النساء.. ضحايا بتبريرات شرعية مقننة

النزاعات المسلحة وتصاعد حدة العنف التي شهدها العالم العربي عقب ثورات الربيع في العديد من بلدانه وما حملته من ظروف لا إنسانية، تركت آثارها على المجتمعات وأغرقت النساء في معطيات جديدة لا يمكن التخلص منها بسهولة.

مشكلات النساء لا ترتبط ارتباطا وثيقا بارتدادات الربيع العربي، إنما بما تم تأصيله في قدرة المجتمعات الذكورية على مصادرة حق المرأة وحياتها، فالربيع العربي لم يحمل بذور التغيير في أوضاع النساء، إنما فُرض عليهن في البلدان التي تحولت فيها الثورات إلى حروب شرسة، العيش في ظروف لا إنسانية أضافت قهرا آخر له غطاؤه الشرعي والاجتماعي، وقد يكون ما تعيشه المرأة السورية مثالا صارخا على تلك المعاناة، التي حولت النساء إلى سلع للبيع والشراء العلني تحت مسمى الزواج وتجلت في مظاهر اجتماعية غير مألوفة.

زواج السترة؛ منذ بدء الحرب السورية اختلفت معايير الزواج وبات الأهل يسعون إلى التخلص من الفتيات وتزويجهن إما بمقابل مادي لتخفيف الأعباء عن كاهل الأهل، وإما “للستر عليهن” وحماية الفتاة مما قد تتعرض له بعد انتشار حالات الاغتصاب والخطف. في أغلب الحالات تتزوج الفتيات من مقاتلين قادرين على حمايتهن، وقد خلّف هذا النوع من الزواج الذي يتم بعقود شفهية بين الأهل وحضور شيخ، الكثير من الأرامل والأطفال دون آباء -غير المسجلين في المحاكم الشرعية- لم ينظر في أوضاعهم بعد.

زواج القاصرات والذي يعد مخالفة لمعظم القوانين الإنسانية جرت تغطيته بالحاجة المادية التي تدفع بعض أرباب الأسر إلى تزويج الفتيات في سن الـ13 وما دون ذلك، ومع طول مدة الحرب ازداد تزويج القاصرات كتجارة رابحة، فوفق الأرقام المسجلة لدى دائرة قاضي القضاة الأردني منذ 2011 إلى 2018 بلغ عدد القاصرات تحت سن 15 عاما اللواتي تزوجن نحو 4000 فتاة، وحسب القاضي الشرعي الأول بدمشق فإن عدد معاملات زواج القاصرات بلغ يوميا نحو 5 معاملات في دمشق، وأكدت إحصائية معهد ليفانت أن العدد يقارب 200 معاملة يوميا في جميع المحافظات السورية، وحسب تقارير مفوضية الأمم المتحدة الخاصة بشؤون اللاجئين فإنه عدا عن “السعر” المرتفع الذي يطلب للفتاة تحت مسمى “المهر” يتم الطلاق بعد فترة ليبحث “الشاري” عن فتاة أخرى. ونفس الحالة في لبنان ومصر لكن تغيب عنها الإحصائيات الدقيقة.

زواج المسيار لاقى انتشارا واسعا في الدول العربية بغية تسهيل الزواج وتجاوز صعوبة تأمين تكاليفه وأهمها المسكن الشرعي، اتخذ وجها آخر في الحرب السورية، حيث بات وسيلة للبحث عن مكان إقامة مؤقتة، أو تأمين راع وغطاء شرعي لوجود الفتاة في دول اللجوء، ولتجاوز العقبات الاجتماعية والقانونية التي تمنع هذا الزواج كتعدد الزوجات في بعض الدول، ويتم تأمين الشريك عندما يكون الزوجان من بلدين مختلفين عبر شبكات اجتماعية، أو عبر مكاتب الزواج على الإنترنت ويكفي البحث على غوغل، فإن خيار “سوريات للزواج” سيظهر الكثير من النتائج منها مكاتب “زواج شرعي إسلامي في تركيا ولبنان” تؤمن الشريك المناسب حسب المواصفات. وتكمن المشكلة في عدم الوثوق من سلامة الزوجين الطبية والجسدية، وفي اشتراطه لوقت معين وبالتالي تحوله إلى سوق للمتعة، واشتراطه بطلان العقد في حال الحمل وتحميل المرأة تبعات هذا الزواج والحمل، وتزداد الأمور تعقيدا إذا اشترطت موافقة الزوجة على التنازل عن حقوقها الشرعية في الزواج مثل السكن والمبيت والنفقة لأسباب يتم إدراجها في العقد بناء على رغبة الزوج.

زواج النكاح هو شكل يدعو النساء إلى التوجه نحو الجهاد وإمتاع المقاتلين بعقود زواج شفهية من أجل تشجيعهم على القتال، وقد جرى استخدامه دعاية جذابة لمدّ التنظيمات بمقاتلين جدد، فتحول الزواج إلى تجارة جنسية باسم الدين تحت ذريعة الجهاد.

ولا تختلف التنظيمات الجهادية هنا عما تقوم به الشبكات الدولية التي تعمل في مجال الدعارة وتجارة البشر، إلا أنها تستقطب الفتيات من خلال استغلال الدين.

أبواب واسعة للانتهاكات بحق الإنسانية تفتحها الحروب، وفي معظم حالاتها ترتد انعكاساتها على النساء فهنّ الضحية الأولى للحرب التي تنتهك كافة حقوقهن وهي لا تقتصر على الانتهاكات الجنسية، أو “السبي وبيع الجواري” بجذوره الضاربة في الجاهلية، إنما بما يتم إلباسها من أقنعة شرعية ومجتمعية تطال وجود النساء بصفتهن بشرا على هذه الأرض وتحولهن إلى سلع رابحة في أزمنة الانهيار الأخلاقي والمجتمعي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: