عرض البحر والعالم الافتراضي ملجأ النساء العربيات لإجهاض آمن شيرين الديداموني

تجريم حق النساء في الإجهاض يسهم في إنعاش طرق غير شرعية.

السفينة راسية بانتظار إشارة عربية لرفع شراعها والانطلاق
ترسل يوميا الآلاف من الرسائل المختومة ببضع كلمات تتكرر “ساعدوني، فأنتم أملي الوحيد” عبر موقع منظمة “نساء في عرض البحر” على الإنترنت، لفتيات يطلبن المساعدة، بعد أن ضاقت بهن السبل وأوصدت بوجوههن الأبواب واقتربن من حافة الانهيار، ومن السهل معرفة محتوى الرسالة قبل قراءتها.

ويعود الموقع للطبيبة الهولندية ريبيكا غومبرتس، التي أنشأت المنظمة عام 1999، وتمكّنت من شراء قارب يخضع لقوانين هولندا التي تبيح الإجهاض الآمن للنساء تحت أي ظرف.

وبدأت الطبيبة تجول بالقارب حول العالم ومعها طاقم طبيّ، يرسو في موانئ الدول التي يُمنع فيها الإجهاض، ويقلّ على متنه سيّدات يردن التخلص من الجنين لأسباب مختلفة، ومن بعدها يتم نقلهن إلى المياه الدولية الأقرب، حيث تتمّ عملية الإجهاض، ويعود بهن بعدها إلى بلادهن.

لا يزال موضوع الإجهاض الآمن بمثابة حلم متعثر للكثير من النساء ويثير جدلا كلما تم طرحه لأسباب متعددة منها ما هو سياسي وبعضها اجتماعي وأكثرها يكون دينيا، وغالبا ما تحمل مبادراته سفينة تتوقف في عرض البحر أو تقتصر على العالم الافتراضي ولا ترسو على شطآن الدول المحرّمة له، بالرغم من أن حظره أو إباحته لم يغيّرا كثيرا من أرقام النساء اللائي يقمن بالإجهاض
الأمر شاق للغاية، لكن غومبرتس صرحت بأنه “يستحق كل هذا العناء”. فوفقا لأرقام منظمة الصحة العالمية، هناك حوالي 26 مليون عملية إجهاض غير آمنة تتم سنويا، أغلبها في الدول النامية، وفي معظمها تضطر النساء إلى دخول المستشفى للعلاج من مضاعفاتها مثل النزيف الحاد، وتضرر الأعضاء التناسلية، أو الإجهاض غير المكتمل، حين تكون كافة أنسجة الحمل داخل الرحم.

وفي حالات كثيرة تؤدي تلك المضاعفات إلى الموت، وهناك ما يقرب من خمسين ألف امرأة تلقى مصرعها سنويا جراء عمليات إجهاض غير آمنة على أيادي أشخاص يفتقرون للمهنية ولا يمتلك مهارات طبية، أو في محيط لا تتوفر به إسعافات أولية.

ولذلك أبحرت سفينة الإجهاض في رحلات مستمرة حتى اليوم لتوفير خدمات آمنة من أجل حماية حياة النساء، وزارت دولا كثيرة، بينها إسبانيا وأيرلندا وبولندا والمكسيك، وقامت بإنقاذ حياة الآلاف من السيدات.

وإلى الآن لم تحل “سفينة الإجهاض” على مراسي الدول العربية، بل إن ذكرها غالبا ما يكون مرادفا لـ”الكفر” و”العهر”، وسيكون تشويها لسمعة النساء العربيات إن حلت ببلدانهن، لذلك تم حجب موقعها في العديد من الدول.

وعندما جاءت تلبية لدعوة وجهتها لها الحركة البديلة للحريات الفردية في المغرب المعروفة اختصارا بـ”مالي” عام 2012 لتوفير فرص الإجهاض الآمن لمدة أسبوع على متن قاربها قبالة سواحل المغرب، باستعمال الأدوية ومن دون جراحة، منعتها البحرية المغربية من الدخول إلى الميناء، لأن الإجهاض غير القانوني في المغرب تكون عقوبته السجن.

حدث هذا في الوقت الذي كانت فيه تقديرات الجمعية المغربية لمناهضة الإجهاض السري تتحدث عن 600 إلى 800 حالة إجهاض يوميا.

وقالت غومبرتس إن حوالي 78 امرأة تموت كل سنة في المغرب نتيجة إجراء عمليات إجهاض سرية وغير آمنة، وإن وحدهن “النساء الميسورات” لديهن الفرصة للحصول على إجهاض آمن دون عقوبات.

وتختلف عقوبات الإجهاض من دولة عربية إلى أخرى، وتتراوح بين السجن والغرامة أو كليهما، ففي لبنان تصل العقوبة إلى الحبس 3 سنوات، وفي السعودية يطبق حكم الدية والكفارة على كل من قام بالإجهاض، وطبقا لقانون العقوبات المصري، يعتبر الإجهاض جنحة وقد تتحول إلى جناية عقوبتها الأصلية الحبس لمدة تتراوح من 24 ساعة إلى 3 سنوات.

وتعتبر تونس الاستثناء الوحيد، فهي تبيح الإجهاض الآمن في المستشفيات الحكومية والعيادات الطبية المرخصة، بشرط ألا يزيد عمر الحمل على 3 أشهر، ودون أن تحتاج الأم لإبداء أسباب.

عندما فرضت الدول العربية محاذير على “سفينة الإجهاض” وفشلت في الوصول إلى كثيرات يحتجن المساعدة، لجأت المنظمة تدريجيا إلى العالم الافتراضي، فتكاتفت منظمات مستقلة وأفراد دون أي ارتباط قانوني تحت مسمّى “نساء على الشبكة (WOW)”، وانضمت إليهم نساء من مختلف بقاع العالم تم إجهاضهن بطرق آمنة، بعضهن تبرعن بصورهن ومشاركة تجاربهن في قسم “أنا قمت بالإجهاض” لكسر “العيب” المحيط بالإجهاض.

وأخريات انضممن إلى باب “احتاج إلى الإجهاض” ليحصلن على المزيد من المعلومات التثقيفية والدعم للوصول إلى الإجهاض الآمن عند الحاجة.

تم التواصل مع المنظمة باسم مستعار، وكان السؤال الرئيسي بعد اختيار اللغة المناسبة للكتابة هو هل لديك حملا غير مرغوب فيه؟ ثم قاموا بتحويل المحادثة الإلكترونية إلى طبيب ملفه الشخصي يشير إلى أنه “متخصص” ومعه رخصة مزاولة المهنة تمكنه من تقديم الإجهاض الدوائي.

بعد الإجابة عن 25 من الأسئلة والمعلومات، أكد الطبيب أنها “سرية للغاية” كاختبار الحمل وكيفية حساب فترته وعن مدى إمكانية توفير أشعة موجات فوق صوتية (غير ضرورية)، وإذا كانت هناك أمراض مزمنة.

ووصف الطبيب نوعين من الأدوية (الميزوبرستول أو الميفيبريستون) وشرح أنه على استعداد لإرسالهما في طرد في حالة عدم العثور عليهما بمكان الإقامة ومن ثم تناولهما في المنزل مع الالتزام بالتعليمات، مشددا على أن الإجهاض الطبي يكون بنسبة نجاح عالية، لكنه من الأفضل عند تناول الأدوية التواجد بالقرب من مستشفى للوصول إلى العناية الطبية الطارئة إذا حدثت مضاعفات أو نزيف.

وطلب الموقع تبرّعا عن طريق بطاقة الائتمان أو تحويلا مصرفيا لضمان أن هذه الخدمة تستمر لمساعدة النساء الأخريات، فالتبرع ليس إجباريا لكنه يفيد أخريات يحتجن للمساعدة.

ووفقا لدراسة حديثة أجرتها جامعة تكساس الأميركية، فإن أكثر من 90 بالمئة من النساء اللاتي يستخدمن حبوب الإجهاض التي تم الحصول عليها على الإنترنت ينهين حملهن بأمان دون تدخل جراحي.

وقالت ريفال، لاجئة سورية متزوجة ببلجيكا ، إن الحصول على الدواء عن طريق الإنترنت كان أفضل، موضحة أن حياتها انقلبت رأسا على عقب عندما علمت بحملها لأن هذا كان يعني نهاية لحياتها الزوجية حسب اتفاقها مع زوجها، ولأنها خبيرة في مجال التسوق الإلكتروني فقد تواصلت مع المنظمة بعد فشلها في الحصول على الأدوية من الصيدليات المحيطة بها، فقام طبيب بالرد عليها وشرح لها كل ما يتعلق بالحصول على إجهاض آمن.

وأفادت بأن الأمر لم يكلفها شيئا يذكر فقط 150 يورو كتبرع لمساعدة الأخريات غير القادرات على شراء مثل تلك الأدوية، وبعد ثلاثة أيام تلقت اتصالا هاتفيا يتأكد من وجودها بالعنوان المكتوب لديه ، وجاء إليها طرد مغلق بإحكام به الأقراص المنشودة وبالفعل تخلصت من الحمل بهدوء ويسر.

وشرح أحمد ، صاحب صيدلية، أن أدوية الإجهاض المكونة من الميزوبرستول أو الميفيبريستون، تباع بأسماء تجارية مختلفة مثل أرترو تيك وميزو ترول وغيرها.

وأوضح حامد أنه لم يحدث أن سأله جهاز رقابي في مصر عن صرف حبوب الإجهاض دون تقرير، ولا يعرف ما إذا كانت هناك عواقب قانونية لهذا أم لا، لكنه لا يبيعه ولا يريد أن يطلق على صيدليته “سمعة سيئة”.

وأكد أن مضاعفات الإجهاض الدوائي دون متابعة طبيب تكون كارثية كالنزيف الشديد أو حدوث إجهاض جزئي تبقى بعده أجزاء من الجنين في الرحم، وتتعفن مسببة تسمّما، وكلها مضاعفات قد تنتهي بالوفاة.

وأشار إلى أنه قبل ثورة يناير 2011، كانت تلك الأدوية تباع في الصيدليات بشكل طبيعي وبأسعار زهيدة لا تتعدى الدولار، ولاحقا مُنعت أدوية الإجهاض من الصيدليات وتم توجيهها بالكامل إلى المستشفيات.

وهناك صيدليات توفرها بشكل غير رسمي لكن بأسعار تصل إلى 500 دولار للشريط الواحد، أما السوق السوداء فتبيعها بالقرص الواحد، وهناك صفحات على موقع فيسبوك في دول مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت وسلطنة عمان والعراق واليمن، متخصصة في تهريبها إلى داخل البلاد وبيعها بمبالغ طائلة.

ويظل الشحن عن طريق العالم الافتراضي أفضل وأرخص وأيضا أسرع من التفاوض والبحث الذي يستغرق وقتا أطول ولا يكون في صالح المرأة الراغبة في الإجهاض.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: