سلطة الأمر الواقع في الجزائر تتلاعب بالدستور

توحي الخروقات المستمرة للدستور من طرف المؤسسات الانتقالية في الجزائر، بتمسك سلطة الأمر الواقع بالمخارج الدستورية للأزمة السياسية في البلاد، لا يعدو إلا أن يكون مجرد خطاب مزدوج يتناقض بين الشكل والممارسات، ففيما ترفض مطالب المعارضة السياسية والحراك، يتم الاحتفاظ برئيس مؤقت غير شرعي وحكومة تصريف أعمال منبوذة شعبيا، وخروقات يومية للدستور.

وأمام إصرار سلطة الأمر الواقع على رفض الحديث عن مرحلة انتقالية في البلاد، فإن الوضع الذي تعيشه منذ نهاية المهلة الدستورية للرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، منذ التاسع من يوليو المنقضي، يفضي إلى أن الدولة تعيش خارج الدستور والتشريعات وفي حالة استثنائية غير معلنة.

وقال الخبير الدستوري عامر رخيلة إن “بقاء بن صالح على رأس الدولة غير شرعي وغير دستوري، وكل ما ترتب عنه يعتبر باطلا وغير قانوني، لأن ما بني على باطل فهو باطل”، في إشارة إلى جملة من القرارات السياسية والوظيفية التي اتخذها بن صالح خلال الأسابيع الأخيرة، حيث نسبت إليه قرارات تعيينات وتنحيات لمسؤولين وموظفين كبار في الدولة.

ولفت رخيلة، إلى أن استمرار بن صالح في منصبه مرتبط بتاريخ معين للانتخابات الرئاسية وإلا كان اغتصابا للسلطة، وهو ما يحدث الآن، حيث يقترب الرجل من استنفاد شهرين من المهلة الثانية، دون الإعلان عن موعد محدد للانتخابات، وهو المبرر الدستوري الوحيد لتواجده على رأس السلطة.

ولا تزال المؤسسة العسكرية متمسكة بالمؤسسات الانتقالية الموروثة عن نظام بوتفليقة، رغم رفضها شعبيا وسياسيا وعدم شرعيتها دستوريا، وهو ما يكرس الحالة الاستثنائية غير المعلنة في البلاد، حيث باتت قيادة الجيش تتحكم في مسارات الأزمة وتوجه الخطاب صوب الوجهة التي تحبذها.

ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن استمرار قائد أركان الجيش الجنرال قايد صالح، في الخطابات السياسية والخوض في شؤون الأزمة الداخلية، هو أول انحراف عن الدستور الذي تتمسك بمخارجه لطي صفحة الأزمة، فدستور البلاد خص المؤسسة ببند واحد هو البند الـ28 لتحديد مهامه وصلاحياته.

ويبقى الجنرال قايد صالح (80 عاما)، هو رئيس أركان الجيش ونائب لوزير دفاع غير موجود بعد تنحي رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، مما يثير الشكوك في الخلفية القانونية والتشريعية للدور والنفوذ المتعاظم للعسكر خلال الأشهر الأخيرة خارج الأطر الدستورية.

وأفضت إقالة وزير العدل السابق واستخلافه بالوزير الجديد بلقاسم زغماتي، في الحين الذي يتحفظ فيه على تنحية الحكومة بدعوى عدم دستورية الخطوة، إلى تناقض صريح في الخطاب والممارسة لدى سلطة الأمر الواقع، التي ما انفكت تخترقه في أكثر من مرة، بينما تتمسك به لما يتعلق الأمر بحكومة نورالدين بدوي وبالمرحلة الانتقالية للخروج من نفق الأزمة السياسية.

Thumbnail

وأبان السجال القائم بين وزير العدل الجديد بلقاسم زغماتي وبين نقابة القضاة، حول قرارات التوقيف التي طالت أربعة من موظفي جهاز القضاء (قاضيان ووكيلا جمهورية)، خروج مؤسسات الدولة عن مقتضيات النصوص الدستورية والتشريعية، وتفرد رموز السلطة الجديدة بالقرار.

وذكر بيان للنقابة أن التشهير بقرار التوقيف من طرف وزير العدل، يتنافى مع مضمون القوانين الناظمة للقطاع، لأن مثل هذه القرارات تخضع لتدابير واضحة يكون فيها للشريك الاجتماعي والمؤسسات الأخرى رأي ولا يحق للوزير الانفراد بها والتشهير بها أمام وسائل الإعلام.

وأضاف “إن سبب توقيف وكيل الجمهورية المذكور في البيان الصحافي على أساس المادة 26 الفقرة الأخيرة من القانون الأساسي ليس في محله، وأن تلك المادة تجيز للوزير لضرورة المصلحة نقل قضاة النيابة العامة أو محافظي الدولة أو القضاة العاملين بالإدارة المركزية لوزارة العدل ومؤسسات التكوين والبحث التابعة لوزارة العدل والمصالح الإدارية للمحكمة العليا ومجلس الدولة أو تعيينهم في مناصب أخرى مع إطلاع المجلس الأعلى للقضاة بذلك في أقرب دورة له، مع العلم أن هذه المادة لا تتيح لوزير العدل بتاتا إنهاء مهام القضاة” .

وتابع “تدعو النقابة إلى الكف عن التشهير والمساس بشرف القضاة الموقوفين واحترام القانون، وأنها لن ترضى باعتبارها الممثل الشرعي للسلطة القضائية وحريصة على تطبيق القانون واحترامه، وأن تكون هي ذاتها ضحية لخرق القانون، وأنها لن تتوانى عن ممارسة حقها المشروع في الرد بالطريقة التي تراها مناسبة في حالة تسجيل أي خرق من هذا القبيل مستقبلا” .

ورغم الحالة الأمنية الملتبسة التي كانت تعيشها الجزائر منذ العام 2012، لما رفعت حالة الطوارئ بقرار من الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بينما بقيت نفس الإجراءات المشددة، فإنه لا شيء تغير بعد تنحيه، فنفس الممارسات لا تزال مطبقة رغم تنافيها قانونيا ومؤسساتيا مع النصوص التي وضعها المشرع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: