شهود الزور في الانتخابات الرئاسية الجزائرية

أنْ تشارك في انتخابات الرئاسة المقبلة في الجزائر، فأنت شاهد زور على الكثير من القبح. ستكون شاهد زور على مشهد جديد من مسلسل مستمر من التدليس واغتصاب السلطة وانتهاك أبسط حقوق الجزائريين في اختيار من يحكمهم. وأن تكون صاحب قاعدة شعبية عريضة يُحسَب حسابها، كالإسلاميين، ثم تقرر المشاركة في تلك الانتخابات، فأنت شاهد زور بامتياز والوزر عليك أكبر مما على الآخرين من شهود الزور الآخرين.
شاهد الزور سيكون أيَّ أحد يترشح للانتخابات «منافسا» للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ويسعى لإقناع الجزائريين بوجود «فرص حقيقية» للتغيير وبإمكانية فوزه في الاقتراع. وهو في الحقيقة لم يفعل غير منح شرعية لمذبحة انتخابية بشعة تقود البلاد خطوة أخرى نحو المجهول. لا مكان للنوايا الحسنة مع هذا النظام.
شهادة الزور في الانتخابات الجزائرية ثقافة متفشية، أرسى جذورها النظام الحاكم منذ زمن بعيد، لكنه أخرجها للوجود في انتخابات نونبر 1995 التي ترشح لها، وفاز، الرئيس آنذاك اليمين زروال. كان زروال يومذاك مرشح النظام بكل مكوناته. وكان ذلك أكثر من كافٍ ليفوز بأي طريقة، وكل الذين ترشحوا منافسون له، وعلى رأسهم الراحل محفوظ نحناح ونورالدين بوكروح وسعيد سعدي، كانوا مجرد ممثلين في مسرحية محسومة نهايتها سلفا. قد يُغضب هذا الكلام الإسلاميين، لكنه الحقيقة التي يعرفها كثيرون ويجاهر بها قليلون.
اليوم نحن أمام مشهد متكرر لانتخابات 1995 يُوصف في علم النفس بـdéjà vu. وكذلك كنّا في كل الانتخابات الرئاسية التي أعقبتها. فرق بسيط حدث في 1999 هو أن النظام كان سيجد صعوبة أكثر في فرض مرشحه، عبد العزيز بوتفليقة، بالنظر إلى الجدية التي أضفتها على الاقتراع مشاركة مرشحين من طراز مختلف قادرين على إزعاج النظام ومرشحه (انسحب المرشحون حسين آيت أحمد ومولود حمروش وأحمد طالب الإبراهيمي قبل ساعات من بدء الاقتراع فأفسدوا «العرس» على مرشح النظام).

كيف يجد النظام لكل انتخابات رئاسية شهود زور بهذه السهولة؟ ولماذا يصدّق هؤلاء الشهود النظام وفي كل مرة يقعون في فخ جديد؟ ولماذا يعجزون عن رؤية الحقيقة؟ هذه الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن النظام لا يمكن أن يترك اللعبة السياسية والانتخابية مفتوحة على المجهول، وأن مشاركة شهود الزور تمنح النظام شرعية جديدة تكفيه أربع سنوات أخرى

المشهد من الآن إلى 17 أبريل  المقبل، سيكون ذا وجهين. الأول: نظام متعنت يصر على الدفع بمرشحه بإصرار يقترب من الغباء، فتنحاز له وسائل الإعلام والجهاز البيروقراطي والمؤسسة الأمنية والنقابات وهيئات المجتمع المدني والأحزاب المجهرية، ويطارد الأصوات القليلة الحرة ويضيِّق على وسائط الإعلام الاجتماعي بالقانون وبالدسائس. الوجه الثاني سيكون أبطاله شهود الزور الذين اختاروا منافسة بوتفليقة وباعوا للجزائريين وهْـمَ التغيير «هذه المرة» ككل مرة. سنسمع يوميا شكاويهم من المضايقات الإدارية والسياسية ومن انحياز وسائل الإعلام ضدهم. سنسمع انتقادات حادة للتلفزيون الحكومي على انحيازه لبوتفليقة، كأن هذا التلفزيون انحاز يوما لغير مرشح النظام! وهذا كله يندرج أيضا ضمن الــــــ déjà vu لأنه مألوف إلى حد الملل في كل اقتراع.
أما في يوم 19 أبريل فسيسدل الستار على المسرحية ويُطلب من كل واحد من شهود الزور العودة من حيث أتى. سيكون المشهد، مرة أخرى ذا وجهين: نظام يحتفي بـ«العرس الديمقراطي الذي أبهر العالم»، وشهود زور يندبون حظهم ويصرخون التلاعب بالأصوات، بينما الحقيقة هي أن التزوير في الصناديق مستبعد لأن مصير الانتخابات يُحسَم بعيداً عن الصناديق وقبل يوم التصويت بكثير بحيث تنتفي الحاجة إلى سرقة الأصوات لصالح مرشح النظام.
آنذاك لا أحد سيصدّق تباهي النظام وأذرعه بـ«العرس الديمقراطي». ولا أحد سيصدّق شكاوى شهود الزور من «انتشار التزوير على نطاق واسع». يومذاك سيقال لهم: تشتكون من التزوير لأنكم انهزمتم.. لو فزتم ما كنا لنسمع منكم شكوى.
يحق للمرء أن يتساءل كيف يجد النظام لكل انتخابات رئاسية شهود زور بهذه السهولة؟ ولماذا يصدّق هؤلاء الشهود النظام وفي كل مرة يقعون في فخ جديد؟ ولماذا يعجزون عن رؤية الحقيقة؟ هذه الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن النظام لا يمكن أن يترك اللعبة السياسية والانتخابية مفتوحة على المجهول، وأن مشاركة شهود الزور تمنح النظام شرعية جديدة تكفيه أربع سنوات أخرى.
ببساطة أكثر: من المعيب سياسيا أن يصدّق أحد، بالذات إذا كان من محترفي السياسة والمعارضة، أن النظام الحاكم يدعو لانتخابات رئاسية ولا يكون له فيها مرشح.. سيكون هذا انتحارا لنظام منغلق كمحفل سري. ومن المعيب أكثر أن يجهل محترف سياسة، أو معارض، أن مرشح النظام لا يترشح ليخسر الانتخابات (في الجزائر وفي غيرها من الدول المأزومة سياسيا).
قد يُقبَـل هذا من «وافد» جديد على السياسة يريد أن يجرَّب بنفسه، لكن أن يتكرر الأمر مع شخص، أو تنظيم، اكتوى في مرات سابقة ويصر على العودة من جديد، فذلك ما يدعو فعلا للتساؤل.
لا شك أن لحضور شهود الزور بعض المزايا منها تحريك المسرح وإخراج البلاد من مللها بضعة أسابيع، وكذلك إتاحة الفرصة لهؤلاء الشهود للبروز اجتماعيا واختبار قدراتهم التعبوية والخطابية أمام عدسات التصوير. لكن الأهم أن هذا النظام يحتضر، ومشاركته في أي عملية سياسية أو انتخابية تشبه إلقاء حبل نجاة لكائن مؤذٍ في هلاكه خلاص للجميع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: