20 سنة من حكم العاهل المغربي: إنجازات تحققت وأخرى تنتظر

يدرك المغرب أن ما تحقق من إصلاحات على مدى عقدين من حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس شملت مختلف القطاعات لا يعدّ كافيا، في ظل استمرار الفوارق الاجتماعية، وهو التحدّي الذي يعمل العاهل المغربي على رفعه من خلال نموذج تنموي جديد.

بروكسيل :  يحتفل العاهل المغربي الملك محمد السادس الثلاثاء بالذكرى الـ20 لجلوسه على العرش في 30 يوليوز،  ورغم تحقيق أرقام مهمة في مجال التنمية إلا أن البلد لا يزال مطبوعا بفوارق اجتماعية عميقة تعترف بها السلطات نفسها.

وطبع عهد الملك محمد السادس بقدر كبير من الاستقرار في منطقة تهزها التحوّلات السياسية. ويتم التركيز على هذا المعطى غالبا في إقناع المستثمرين الأجانب والسياح للمجيء إلى المغرب، وتمتين العلاقات مع البلدان الحليفة.

وشهد عهده أيضا تبنّي سياسة أمنية مشددة تحت شعار مكافحة الإرهاب، منذ هجمات الدار البيضاء ومراكش وعلى إثر هذه الهجمات، تبنّى المغرب قانونا مثيرا للجدل لمكافحة الإرهاب يعزّز إلى حد كبير صلاحيات الشرطة في هذا المجال.

ويحرص العاهل المغربي باستمرار على إطلاق ورش المشاريع الكبرى، مثل ميناء طنجة المتوسط (شمال)، ومحطة “نور” الضخمة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في ورزازات (جنوب)، أو خط القطار الفائق السرعة “تي.جي.في” بين طنجة والدار البيضاء.

وأطلق العاهل المغربي أيضا ورشا لإصلاح الحقل الديني محوره خطاب “وسطي معتدل”، مؤكدا ضمان حرية المعتقد للمغاربة اليهود والمسيحيين الأجانب. ويتخذ الملك محمد السادس بصفته “أمير المؤمنين” سلطة القرار في الشأن الديني، ويرأس المجلس العلمي الأعلى الموكول إليه الإفتاء.

قيمة الثروة الإجمالية للمغرب تجاوزت الضعف ما بين 1999 و2013، بحسب دراسة رسمية نشرت أواخر العام 2016

وتتزين المدن المغربية في عيد العرش بالأعلام الوطنية وتنشر الصحف المحلية تقارير عن حصيلة المنجزات. بيد أن الأسابيع الماضية شهدت أيضا صدور تقارير تنبه إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتردي الأوضاع الاجتماعية، محذّرة من تداعيات البطالة المتفشية في صفوف الشباب.

وإذا كانت قيمة الثروة الإجمالية للمغرب “تجاوزت الضعف ما بين 1999 و2013”، بحسب دراسة رسمية نشرت أواخر 2016، فإن المغرب لا يزال يواجه “العديد من التحديات التي يتعيّن رفعها لاسيما ما يتعلق بالبطالة في صفوف الشباب، و تهميش الجالية المغربية ، والفوارق الاجتماعية والجهوية”، بحسب الدراسة التي أنجزت بتعليمات من الملك محمد السادس. ويؤكد المستشار الملكي عمر عزيمان أن “ثمار التنمية التي تحققت خلال العشرين سنة الماضية لم يستفد منها الجميع، هناك شعور بالسخط. لا نستطيع خلق فرص عمل لشبابنا، ولا تزال لدينا مناطق مهمشة”.

ويوضح مستشار العاهل المغربي في ظهور إعلامي نادر أن “تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية” هو أولى أولويات المغرب حاليا، “إنه ورش ضخم يتطلب نموذجا جديدا للتنمية أكثر حرصا على تحقيق العدالة الاجتماعية”.

وتحدث الملك محمد السادس في أولى خطبه بعد تسلمه العرش في 1999 خلفا لوالده الراحل الملك الحسن الثاني، عن البطالة والفقر والفوارق الاجتماعية، على أنها من المعضلات الرئيسية في المغرب. وأطلق عليه اسم “ملك الفقراء” في بداية عهده، إذ كان يجسد تطلعات وآمال فئات واسعة من المغاربة بالتغلّب على هذه المعضلات.

وكان العاهل المغربي دعا في خطاب ألقاه في أكتوبر 2017 إلى صياغة نموذج تنموي جديد، لم تظهر معالمه بعد.

وقرر الملك محمد السادس في أكتوبر 2017 إعفاء وزراء ومسؤولين كبار في الدولة ثبت تقصيرهم، على خلفية نتائج التحقيق الذي أمر به بشأن تعثّر المشاريع التنموية التي أعلن عن انطلاقتها سنة 2015.

ولم تتوقف الحملة عند الوزراء بل طالت مسؤولين محليين ثبت تورطهم في تعطل المشاريع التنموية في عدة مناطق بالمغرب.

وكان العاهل المغربي قد دعا إلى تسريع التطبيق الكامل للجهوية المتقدمة، لما تحمله من حلول للمطالب الاجتماعية والتنموية، بمختلف جهات المغرب، باعتبارها تغييرا عميقا في هياكل الدولة، ومقاربة عملية في الحكامة الترابية.

وشهدت مناطق مغربية مختلفة حركات احتجاجية في السنوات الماضية. وكانت من أبرزها في الفترة الأخيرة الحركتان الاحتجاجيتان اللتان هزتا منطقة الريف (شمال) ومدينة جرادة (شرق) في 2017 و2018.

كما ظهر في ربيع 2018 أسلوب احتجاجي غير مسبوق في المغرب تمثّل في مقاطعة منتجات ثلاث شركات تستحوذ على حصة الأسد في أسواق المحروقات والحليب والمياه المعدنية، رفضا لغلاء الأسعار. ولقيت الحملة التي أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن يتبنّاها أحد، تجاوبا واسعا.

وتلا الاحتجاجات التي شهدها الريف وجرادة الإعلان عن مشاريع تنموية في المنطقتين، لكن التحرك الاحتجاجي انتهى أيضا باعتقالات وصدور أحكام وصفها البعض بـ”القاسية” طالت المئات من الأشخاص، بحسب تقارير منظمات حقوقية.

واستفاد حتى الآن نحو 250 معتقلا على خلفية تلك الملاحقات من عفو ملكي.

وجاءت تظاهرات “حركة 20 فبراير” لتستجيب لعدة مطالب سياسية، فقبل سنوات، وفي بداية عهد الملك محمد السادس، علّقت آمال على أن تؤسس تجربة “التناوب التوافقي”، أي الحكومة التي قادها بين 1998 و2002 حزب المعارضة الرئيسي آنذاك، لانتقال ديمقراطي يعيَّن فيه رئيس الحكومة من الحزب الأول في البرلمان.

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية محمد الطوزي أن “أي مسار إصلاحي لا يمكن أن يسير في خط مستقيم ولا بد أن يتأرجح بين التقدم والتراجع”، مشددا على “نجاح المغرب في الحفاظ على استقراره” في محيط إقليمي تهزه التحولات السياسية.

ويشير الطوزي الذي شارك في لجنة مراجعة الدستور سنة 2011، إلى مؤشرات تدلّ على أن ثمّة “تغييرات هامة حصلت”.

وتتمثّل هذه التغييرات في أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة لطي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتبنّي قانون أسرة يعزز حقوق النساء في 2004، فضلا عن دستور 2011، ووجود هيئات رقابة مثل المجلس الأعلى للحسابات.

وعلى الرغم من هذه المؤشرات، لا يبدو الشباب إجمالا مطمئنا للمستقبل، ويفكر 7 من كل 10 شبان في الهجرة، بحسب نتائج دراسة نشرت مؤخرا لمؤشر “البارومتر العربي”. وخلصت الدراسة إلى أن المغرب منقسم بين “جيل قديم أكثر ثقة، وآخر شاب أكثر تشاؤما”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: