ضرائب ورسومات سياحية تنظم تدفق عشاق السفر والاستجمام

يشهد العالم انتعاشا سياحيا مع تحسن مستوى دخل الفرد وانتشار الإنترنت الذي ساهم في التعريف بالمواقع السياحية الشهيرة وتسهيل خدمات قطع تذاكر الطيران وحجز الفنادق، لكن هذا الانتعاش الذي تحول إلى ازدحام أصبح يشكّل مصدر قلق للسياح والسكان المحليين ربما يتوقف مع فرض الرسومات والضرائب على السياح.

يثير الازدحام الشديد المزمن في بعض المناطق السياحية الشهيرة، غضب السكان المحليين واستياءهم، واتخذ عدم رضاهم أشكالا متنوعة، من الاحتجاج المهذّب، إلى كتابة “ارجعوا إلى بلادكم” على الجدران، فيما لجأ بعض آخر إلى ترويع السياح.

قمة إيفريست التي وطأتها الأقدام أول مرة سنة 1953، أصبحت في الآونة الأخيرة تستقبل أعدادا هائلة من المتسلقين الذين يريدون خوض تحدي الوصول إلى هذه القمة الشاهقة، حتى أصبح المتسلقون يموتون بسبب الاكتظاظ.

وتضاعف عدد السياح المتنقلين بين الدول منذ منتصف القرن العشرين، وبلغ عددهم نحو 1.4 مليار سنة 2018، شهدت أوروبا الحصة الأكبر منه، لكن يبقى النصيب هاما لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ أيضا.

ويعود ارتفاع عدد السياح في العالم إلى ارتفاع دخل الفرد في العديد من البلدان، ولعبت التكنولوجيا دورا رئيسيا في هذه الظاهرة، فمع انخفاض كلفة السفر جوا لتصبح في المتناول، أصبح من الممكن للمسافرين حجز التذاكر والفنادق والرحلات عبر الإنترنت قبل انطلاق عطلهم.

يتم استخدام العائدات من ضريبة السياحة، لمعالجة مشاكل البنية التحتية والبيئية والحفاظ على التراث الثقافي

وأصبحت السياحة تمثل رافدا اقتصاديا مهما للبلدان التي تمكنت من جذب أعداد كبيرة من الزوار، حيث بلغ إجمالي الإيرادات المباشرة من السياحة 1.6 تريليون دولار في سنة 2017، أي 2 بالمئة من الاقتصاد العالمي بأكمله.

هذا التدفق السياحي يحمل جانبا سلبيا أيضا، حيث أصبح السفر إلى الوجهات الأكثر شعبية يسبب ما يسميه الاقتصاديون “العوامل الخارجية للازدحام”، فأصبحت تجربة السائح حين يتوجه إلى مكان مشهور غير مريحة، كما يُشعر الازدحام الشديد الآخرين الإحساس بالمضايقة.

وعبر جنوب أوروبا، من شوارع برشلونة المزدحمة إلى الأعداد الكبيرة من سفن الرحلات السياحية المكتظة بالركاب في دوبروفنيك في كرواتيا والبندقية في إيطاليا، يشكو السكان المحليون من أن زيادة كبيرة في حركة السياحة جعلت الحياة لا تُطاق بالنسبة إليهم.

وأذكى هذا الاستياء مخاوف بشأن السياحة، أحد أكبر المحركات الاقتصادية في أوروبا ودفع السلطات إلى التحرك، إذ تدرس روما تقليص أعداد الزوار لبعض الأماكن، مثل نافورة تريفي، وتخطط دوبروفنيك لتقييد سفن الرحلات السياحية، في حين تتجه برشلونة إلى فرض ضريبة جديدة على السياحة.

السياحة

وفي البندقية، يسير بعض السكان من حين لآخر وسط مجموعة من الزوار، للاحتجاج على فيالق السياح وهم يرفعون لافتة كتب عليها “مستقبلي هو البندقية”. وفي برشلونة، يتنامى الغضب منذ فترة، وتحولت الكتابة على الجدران إلى تهديدات، وكُتب على أحد الملصقات “لماذا نطلق عليه موسم السياح ونحن لا نستطيع إطلاق النار عليهم؟”.

وعُرضت فيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحت شعار “السياحة تقتل الأحياء”، وبلغ سمع السياح أن السكان المحليين في العديد من المدن لا يرحبون بالسياح.

وقلصت مدينة دوبروفنيك الكرواتية الواقعة على ساحل البحر الأدرياتيكي عدد السفن السياحية التي تتردد على الميناء يوميا، نظرا إلى القلق من الازدحام الشديد في موقع تصنّفه “يونسكو” ضمن التراث العالمي.

ويتناقص عدد السكان المحليين في المدينة مع نزوحهم، هربا من الازدحام واختناقات حركة المرور والضوضاء.

وتزايدت حركة السياحة في جنوب أوروبا بشكل كبير على مدى السنين الماضية، لأسباب من بينها تفضيل السياح تلك المنطقة على المواقع السياحية الأخرى في منطقة البحر المتوسط، حيث تشكل المخاوف الأمنية مبعث قلق بالنسبة لدول مثل تونس ومصر وتركيا.

​ السياحة    ​

وتشهد الدول الآسيوية ازدحاما سياحيا وخاصة في ما يتعلق بمعابدها كمعابد كمبوديا وبالي وتايلاند وماليزيا والصين لقلة تكاليف السفر إليها، ما قد يعرض هذه المعالم المقدسة إلى التلف.

بنية تحتية تترهل

قال الخبير الاقتصادي في البنك الدولي كياتيبونغ آريابروشيا، إن نجاح تايلاند في جذب عدد ضخم من السياح يثقل كاهل بعض قطاعات البنية التحتية التي تتعامل مع هذا الطوفان السياحي مثل المطارات.

ويرى خبراء السياحة، أنه على المدى الطويل لن تكون فكرة إبقاء المواقع السياحية على استعداد لإيواء وإطعام أفواج السياح على حساب السكان المحليين فعالة على المدى الطويل، خاصة وأن الطبقات الوسطى من مختلف دول العالم تبحث عن فرصة زيارة جبال الألب ورؤية البيغ بان وبرج إيفيل في لندن وباريس والمعالم الأثرية الإيطالية والقنال الكبير في البندقية وتايمز سكوير في نيويورك.

وقد أدى الارتفاع القياسي في السياحة في السنوات الماضية إلى نمو الاقتصاد النيوزيلندي المثير للإعجاب، لكنه ترك البنية التحتية في البلاد مضغوطة، حيث يشتكي السكان المحليون من صعوبة السير في الطبيعة الهادئة بسبب ازدحامها بالسياح والقمامة.

آداءات إضافية

هذا الازدحام والعدد المرتفع للسياح لسوء الحظ، سيجعلان السفر عملية غير مريحة وغير ممتعة للجميع، لذلك بدأت العديد من المدن والمواقع السياحية وخاصة الأوروبية في البحث عن حلول أخرى، فأمستردام مثلا، تعمل على تقليص الإعلانات والترويج لنفسها كوجهة سياحية، فيما تفكر دول أخرى في توجيه السياح إلى أماكن سياحية أخرى لتخفيف الضغط السياحي كما تفعل اليابان.

السياحة

وفرضت البندقية رسوما إضافية على السياح تتراوح بين 2.5 و10 يوروهات حسب الموسم، قال عنها عمدة البلدية لويجي بونارو، “الهدف هو جعل المدينة أكثر ملاءمة للعيش” بالنسبة للمقيمين و”تقليل التكاليف الإضافية” التي تتكبدها المدينة بسبب السياحة الجماعية، مثل جمع النفايات والحفاظ على تراث المدينة.

ما يثير الجدل لدى السياح متوسطي الدخل هو الاتجاه إلى فرض رسوم سياحية في المدن السياحية الشهيرة، في إجراء يمكن أن يحد من الاكتظاظ السياحي الذي يخنقها، فبدأت تأخذ رسوما مالية من الزوار الراغبين بدخولها، كما هو الحال في الجزر الإيولية ولامبيدوزا في صقلية.

وتعمل مختلف البلدان والمدن الأوروبية الأخرى على التخطيط أو تطبيق الضرائب على الفنادق وأماكن الإقامة الليلية الأخرى.

ووافق مجلس العاصمة الاسكتلندية إدنبرة على فرض ضريبة السائح لتصبح أول مدينة بريطانية تطبّق الضريبة السياحية.

الضريبة الجديدة هي جنيهان إسترلينيان لكل ليلة على جميع أنواع أماكن الإقامة باستثناء المعسكرات، وينتظر أن تدر 14.6 مليون جنيه إسترليني سنويا على خزينة المدينة. هذه الضريبة تأتي لتمويل البنية التحتية وتخفيف الضغط على القطاع السياحي المزدهر في الدولة الواقعة في جنوب المحيط الهادئ.

وقال وزير السياحة كلفن ديفيس في بيان، “من العدل أن يقدموا (السياح) مساهمة صغيرة حتى يمكننا المساعدة في توفير البنية التحتية التي يحتاجونها وحماية أفضل للأماكن الطبيعية التي يستمتعون بها”.

السياحة

وبدأت مدينة كيوتو القديمة باليابان، وهي مقصد سياحي شهير، في تقاضي ضرائب على المقيمين في الفنادق والنزل التقليدية والسكن الخاص للتخفيف من مشكلات مثل الازدحام وتحسين الخدمات السياحية.

وقد حذت مدن يابانية أخرى حذوها في تحصيل ضريبة الإقامة مثل مدينة كانازاوا ومدينة فوكوكا التي سنت قانونًا يحث المدينة على إنشاء مثل هذه الضريبة.

وتعتزم جزيرة بالي الإندونيسية فرض ضريبة قيمتها 10 دولارات على السائحين الأجانب.

ويتم استخدام العائدات من ضريبة السياحة، لمعالجة المشاكل البيئية للجزيرة والحفاظ على التراث الثقافي في جزيرة بالي.

ومن أغرب الضرائب المفروضة على السياح تلك التي تفرضها النمسا على الخدمات الطبية في الضريبة السياحية العادية، لكن لا يوجد مبلغ محدد لها، وتجمع مباشرة من خلال المنتجع الذي يقيم فيه السائح.السياحة

وتستضيف جزر البليار نحو 11 مليون سائح سنويا، ما يفرض ضغوطا كبيرة على الموارد المحلية للمنطقة، لهذا السبب فرضت ضريبة سياحية جديدة عام 2016، سميت بـ”ضريبة الشمس”.

وتفرض التكلفة على جميع زوار جزر مايوركا ومينوركا وإيبيزا وفورمونتيرا، وتتراوح قيمتها بين دولارين و4 دولارات في اليوم، وتستخدم لتحسين البنية التحتية للسياحة، مثل تنظيف الشواطئ والمناطق الساحلية، والحفاظ على مواقع التراث، واستعادة التوازن البيئي المحلي على وجه الخصوص.

ويرى الخبراء أن اعتماد دفع الرسومات من قبل السائح ستكون الحل الوحيد لحل معضلة الازدحام السياحي، لكنه سيمثل حتما خبرا سيئا بالنسبة للسياح من ذوي الدخل المتوسط، وهي الطبقة التي ساهمت في إنعاش القطاع السياحي في السنوات الأخيرة.

مع الرسومات الجديدة سيصبح السفر والإقامة في المدن السياحية الشهيرة متعة تقتصر على الأثرياء، ولن تكون السياحة رفاهية في مستطاع الطبقة المتوسطة.

السياحة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: