لغياب العدالة وجمود الإدارة.. المغرب يحدِّث نموذجه للتنمية

قال باحثان مغربيان إن اعتراف أعلى سلطة في المملكة، الملك محمد السادس، بمحدودية نموذج التنمية في المغرب يرجع إلى غياب العدالة الاجتماعية، وعدم تطوير الإدارة.

واعتبر الباحثان أن الإستراتيجيات المعُتمدة في المغرب منذ سنوات لم تراع الاحتياجات والمطالب الملحة للمواطنين.

وبمناسبة مرور عشرين عاما على توليه الحكم، دعا الملك، في خطاب للشعب المغربي نهاية يوليو الماضي، إلى مراجعة النموذج التنموي في المملكة، وتشكيل لجنة خاصة للنموذج التنموي يتم تنصيبها خلال أكتوبر المقبل.

ويُقصد بالنموذج التنموي معايير التنمية المعُتمدة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وقال الملك: “لقد أبان نموذجنا التنموي، خلال السنوات الأخيرة، عن عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية، وهو ما دفعنا للدعوة لمراجعته وتحيينه (تحديثه)”.

الموقف نفسه عبر عنه الملك قبل عامين، بقوله في خطاب موجه إلى البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للسنة التشريعية 2017- 2018، إن “المغرب، وإن كان قد حقق تقدما ملموسا يشهد به العالم، إلا أن النموذج التنموي الوطني أصبح غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية”.

3 مبادئ رئيسية

اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب (حكومي)، في تقرير له العام الماضي، أنه “ينبغي على المغرب تعبئة مختلف قواه الحية، بغية بناء نموذج تنموي، يقوم وجوبا على سياسات عمومية منسجمة وتشاركية هدفها خدمة المواطن، وتؤهل المغرب للانتقال بسرعة إلى عتبة أعلى من التنمية، التي يعود نفعها على جميع المواطنين والمواطنات”.

وأضاف المجلس أنه “لتجسيد هذا الطموح، يتعين إعمال ثالثة مبادئ رئيسية، هي: اقتسام ثمار الازدهار، سواء بين المواطنين أو بين مناطق البلاد، ارتكازا على نمو يخلق فرصا يستفيد منها الجميع على قدم المساواة”.

والمبدأ الثاني هو “عدالة اجتماعية تكافح الامتيازات وتعلي من قيم الاستحقاق والعمل وتحرص على الإشراك الحقيقي للفئات الأكثر هشاشة في مسلسل التنمية”.

أما المبدأ الأخير فهو “ديمقراطية تمثيلية وتشاركية تمكن من تدبير المصير المشترك في مناخ من الحرية والتسامح واحترام الحقوق”، بحسب المجلس.

حلقة اقتصادية مفرغة

قال بن يونس المرزوقي، أستاذ باحث في كلية القانون والاقتصاد والعلوم الاجتماعية بوجدة (شرق)، إن “سبب الحديث عن فشل النموذج التنموي القائم يرجع أساسا إلى ظاهرة عدم انعكاس النمو الاقتصادي على تحسين وضع المواطنين، رغم ارتفاع نسبة الاستثمار العمومي (مثل إنشاء البنى التحية) الذي تقدم عليه الدولة”.

وتابع المرزوقي أن “هذا الاستثمار العمومي جعل البلاد في مرتبة متقدمة جدا ضمن الدول التي اعتمدت هذا الأسلوب، مثل الصين وكوريا الجنوبية”.

واستطرد: “في هاتين الدولتين مثلا أدى ذلك إلى تسارع التنمية بمختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية أساسا، وأصبحت اقتصاداتها قادرة على فرض نفسها في سوق المنافسة الدولية”.

واستدرك: “أما في المغرب، ورغم ارتفاع نسبة الاستثمار العمومي، فإن النتائج المترتبة عنه تمثلت أساسا في ضعف التنافسية ومزيد من إغلاق المقاولات (الشركات) وارتفاع المديونية، مما جعل البلاد وكأنها تدور في حلقة مفرغة”.

ومضى قائلا: “هذا ما يدفع الآن إلى البحث عن الصعوبات والعوائق التي تحول دون إنتاج الاستثمار العمومي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

إدارة غير متطورة

وفق البكاي محمدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الأول بوجدة، فإن “الإستراتيجيات التي اعتمدها المغرب منذ سنوات لم تراع الاحتياجات والمطالب الملحة للمواطنين، رغم أهميتها”.

وأضاف محمدي أنه “تم الرهان في هذه الإستراتيجيات على شركات كبرى متعددة الجنسيات، وتم تحضير جميع الشروط الجبائية (الضرائب) والقانونية لتواكب احتياجات تلك الشركات، لكن انعكاسات تلك الإستراتيجيات على المواطنين تحتاج إلى وقت أطول”.

ورأى أن “ما يُعقد حدوث الأثر المطلوب هو غياب التكامل بين الإستراتيجيات، مما أفرز قطاعات تشهد تطورا ملحوظا، كقطاع السيارات والموانئ، بينما تتراجع قطاعات أخرى، كالنسيج”.

واعتبر أن “الإدارة لم تواكب العصرنة والتطور الذي أقدم عليه المغرب، زيادة على التأثر بالأزمة العالمية، خصوصا وأن المغرب مرتبط ارتباطا اقتصاديا وثيقا باقتصاد الاتحاد الأوروبي، الذي يعاني من ضعف النمو، حيث تراجعت نسبة النمو في منطقة اليورو من 1,9% سنة 2018 إلى 1,3% سنة 2019”.

وحدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي 7 محددات للنموذج التنموي المأمول، هي: تنمية وتعزيز الرأسمال البشري، وإرساء ميثاق اجتماعي جديد قائم على الثقة وتقليص الفوارق، وتحقيق نمو مستدام عبر الاستثمار الأمثل لكل الإمكانيات، مع مراعاة ما يشهده العالم من تحولات مستمرة.

بجانب استكمال وتنفيذ برنامج الجهوية المتقدمة (اللامركزية)، وتحسين رفاه المواطنات والمواطنين والنهوض بمستوى عيشهم، وتعزيز أرضية القيم الوطنية عبر جعل الثقافة والرياضة رافعتين للتنمية، وأخيرا ضمان تموقع أفضل للمغرب في محيطه الإقليمي والدولي.

وخلال خطابه، نهاية الشهر الماضي، قال العاهل المغربي إنه كلف رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بتقديم مقترحات لـ”إغناء وتجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى”.

وأضاف أن المملكة مقبلة على مرحلة جديدة ستعرف “جيلا جديدا من المشاريع” تتطلب “نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: