رئيس الحكومة المغربية: ممنوع عليّ دستورياً وقضائياً التدخل في عمل القضاء شئت أم أبيت

Jul 04, 2018

قال رئيس الحكومة المغربية إنه لا يمكنه، بوصفه رئيس الحكومة وبوصفه مواطن مغربي، أن يفرح بسجن أي مواطن، وأضاف العثماني: «كيف أفرح وأنا شخصيًا اعتقلت في ظروف أصعب، عانيت من الاعتقال في درب مولاي الشريف حيث لم تكن المعايير الدولية في سجوننا، وحيث كانت الأصفاد وكنا ممنوعون من الكلام».
وأكد الدكتور سعد الدين العثماني، أمام مجلس النواب، مساء أول أمس الإثنين ردًا على انتقادات البرلمانيين للأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف «لا يمكن إلا أن نشعر بآلام الآباء والأمهات الذين يتعرض أبناؤهم للسجن والمحاكمة وهم يعانون» ثم أضاف: «أمضيت السجن في ظروف أصعب، ومن عاش هذه التجربة الأليمة لا يمكن أن يشعر إلا بألم ومعاناة أي مواطن تعرض لتجربة مماثلة، ومع العائلات والأسر التي يُعتقل أبناؤها».
وأوضح عدم اتخاذ الحكومة موقفًا من هذه الأحكام التي صدرت يوم الثلاثاء الماضي وما زالت محل استنكار واسع «هذا حكم قضائي والقضاء مستقل وأنا ممنوع علي دستوريًا وقانونيًا التدخل في عمل القضاء شئت أم أبيت، وهذه مسألة لا تتعلق بالرغبة والعواطف، وأريد أن أقول للبرلمانين إن القضاء في بلدنا مستقل وفق أحدث المعايير الدولية، وهو استقلال حقيقي، لا يشاوروني ولا أشاورهم».

الحفاظ على المؤسسة القضائية

وقال تعليقًا على مشروع قانون العفو الذي وضعه عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، البرلمانيان عن فدرالية اليسار الديمقراطي: «لا يمكن لمؤسسة تشريعية أن تتدخل في القضاء، ونرجو من السادة البرلمانيين إذا ما خرج حكم عن السلطة القضائية لا يعجبنا لسبب من الأسباب ألا نحطم السلطة القضائية، خاصة أننا نعتز و(علينا الاعتزاز) بمؤسساتنا. فكما لا يمكن للسلطة التنفيذية أن تتدخل في البرلمان، فالسلطة التشريعية أيضًا لا يمكنها أن تتدخل في القضاء وفي قراراته»، ثم تابع: «وأنا لست على اطلاع في حيثيات القرار الذي اتخذه القضاء وعلى وثائق الملف، وهذا لا يخول لي أن أبدي الرأي في الموضوع ، وهناك مراحل أخرى للتقاضي وعندنا أمل فيها. وشدد العثماني على أن «رفع منسوب الشفافية والنزاهة في القضاء، أمر موكول اليوم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية»، وقال: «لاشك في أنه واع بكل هذا، ويقوم بالإجراءات الضرورية في هذا الاتجاه». وأكد العثماني أن الحكومة تفاعلت مع مختلف الحركات الاحتجاجية وفق مقاربة شمولية تبدأ من الحوار والإنصات وتفعيل الورشات الاجتماعية على الأرض، نافيًا في الوقت نفسه أن تكون هناك أي مقاربة أمنية، لأن أعلى المسؤولين من وزراء وولاة وعمال نزلوا عند المحتجين وتحاوروا معهم». وفي سنة 2017م وصل عدد التظاهرات والاحتجاجات إلى (17500) تظاهرة في كل أنحاء المغرب. وفي ستة الأشهر الأولى من 2018م كانت هناك أكثر من (6000) تظاهرة حسب أرقام وزارة الداخلية، ما يعني أن حق التظاهر مكفول بالمغرب.

خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية

وأكد سعد الدين العثماني، أن حكومته عازمة على المضي قدمًا في تنفيذ مضامين خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وفق مقاربة تشاركية، وأن عملية تحيين الخطة أسفرت عن مراجعة التوصيات الواردة في الصيغة الأولى من المشروع وعن رفع عدد التدابير إلى (435) تدبيرًا تهم كافة الحقوق والحريات، وأكد أن خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان صيغت بطريقة تشاورية ضمانًا لترصيد المكتسبات الهامة التي حققتها بلادنا في المجال الحقوقي والإنساني، منوهًا بإشراك هيئات ومنظمات المجتمع المدني في مختلف التقييمات التي تقوم بها الحكومة للوضع الحقوقي ببلادنا، وبإشراك هذه الهيئات في المسار التشاوري الذي أفضى إلى اعتماد خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. واحتلت الأحكام (308 سنوات بحق 53 معتقلاً) التي أصدرتها محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، صدر الاهتمام الشعبي والحزبي والحقوقي ووصفت بالأحكام القاسية التي أعادت البلاد إلى سنوات الرصاص، وكانت أول أمس الإثنين محور الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة حول الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقال إدريس الأزمي رئيس فريق حزب العدالة والتنمية، الحزب الرئيسي في الحكومة، ردًا على رئيس الحكومة: «مع كل الاحترام للقضاء واستقلاليته لكننا نمثل الإرادة الشعبية والشعب المغربي، لذلك فإن هذه الأحكام صدمتنا واعتبرناها قاسية»، وإن فريقه «يدعم كل المبادرات الهادفة إلى المعالجة المندمجة لهذا الملف بما يضمن المزيد من الثقة في بلدنا وفي مؤسساتها وبالأخص في القضاء، وأن الأمل كبير في أن تستثمر كل الإمكانيات الدستورية والقانونية المتوفرة بما يسمح بطي هذا الملف نهائيًا لما فيه مصلحة المغرب والصلح خير»، على حد تعبيره.

الأحكام قاسية

وعبرت سعاد الزايدي، النائبة البرلمانية، عن استغراب حزب التقدم والاشتراكية لقساوة الأحكام الصادرة في حق نشطاء حراك الريف، وهو ما لا يسهم أبدًا في إذكاء أجواء الانفراج المطلوب اليوم في المغرب، تقول: «نتطلع بمراجعة هذه الأحكام بكل الوسائل والأساليب القانونية تجاوبًا مع أمل وانتظارات أوساط عديدة ومختلفة من مجتمعنا» وأكدت أن «الحاجة اليوم ماسة إلى ضخ نفس ديمقراطي جديد في حياتنا الوطنية، من خلال رد الاعتبار للعمل السياسي وتثمين دور المؤسسات، وبعث الروح في منظومة حقوق الإنسان والسعي الحثيث إلى التجاوب مع المطالب المشروعة، ومن أهمها حق العيش في حرية وكرامة، سواء في الريف أو باقي ربوع البلاد». وقال مصطفى الشناوي النائب البرلماني عن «فدرالية اليسار» المعارضة إنه من الغريب أن الحكومة تندد بخروقات حقوق الإنسان بفنزويلا ولا تلتفت بما يحصل بالمغرب ،وكأننا نعيش في جنة من الحرية والحقوق، وما الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف إلا مثال عن هذه الجنة. وقال إن المواطنين المغاربة خرجوا للمطالبة بالحقوق في الريف، فلم تستجب الحكومة، لهم بل على العكس من ذلك، قامت بتخوينهم واتهماهم بالانفصال وأزالت الغطاء السياسي عن تلك الاحتجاجات الاجتماعية ببلاغها الذي اتهم المحتجين بالحسيمة بالانفصال، ممهدة الطريق للمقاربة الأمنية والقضائية، فجرى الاعتقال والمحاكمات غير العادلة والاستعمال المفرط للقوة والاعتقال بغير وجه حق وغياب شروط المحاكمة العادلة وإصدار الأحكام القاسية. وقال إمام شقران رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (حكومي) إنه لا يمكن التدخل في أعمال القضاء وتقييم أحكامه في قضية معتقلي حراك الريف، وإن المغرب قطع أشواطًا في مجال ترسيخ حقوق الإنسان، وثمة تضحيات جسام، ويصعب الحديث عن الواقع الذي نعيشه ونشبهه بسنوات الرصاص، لأننا بعيدون عن سنوات الجمر والرصاص بسنوات ضوئية، وإن من يزرع الشك يحصد العاصفة، ويجب بناء الثقة في هذا الوطن.

تراجع في منظومة حقوق الإنسان

ودعا نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي (معارضة) الى الاعتراف بأن هناك مجموعة من التجاوزات والتراجعات التي أصبحت تعتري منظومة حقوق الإنسان بالمغرب تتمثل في التضييق على الحريات وهوامشها، ومنع أوجه التعبير السلمي في الفضاءات العمومية وعدم الترخيص للتجمعات والتضييق على بعض النشطاء الحقوقيين والنقابيين والصحفيين وإعمال المقاربة الأمنية بدل الإنصات والحوار، علاوة على الاعتقالات العشوائية أحيانًا، وهي تراجعات أصبحت تسائل بحدة المسألة الحقوقية بالمغرب، ودعا إلى اعتماد مصالحة وطنية وطي هذه الصفحة بشكل نهائي بجروحها التاريخية والحالية، واستشراف آفاق غد مشرق يحتضن فيه هذا الوطن الكبير كل أبنائه وتحل فيه التنمية الحقيقية بمختلف تجاياتها محل التأخر والتعثر واللامبالاة وخلق الأسباب لمحاكمات صورية بناء على محاضر مفبركة ومصطنعة، وهذه مسؤولية الحكومة. قال مولود بنكايو، البرلماني عن فريق «التجمع الدستوري» الحكومي، إنه يجب عدم الاستجابة لسلطة الشارع ودعوات الفتنة وتطبيق القانون بعيدًا عن الأحكام الجاهزة وتجييش العواطف لخدمة أجندات أجنبية، وأضاف: «نرفض أي تدخل أجنبي كيف ما كان في سير نظام العدالة والقضاء، لأن القضاء هو سيد نفسه ويراقب نفسه ذاتيًا وفق درجات التقاضي والمعايير المعمول بها عالميًا والأحكام تستأنف في القضاء وليس في الشارع العام».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: