هبّة سلفية لإجهاض مخطط المعارضين لترشيح بوتفليقة

لم يعد الإسلام السياسي يشكل تيارا موحدا في الجزائر، بعدما توزعت فصائله على مختلف المواقع والتوجهات، فهو موجود في المعارضة كما هو موجود في السلطة، وموجود أيضا في المناطق الوسطى، ففيما أعلنت حركة الإصلاح دعم ترشيح عبدالعزيز بوتفليقة، اختار عبدالرزاق مقري وعبدالقادر بن قرينة خوض الاستحقاق الرئاسي، بينما يخوض عبدالله جاب الله مسار توحيد المعارضة، وبذلك انخرط التيار السلفي المعادي للممارسة السياسية في قلب الصراع الحقيقي.

ودخل إسلاميو التيار السلفي في الجزائر، على خط الجدل السياسي المتصل بالانتخابات الرئاسية، من خلال الانتفاضة الافتراضية على شبكات التواصل الاجتماعي، لتقديم خدمة جليلة للسلطة تترجم التحالف غير المعلن بينهما، عبر التحذير وتحريم دعوات التظاهر ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة، المنتظرة في الـ22 و24 و27 من الشهر الجاري. وأعاد ناشطون سلفيون على شبكات التواصل الاجتماعي، إنتاج خطاب تحريم التغيير السياسي بالمظاهرات والاحتجاجات، أو الخروج عن الحاكم بالوسائل العنيفة، مستندين في ذلك إلى ما يرونه أحكاما شرعية أقرها فقهاء وقادة كبار، وعلى رأسهم رمز التيار السلفي في الجزائر محمد علي فركوس.

ويذكر أستاذ الشريعة في جامعة الجزائر محمد فركوس، بأن “الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات، وسائر أساليب الديمقراطية هي من عادات الكفار وطرق تعاملهم مع حكوماتهم، وليست من الدين الإسلامي في شيء، وليس من أعمال أهل الإيمان المطالبة بالحقوق ولو كانت مشروعة بسلوك طريق ترك العمل ونشر الفوضى وتأييدها، والطعن في أعراض غير المشاركين فيها، وغيرها مما ترفضه النصوص الشرعية ويأباه خلق المسلم تربية ومنهجا وسلوكا”.

ويضيف في فتواه “وإنما يتوصل إلى الحقوق المطلوبة بالطرق المشروعة، وذلك بمراجعة المسؤولين وولاة الأمر، فإن تحققت فذلك فضل إلهي، وإن لم تتحقق فقد وجب الصبر والاحتساب والمطالبة من جديد”.

توظيف للدين في تقديم خدمات سياسية للسلطة، وتناغم مثير بين الحكومة الجزائرية والتيار السلفي

ويتقاطع موقف إسلاميي التيار السلفي، بموقف التيار الصوفي الذي كان يعرف خلال الحقبة الاستعمارية (1954 – 1962) بـ”الطرقيين”، الذين كانوا “يعتبرون الإدارة الفرنسية قضاء وقدرا يتوجب الصبر عليه، وأن إعلان الحرب التحريرية هي خروج عن الحاكم”.

وذكرت منشورات وتسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي، بأن “دعوات التظاهر ضد ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، هو عصيان للشرع وللأحكام الفقهية، وتمهيد للدفع بالبلاد إلى الفوضى والاضطرابات الخطيرة، كما هو الشأن بالنسبة لليبيا وسوريا واليمن والعراق”.

ويقول الناشط السلفي أبوأحمد، في صفحته على الفيسبوك، إن “مشاكل البلاد ليست في النظام الحاكم أو الرئيس بوتفليقة أو البطانة، وإنما تكمن في انحراف عموم الشعب عن أصول وأحكام الدين الإسلامي، وارتمائه في أحضان الأيديولوجيات الغربية والديمقراطية والتقليد”.

وذكّر في تسجيله بفتاوى من أسماهم بـ”العلماء والشيوخ” حول ما يتصل بالإضرابات والاحتجاجات والمظاهرات، وربط الاحتقان السائد في البلاد، بـ”الإرادة الإلهية التي تعاقب البشر بحكامهم وأولي الأمر منهم”.

وأعادت الهبة التي ينفذها أتباع التيار السلفي في الجزائر، في توظيف الدين من أجل كسر شوكة المعارضة السياسية، التلميح إلى تحالف غير معلن بين هؤلاء وبين السلطة، تُرجم في غض بصر الحكومة عن تنامي اللوبي السلفي في المساجد وقطاع التجارة، ودور السلفيين في الوقوف إلى جانب السلطة، في المحطات الحاسمة المتصلة بانفجار الشارع لدواع اجتماعية أو سياسية.

Thumbnail

واستطاع التيار تجاوز الخلافات الداخلية التي تعرفها نواته الصلبة، بسبب صراع خفي بين قادته ورموزه، وتتجه خلاياه الناشطة في بعض الفضاءات المسجدية والدينية، إلى إجهاض دعوات التظاهر وحتى الإضرابات العمالية، عبر توظيف الدين في إبطالها وتحريمها، الأمر الذي يقدم خدمة جليلة للسلطة في هذا الظرف الحساس.

ورغم الهجوم الذي شنه في وقت سابق وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، على زعيم التيار السلفي في البلاد، على خلفية الفتوى التكفيرية التي أخرج بموجبها جميع التيارات والمدارس الإسلامية من الملة، واتهامه بنشر التشدد والتطرف والإقصاء، فإن تساهل الحكومة مع خلايا التيار وتمدد انتشارها، وعدم اتخاذ تدابير ردعية للحد من نشاطه، رغم الخطاب الذي تروجه لمحاربة التشدد وإرساء الاعتدال الديني والأيديولوجي، يثير الكثير من الاستفهامات حول خلفية التناغم بين الحكومة والسلفيين.

ودخل التيار السلفي في مواجهات فقهية وخطابية مع باقي التيارات الدينية الناشطة في البلاد، حيث لم يتوان في توجيه اتهامات زرع الفوضى والاضطرابات والانحراف الشرعي، للإخوان وللمعتدلين وللسلفية الجهادية، ورغم حداثة تجربته في البلاد، وظهوره القريب الذي يعود إلى نهاية تسعينات القرن الماضي، فإنه استطاع أن يشكل امتدادا أفقيا لافتا، يندرج في وعاء الأغلبية الصامتة بسبب رفضه للممارسة السياسية والتحزب والانتخابات.

إلا أن ظهوره المتجدد في المحطات الحاسمة المتصلة بالمواعيد الانتخابية، وبتنفيس الاحتقانات الاجتماعية والسياسية، يضعه في صلب الصراعات السياسية وحسم المواعيد المهمة، ليكون بذلك إحدى الأذرع الأساسية للسلطة في تمرير أجنداتها، وسحب البساط من المعارضة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: