في تقريرهم الجديد بعنوان “تغير المناخ والأرض”، حذر علماء اللجنة التابعة للأمم المتحدة، من أن العالم يواجه خطرا كبيرا من الجفاف وحرائق الغابات وذوبان الجليد والإمدادات الغذائية غير المستقرة، كما حذروا من أن درجات الحرارة العالمية سترتفع على الأرجح بمقدار 1.5 درجة مئوية بين عامي 2030 و2052 إذا استمر الاحتباس الحراري بالوتيرة الحالية وإذا لم يتخذ العالم إجراءات سريعة وغير مسبوقة، وعليه عرضت الهيئة الأممية للمناخ حلولا لضمان الأمن الغذائي ومكافحة الاحترار. ومن المتوقع أن ينظر كبار السياسيين بعين الاعتبار إلى النتائج الصادرة عن اللجنة الأممية، في قمة الأمم المتحدة للعمل المناخي المقبلة، والمقررة في 23 من سبتمبر المقبل في نيويورك.

ما الأهم، تأمين القوت لسكان الأرض المقدّر عددهم بالمليارات أم التصدّي للتغير المناخي؟ لتفادي الوقوع في هذه المعضلة، من الضروري إعادة النظر في طرق استخدام الأراضي وعاداتنا الغذائية، بحسب
الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

وفي تقرير خاص عرض الخميس في جنيف، طالبت الهيئة بتدابير على المدى القصير، لمواجهة تدهور الأراضي والهدر الغذائي وانبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة الصادرة عن قطاع الزراعة.

وتمعّنت وفود البلدان الـ195 الأعضاء في هذه الهيئة خلال خمسة أيام في هذا التقرير المعنون “التغير المناخي والتصحّر وتدهور الأراضي وإدارة الأراضي إدارة مستدامة والأمن الغذائي وانبعاثات غازات الدفيئة في النظم البيئية للأرض”. واعتمدته بعد مناقشات مطولة الأربعاء.

وباختصار، يستعرض هذا المستند الذي يقع في 1200 صفحة تأثير التغير المناخي على الأراضي المخصصة للزراعة وتربية المواشي والغابات وبالتالي على الأمن الغذائي. وهو يتناول أيضا تأثير الممارسات الزراعية وقطع الأشجار على المناخ.

25 إلى 30 بالمئة من إجمالي الإنتاج الغذائي يهدر اليوم، في وقت يعاني فيه نحو 820 مليون شخص من الجوع

وعرض “ملخّص هذا التقرير الموجّه إلى صنّاع القرار” الذي نوقش بحذافيره، خلال مؤتمر صحافي، الخميس. وأضيفت فقرات إلى هذا الملخص الواقع في 65 صفحة تتناول مشاكل المدن والتنمية الحضرية الآخذة في التوسّع.

وقد تسبب الإنسان بتدهور ربع اليابسة، فيما يفاقم التغير المناخي الوضع. وتشكّل هذه المعادلة الخطرة تهديدا يطال الأمن الغذائي لسكان يزداد عددهم مع الوقت ويقدّر حاليا بنحو 7 مليارات نسمة.

وقالت ديبرا روبرتس إحدى رئيسات فريق الخبراء الأممين المعنيين بشؤون المناخ خلال مؤتمر صحافي في جنيف، إن “الضغوط تزداد على الأراضي وتشكّل هذه الأخيرة جزءا من الحلّ لكن ليس في وسعها حلّ المشكلة بالكامل”. ويولدّ النظام الغذائي “ثلث انبعاثاث” الغازات المسببة لمفعول الدفيئة، على حدّ قول إدواردو كالفو بوينديا الذي يشارك أيضا في رئاسة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

والوقت يداهم، فحرارة اليابسة قد ارتفعت 1.53 درجة مئوية، أي ضعف الارتفاع الإجمالي للحرارة (بما في ذلك المحيطات)، بحسب التقرير.

هامش ضيّق

تغير المناخ

من أبرز خلاصات هذا التقرير أن “استخدامنا للأراضي… ليس مستداما وهو يساهم في التغير المناخي”، بحسب فاليري ماسون-دلموت القيّمة على إعداده. وهو يسلّط الضوء على “ضرورة التحرّك فورا”، وفق ماسون-دلموت.

وتشكل الزراعة والغابات، والاستخدامات البشرية الأخرى للأراضي حاليا، 23 بالمئة من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن صنع الإنسان.

وصرّحت عالمة المناخ الفرنسية في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس قائلة “تواجه الأراضي ضغوطا متزايدة من جرّاء الأنشطة البشرية”. أما جان-فرنسوا سوساسنا فيحذر بقوله “يكفي أن ترتفع حرارة الكوكب درجتين مئويتين لنواجه أزمات غذائية مناخية المصدر أكثر شدّة وتواترا”.

والهامش ضيّق جدّا إذا ما أردنا احتواء الاحترار المناخي وتداعياته المدمّرة وتوفير القوت لسكان المعمورة الذين قد يتخطّى عددهم 11 مليارا في نهاية القرن، في الوقت عينه.

ومنذ عصر ما قبل الثورة الصناعية ارتفعت حرارة الهواء على سطح الأرض بمقدار 1.53 درجة مئوية أي بمثلي الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية البالغ 0.87 درجة، الأمر الذي تسبب في المزيد من موجات الحر والجفاف والأمطار الغزيرة وكذلك تدهور حالة التربة والتصحر.

وتقول اللجنة الأممية إنه “من المتوقع… أن تزداد المخاطر بشدة في ظل درجات الحرارة المرتفعة”. وحذرت من أن العالم يواجه خطرا كبيرا من الجفاف وحرائق الغابات وذوبان الجليد والإمدادات الغذائية غير المستقرة.

ويرى بيرس فورتسر الأستاذ المحاضر في التغير المناخي في جامعة ليدز البريطانية “لا بدّ من تغيير سبل استخدام الأراضي تغييرا جذريا”. وأردف “ينبغي التفكير مليا في طريقة استخدام كلّ هكتار من الأرض لتساعدنا الأراضي على زرع أغذيتنا والحفاظ على التنوّع الحيوي والمياه العذبة وتوفير العمل لمليارات الأشخاص واحتباس مليارات الأطنان من الكربون”.

تغيير العادات الغذائية

تغير المناخ

أعدّت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ سيناريوهات مختلفة لحصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية أو دون درجتين مقارنة بالعصر ما قبل الصناعي. وتشمل هذه المقترحات العديد من التدابير لتخفيض درجة حرارة الأرض منها تغيير أنماط الاستخدام وقوامها التشجير وإعادة التحريج والحدّ من قطع الأشجار واستخدام مصادر الطاقة الحيوية.

وقد يكون للسيناريوهات التي تتطلّب تحويلا جذريا للأراضي (إعادة تحريج لاحتباس ثاني أكسيد الكربون وتخصيص حقول لمصادر الطاقة المراعية للبيئة) بغية مكافحة الاحترار المناخي “آثار جانبية غير مرغوب فيها”، من تصحّر وتدهور للتربة وتأثير على الأمن الغذائي، بحسب التقرير.

وقال ستيفن كورنيليوس من الصندوق العالمي للطبيعة الذي شارك في المفاوضات بصفة مراقب إن “الخيارات الصائبة في مجال استخدام الأراضي ضرورية لمجابهة الأزمة المناخية”.

وبالإضافة إلى خفض انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفئية الذي لا غنى عنه، تقترح الهيئة الأممية في جملة الحلول التي تقدمها، تغيير العادات الغذائية.

وجاء في التقرير أن “25 إلى 30 بالمئة من إجمالي الإنتاج الغذائي يهدر اليوم”، في وقت يعاني فيه نحو 820 مليون شخص من الجوع.

ودعت اللجنة المعنية بتغير المناخ إلى تحول عالمي نحو تناول المزيد من الأغذية النباتية وتقليل اللحوم، مشيرة إلى أن ذلك من شأنه أن يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الماشية، وأن يوفر مساحات من
الأراضي من أجل استخدامات أكثر استدامة.

تغير المناخ

كما دعت اللجنة إلى بذل الجهد من أجل الحد من ضياع وإهدار الأغذية الصالحة للأكل، المسؤولة عن نحو 8 بالمئة على الأقل من الغازات الدفيئة الناتجة عن صنع الإنسان. وإلى جانب ذلك، قالت اللجنة إن المزارعين المحليين والمجتمعات والجماعات الأصلية، يجب أن يشاركوا في إدارة مستدامة أفضل لأراضيهم، تتضمن طرق استخدام المواد العضوية لزيادة محتوى الكربون في التربة.

وقد يكون استهلاك البروتينات الحيوانية غير كاف في المناطق الفقيرة، لكنه يتخطّى توصيات منظمة الصحة العالمية في البلدان الثرية. ويعاني مليارا بالغ من الوزن الزائد والبدانة. ولا بدّ من “وضع حدّ للهدر الغذائي وخفض استهلاك اللحوم”، بحسب منظمة “كلايمت آكشن نتوورك”.

ورغم أن التقرير لم يصل إلى حد المطالبة الصريحة بالاستغناء نهائيا عن اللحوم فقد دعا إلى تغييرات كبرى في عادات الزراعة والأكل للحد من آثار النمو السكاني وتغير الأنماط الاستهلاكية على الموارد المجهدة من الأراضي والمياه.

وهذا التقرير هو ثاني إصدارات سلسلة “تقارير خاصة” من إعداد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وقد صدر تقرير أول العام الماضي حول إمكانية حصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية ومن المرتقب نشر تقرير آخر حول المحيطات والغلاف الجليدي في أواخر سبتمبر تزامنا مع انعقاد قمة الأمم المتحدة حول المناخ في نيويورك.