‎مارد العنف يغزو الملاعب الجزائرية

ندد الاتحاد الجزائري لكرة القدم بأحداث الشغب التي شهدتها بعض الملاعب وعكست صورة قاتمة عن الكرة الجزائرية، متوعدا بصد أعداء كرة القدم ومثيري الشغب عن “إنجاز عملهم القذر”. وذكر الاتحاد في بيان أصدره الجمعة أنه يندد بشدة بهذه السلوكيات غير الحضارية، وأنه لا يعتزم البقاء مكتوف الأيدي بلا قوة ولا ردة فعل أمام هذا المشهد المروع والمزعج والفظيع في بعض الأحيان، والذي تشهده ساحات يفترض أن تكون أماكن للمشاهدة والفرحة واللعب النظيف.

ودعا الاتحاد الجزائري عائلة كرة القدم إلى توحيد صفوفها لوقف هذا العنف، مؤكدا أنه سيستخدم جميع الوسائل القانونية للقضاء على أي شكل من أشكال التجاوز، واتخاذ الإجراءات الضرورية المناسبة، إذا لزم الأمر، “لوقف أعداء كرة القدم ومثيري الشغب على القيام بعملهم القذر”.

وأشاد الاتحاد الجزائري ببعض مسؤولي الأندية الذين ساهموا في التخلص من العنف وجعل حقيقة الذهاب إلى الملعب أمرا لطيفا من خلال مبادرات “تستحق التشجيع”، لافتا إلى أنه لا يزال مقتنعا بأن توحيد جهود الجميع سيؤدي حتما إلى اختفاء ظاهرة العنف في الملاعب الجزائرية.

وقعت اشتباكات عنيفة بين بعض مشجعي مولودية الجزائر، ورجال الأمن، في حي باب الوادي الشعبي. واغتنم بعض مشجعي المولودية، فرصة إجراء مباراة اتحاد العاصمة وشباب قسنطينة، بملعب عمر حمادي، وتنقلوا إلى المكان، ودخلوا في اشتباكات مع جماهير الأخير. وحاولت عناصر الأمن تفرقة الجماهير واحتواء الأزمة، غير أنها قوبلت برشق بالحجارة والألعاب النارية. كما تم تحطيم زجاج بعض المحلات التجارية والسيارات، في حي باب الوادي. وجاء تصرف جماهير مولودية الجزائر، كردة فعل على ضرب مشجع للفريق بطريقة عنيفة، من طرف رجال الأمن، خلال لقاء اتحاد سيدي بلعباس، بملعب الخامس من يوليو.

أحداث العنف تتكرر في الملاعب الجزائرية آخرها في المباراة التي جمعت بين  فريقي برج بوعريريج ومولودية الجزائر

وقالت مديرية الأمن الوطني في بيان نشرته عبر موقعها أنها سجلت “إصابة 18 شرطيا، 4 منهم في حالة خطيرة، و22 مناصرا مع تحطيم 10 مركبات تابعة للشرطة ومركبة خاصة وسيارة إسعاف تابعة للحماية المدنية”. كما أكدت المديرية أنها “باشرت التحقيق في صحة الفيديو المتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي يظهر سلوكا غير لائق لبعض أعوان حفظ النظام أثناء تأدية مهمتهم” و”أنها ستتخذ الإجراءات الإدارية اللازمة” إذا ثبت تورطهم.

وتفاعل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة منددين بـ”اعتداء وحشي” على مشجع من مولودية الجزائر، بينما تأسف آخرون لقيام المشجعين بتحطيم كراسي الملعب بسبب خسارة مباراة. وأضاف البيان أن الشرطة أوقفت 42 شخصا أثناء هذه الأحداث “بسبب الإخلال بالنظام العام (…) وحيازة أسلحة بيضاء ومخدرات ومؤثرات عقلية”.

ودعت المديرية العامة للأمن المشجعين “إلى التحلي بالروح الرياضية”، مؤكدة “أن مصالحها عازمة على (…) حماية المواطن والممتلكات مع الاحترام الصارم لقوانين الجمهورية”. وتتكرر أحداث العنف كل أسبوع في الملاعب الجزائرية آخرها إصابة 80 شخصا بينهم 30 شرطيا خلال شغب أعقب مباراة أقيمت في برج بوعريريج (نحو 200 كلم جنوب شرق العاصمة) بين النادي المحلي ومولودية الجزائر.

مارد العنف

ترفض كل مكونات المجتمع الجزائري الاعتراف بأن مارد العنف في الملاعب نخر فعلا جسد الكرة الجزائرية وجعلها تحتضر كل يوم، وبقيت السلطات المحلية ذاتها مصرّة على أن المرض قد انتشر في كل جسد اللّعبة، ولم يعد، بعد الذي حدث في ببرج بوعريريج وقبله في عدة ملاعب أخرى، من شك بأننا وصلنا إلى آخر مراحل العلاج ونقصد بها مرحلة الكي وقد فشلت كل الإجراءات السابقة، على اختلافها، في القضاء عليه.

واستهلكت السلطات كل أوراقها وهي تتحاشى تبني الإجراءات الردعية والغرامات المالية على المتسببين في تحويل الملاعب الجزائرية، إلى فضاء واسع لمعارك بين الأنصار وعلى المحرضين من اللاعبين والمسيرين في تنامي الظاهرة بشكل مخيف وخطير وفي إحداث فتنة بين المشجعين بعد كل مباراة، فواقع البطولة، على جميع مستوياتها، يقدم مؤشرات واضحة على أن فاجعة أخرى قد تحدث، مثل تلك التي شهدها قبل سنوات ملعب أول نوفمبر بتيزي وزو عندما دفع الفقيد، الكاميروني ألبير إيبوسي، حياته ثمنا لهمجية المدرجات، وكانت الحادثة المدوية التي سوّقت للعالم صورة قاتمة عن الجزائر كرويا، امتدادا لأحداث بنفس درجة الخطورة داخل وخارج الملاعب الجزائرية، كانت الخناجر حاضرة والحجارة متناثرة والاعتداءات منتشرة لتطال الضحايا.

الملاعب الجزائرية زهقت روحا وفقأت عينا وطعنت أكثر من مناصر وخربت ممتلكات وتهاوت مدرجاتها بأبرياء وامتدت شظايا “الخروج عن القانون” باسم لعبة كرة القدم لتصيب حتى من لا علاقة له بالكرة وبمشاكلها، وانتشر هاجس الخوف من الأشرار إلى كل ربوع البلاد، وقد حدث الشقاق وانتشرت الفتنة ووصلت لمحطة اللارجوع بما يجعل اليوم حياة كل الجزائريين في خطر كلما غادروا تراب ولايتهم.

الكرة التي تستنزف الملايين من أموال الشعب لضرب الشعب داخل وخارج المدرجات، لم يعد ما يبرر وجودها بالطريقة “المنحرفة” التي انتهجتها بطولة الاحتراف، ونداءات إلغاء “لعبة العار” وتجميد نشاطها ولو إلى حين، أضحى اليوم مطلبا مشروعا، طالما أن الخسارة تعدت العقم من حيث المنتوج الرياضي والفرجة الكروية، ورافق عجز النوادي والاتحادية والوزارة الوصية على إنجاح المشروع رياضيا واقتصاديا، الإصرار على تبذير المال العام والانتفاع منه بطرق ملتوية والإبقاء على حالة التعفن سائدة على جميع المستويات، حتى يحيد الرأي العام عن معالجة الفضائح الحقيقية للكرة وقد نال منها الانتهازيون وهم يستثمرون في “تسييس” السلطة للكرة وتغييبها للإرادة السياسية التي جعلت “الهوليغانيزم” يسقط بالضربة القاضية بإنكلترا بعد حادثة “هيزل” الشهيرة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: