بعث روح واحدة في صفوف مناضلين ومناضلات قادتهم الظروف إلى الابتعاد عن العمل السياسي”.

ونظرا إلى أنّه حزب يساري له باع في العمل السياسي، انطلاقا من دوره باعتباره معارضا منذ انشقاقه على حزب الاستقلال في خمسينات القرن الماضي، وقاد الحكومة نهاية التسعينات وشاركت قياداته في عدد من الحكومات آخرها التي يقودها حزب العدالة والتنمية، يحاول اليوم استعادة حضوره القويّ في المشهد السياسي، حيث يعمل على إعادة تموقعه من خلال مصالحة داخليّة وفي الوقت نفسه على الإبقاء على حظوظه في الحقائب الوزاريّة.

برّر لشكر هذه الدعوة بإيمانه ‘بالتغيير والقدرة على تجاوز الاختلافات’، مشدّدا على أنّ الدّعوة للمصالحة ”لا تنطلق من منطق الخصومة”. ودعا أيضا كافة قيادات الحزب وأعضائه في هذا النّداء الّذي سمّاه “نداء الانفتاح والمصالحة”، إلى لمّ الشّمل وتجميع الطّاقات والكفاءات الحزبيّة وتجاوز الخلافات، من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف المرجوّة المراعية لتطلّعات كلّ المكونات الشعبيّة.

وقال أحد القياديين المعارضين لخطّ القيادة الحالية داخل الاتّحاد الاشتراكي، امتنع عن ذكر اسمه، إنّ الدعوة إلى المصالحة خطوة إيجابية، لكنّها تحتاج إلى منطق المحاسبة والمكاشفة حتى نطمئنّ على أنّ هذه الدعوة غير مرتبطة بمصلحة ظرفيّة.

من جهته يعتقد مهدي المزواري، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، أنّ الحزب عندما يكون موحّدا سيشكلّ حينئذ رقما قويّا في المشهد السياسي.” مضيفا. ” نحن نراهن على المرحلة المقبلة وعلى المصالحة حتى يبقى فاعلا بالمشهد السياسي.”

وهناك من ربط النتائج الانتخابية المتواضعة للحزب في سنة 2016 بما يعيشه التنظيم السياسي من انقسامات، لكنّ إدريس لشكر متفائل بما سيحقّقه الاتّحاد الاشتراكي في الاستحقاقات الانتخابيّة المقبلة. ويعود تفاؤله إلى ما سمّاه الصورة الإيجابيّة لحزب الاتّحاد الاشتراكي والتمشّي الديمقراطي داخله، وهي مؤشّرات يراها في صالح حزبه. مؤكّدا أنّنا “سننجح وسننتصر، خاصّة وأنّ المشهد الحزبي الذي كان قد أفرز قطبية مصطنعة اليوم انهارت وتلاشتْ ولم يعد لديها أيّ حضور”.

وفي نهاية يوليو الماضي، أعلن الملك محمد السادس، خلال خطاب للشعب بمناسبة الذكرى العشرين لتولّيه الحكم، أنّ الحكومة (بقيادة حزب العدالة والتنمية) مقبلة على تعديل في تشكيلتها قبل الجمعة الثانية من أكتوبر المقبل، تاريخ افتتاح السنة التشريعية في البرلمان.

وفي 17 مارس 2017، عُيّن الملك العثماني (61 عاما) رئيسا للحكومة، خلفا لعبد الإله بنكيران (63 عاما)، وضمّت أحزابا كان بنكيران يرفض دخولها للتشكيلة الوزارية، ويعتبرها سبب “إفشال” تشكيل الحكومة بقيادته.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: