البوركيني سلاح الإخوان المتطور لمواصلة مسلسل البكائيات

لم تعد أنشطة التيارات الإسلامية المنحدرة في جلها من جماعة الإسلاميين في أوروبا وتحديدا في فرنسا خافية على أحد، ففرنسا يبدو أنها أصبحت مطاردة بلعنة وقوفها في فترات عدة إلى جانب الجماعة وترويجها لخطاب سياسي مفاده أن الإخوان هم معارضون ديمقراطيون، وبعد أن اكتوت باريس بتغلغل أفراد الجماعة في أجهزة الدولة، هاهي اليوم تجد نفسها مجددا في مطبّ البوركيني، بعدما دفعت التيارات الإسلامية بالمسلمات لتحدّي قوانين الدولة الفرنسية عبر مواصلة ارتدائهن لهذا اللباس، وذلك من أجل إتمام حلقات مسلسل الإخوان القائم على البكائيات ولعب دور الضحية.

لا يزال البعض من الصحافيين والباحثين يتساءلون في فرنسا عمّا إذا كانت الأصولية الإسلامية تمثّل خطرا على الجمهورية أم لا؟ ومنهم من يجيب بالسلب كما تبيّن في النقاش الدائر هذه الأيام حول قضية البوركيني التي تشغل الرأي العام الفرنسي في كل صيف، كما يشغله الحجاب ومشتقاته في الفصول الأخرى. فكثيرون وقفوا مع مجموعة النساء المرتديات للبوركيني اللواتي اقتحمن مسبحا عموميا في مدينة غرونوبل متحديات القوانين المعمول بها في كل مسابح الدنيا، معتبرين سلوكهن إيجابيا لا يهدفن من ورائه سوى الاندماج في المجتمع. ولا علاقة له بالإخوان المسلمين ولا بالسلفية ولا بالتطرّف.

وهو ما يكرره أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات التطبيقية بمدينة ليون والمتخصص في تسييس الإسلام في السياق الفرنسي، هاوس سينغر. والذي ينزع عن البوركيني كل صفة إسلاموية ويعتبره من مفارقات الحداثة وأنه منتوج خالص للرأسمالية التجارية التي تخلق طلبا لم يكن موجودا وتدنس المقدس من أجل المال.

وينتهي الأمر بالباحث إلى القول إنه بدل توجيه النقد للإسلاميين والإسلاميات في هذا الشأن ينبغي توجيهه إلى الرأسمالية التي تجعل من النساء كائنات طيعات لا واعيات يعملن لصالحها. ويرى الباحث في البوركيني علامة على رغبة النساء المسلمات في التلاؤم مع العلمانية وأنه يدل على انفتاح لا على تطرف. كيف يمكن لباحث يدعي التخصص في ظاهرة الإسلام السياسي في بلاده فرنسا ألاّ يضع قضية البوركيني في سياق صعود الإسلام السياسي -موضوع تخصصه- ومختلف المطالب الآتية من طرف الإخوان المسلمين منذ 30 سنة، ابتداء من المطالبة بالحق في ارتداء الحجاب في المدارس وتخصيص أوقات للنساء المسلمات في المسابح وأماكن للصلاة في أماكن العمل.. ووصولا إلى البوركيني؟

يبتغي الإخوان المسلمون تجنيد أكبر عدد من المسلمات للدفاع عن حريات مشبوهة بتقديم الأمر على أنه تمييز ضدهن

أما “مرصد اللائكية”، فيرى في كتيب نشره تحت عنوان “تسيير الظاهرة الدينية في المجال الرياضي” أن البوركيني يدخل في إطار حرية الضمير فلا يوجد تشريع يمنع ارتداء ملابس بدافع ديني. ويبقى رد فعل كاتبة الدولة من أجل المساواة بين الرجال والنساء مارلين شيابا متأخرا وغامضا، فمن جهة تقول بأنه شكل من إشكال المطالب الطائفية، ومن جهة أخرى ترى بأنه لا ينبغي ممارسة التمييز ضد النساء مهما كان دينهن أو طريقة حياتهن ويجب أن تفتح لهن المسابح البلدية! وتذهب زكية مزياني الإسلاموية والمترشحة سنة 2015 على قائمة الخضر في الانتخابات الإقليمية إلى مقارنة منع النساء مرتديات البوركيني من السباحة في مسبح غرونوبل البلدي بالهولوكست، المحرقة.

يبدو البوركيني المغلّف بحجاب اليسار الفرنسي المخاتل مجرد موضة للذين يسيل لعابهم أمام أصوات المسلمين الانتخابية، وكل الذين يبحثون عن التعايش السلمي بأي ثمن، في حين أن البوركيني هو تكييف لسلاح المعركة التي يشنّها الإخوان المسلمون على الحداثة في عقر دارها. تحت ضغط الإخوان، كانت الفتيات تضع في بداية الأمر منديلا ملونا على الرأس وشيئا فشيئا تحول إلى داكن وبدأت تختفي السراويل والفساتين تحت قماش أسود ولولا منع النقاب لكان هو الغالب اليوم. يهدف الإخوان إلى تعويد الناس على رؤية البوركيني في المسابح وعلى الشواطئ من أجل تحضيرهم لما هو آت من أسلمة قد تذهب بعيدا جدا.

تحاول الإخوانيات المرتديات للبوركيني تمرير الأمر على أنه عبارة عن مطالبة المجتمع الفرنسي بالتكيّف مع ممارسة دينية إسلامية، وتوسيع من مجال الحريات الفردية، بينما الحقيقة هي السعي الحثيث والمتواصل إلى جعل بعض الفضاءات خاضعة لتصوّر الإخوان المسلمين للدين الإسلامي.

ولئن كانت الليبرالية تتلون وتتلاءم مع مختلف الفئات والطوائف وتعمل على تفريق القوى الاجتماعية من أجل هدف واحد هو الربح، فلا يمكن للنظام الجمهوري العلماني أن يبقى واقفا إذا بدأ التنازل عن فلسفته الأساسية: تسبيق المساواة المواطنية على الخصوصيات من أجل اختلاط وانسجام المواطنين لا فصلهم عن بعضهم البعض كما يفعل الإخوان عن طريق الحجاب والنقاب على اليابسة والبوركيني على شواطئ البحر ومياه المسابح.

يحاربون الحرية باسم الدفاع عن الحرية
يحاربون الحرية باسم الدفاع عن الحرية

إن السعي إلى اغتصاب القوانين المتعلقة بتنظيم المسابح في فرنسا هو محاولة استفزاز واختبار لرد فعل المجتمع الفرنسي ومؤسساته الجمهورية، إذ القانون واضح حتى بالنسبة للأطفال الصغار فهم يعرفون أن السباحة ممنوعة بالسراويل القصيرة، وبالتالي بالبوركيني وذلك لدواعي النظافة والأمن.

يبتغي الإخوان المسلمون تجنيد أكبر عدد من المسلمات والمسلمين والمدافعين عن الحريات المشبوهة بتقديم الأمر على أنه تمييز ضد المسلمات من أجل خلق بلبلة ولعب دور الضحية، في حين أن البوركيني اعتداء على القانون. وقد بات بديهيا بالنسبة للعارفين لطرق الإخوان الخبيثة أنهم يعملون على خلق مجتمع مواز من المسلمين وميزان قوى يضغطون من خلاله على السلطات الفرنسية. لا يمكن أن يكون انتشار البوركيني على الشواطئ الفرنسية سوى بمثابة فصل المسلمين عن غيرهم من المواطنين الفرنسيين، بل هو رفع لعلم الإخوان القروسطي في تحدّ سافر لقيم الجمهورية.

ما معنى مواجهة قانون منع السباحة بالبوركيني؟ هو بكل بساطة محاولة رفع منع مبني على عقلانية طبية تضمن النظافة وفرض لاعقلانية الإيمان تحت يافطة الحق في الاختلاف. وذلك هو أسلوب الإخوان في الأسلمة. يدفعون بتلك “البوركينيات” إلى المطالبة بمعاملة خاصة تسبيقا لإيمانهن على قوانين البلد، وهكذا يقضمون الفضاءات شيئا فشيئا. يحاربون الحرية باسم الدفاع عن الحرية.

رغم الهجوم الإخواني المستمر على جمهوريتهم، لا يزال الفرنسيون غير مستعدين لمواجهة الوضع مواجهة جدية، وإن استمرت الأمور على ما هي عليه سيجدون أنفسهم بين فكّيْ التطرّف الإسلامي من جهة والتطرّف العرقي من جهة أخرى. وستصبح الحرب الأهلية حتمية لا مفرّ منها في فرنسا، إذا لم يوضع حدّ لسباحة الإخوان في مياه الانتهازية العكرة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: