فيلم مغربي عن سجن كبير يحتجز الحراس والمعتقلين

فيلم “كيليكيس.. دوار البوم” للمخرج عز العرب العلوي، يعالج الواقع اليومي لسجاني وحراس معتقل تازمامرات بدل التركيز مباشرة على حكايات المعتقلين السياسيين.

الكل مسجون حتى إشعار آخر
قدّم المخرج المغربي عز العرب العلوي عرضه الأول لفيلمه الروائي الجديد “كيليكيس.. دوار البوم”، مساء الاثنين ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة شمالي المغرب في دورته الـ19 والتي تتواصل حتى الـ17 من مارس الجاري.

و“كيليكيس.. دوار البوم” يقارب معتقل تازمامرات الشهير في فترة ما بات يصطلح عليه بالمغرب سنوات الجمر والرصاص، وقد عالج الفيلم الواقع اليومي لسجاني وحراس المعتقل بدل التركيز مباشرة على حكايات المعتقلين السياسيين.

شد فيلم “كيليكيس.. دوار البوم” عن حياة المعذبين بالسجون للمخرج المغربي عز العرب العلوي، ليلة الاثنين، أنظار جمهور المهرجان الوطني للفيلم المتواصلة فعاليات دورته التاسعة عشرة بمدينة طنجة، وهو الفيلم الذي تم عرضه في إطار منافسات المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، عن الفيلم وقصته ودلالته التقت “العرب” مخرجه فكان هذا الحوار
ويقصّ الفيلم على امتداد 115 دقيقة، حكاية فتاة متعلّمة، اسمها وفاء، قامت بأداء الدور أسماء سريوي، عادت من المدينة إلى قرية دوار البوم التي توجد بين جبال الأطلس الكبير، حيث هدفها الأسمى تعليم أبناء الدوار، لكنها ستصطدم بعالم يطغى فيه الجهل والأمية رافضة هذا الواقع وتلك العقليات المتّسمة بالانغلاق، وهي التي امتنعت عن الزواج من شاب من حرّاس المعتقل، وتقرّر مع من اختارته رفيقا وشريكا الهروب من تلك الظروف ليلقى من أحبّت حتفه، لتنجح في النهاية في تهريب ملف من ملفات المعتقل السري الذي عذّب وقتل فيه شقيقها إلى خارج الدوار.

ويتموقع دوار البوم بين جبال الأطلس الكبير، وهو تجمع سكني لعائلات وحرّاس معتقل سري ظل وجوده خارج التاريخ لمدة طويلة حتى بداية التسعينات من القرن الماضي، غير أنه في حقيقة الأمر ما هو إلاّ سجن كبير يحتجز الجميع حرّاسا ومعتقلين.

وعبر جسر معلق في الهواء على واد سحيق يربط الدوار بسجن القلعة، يقضي سكانه من الحرّاس حياتهم في مناوبة الحراسة، ويستسلمون لقدر محتوم يخيم بثقله على كافة مرافق الحياة، هم شخوص اختلّت مداركهم وتفرّقت بهم السبل واختلفت مصائرهم، حيث دفعتهم الأقدار إلى اكتشاف أن دوار البوم ما هو إلاّ سجن كبير يحتجز الجميع، حراسا وأسرا ومعتقلين.

وقال المخرج عز العرب العلوي لـ”العرب”، إنه اشتغل على الفيلم لمدة أربع سنوات وتم ترشيحه للمهرجان الوطني بطنجة، وهو الخروج الرسمي للفيلم، ولم يحدّد بعد عرض الفيلم بالقاعات السينمائية، والعرض الذي تم في الـ23 من فبراير الماضي، ما هو إلاّ عرض تجريبي حضرته مجموعة من المبدعين والنقاد والسينمائيين من أجل دراسة كيفية تفاعل هذه العينة من الجمهور مع هذا النوع من الأفلام.

ويواصل المخرج المغربي “إثر العرض التجريبي، أعدت الفيلم للمونتاج من أجل إعادة صياغة بعض المشاهد وتحسين بعض المؤثرات السمعية البصرية، وتوقيت خروج الفيلم جاء صدفة”.

دلالة مزدوجة
أول ما يثير الانتباه، هو عنوان الفيلم وتوظيف طائر البوم بدلالته وإسقاطاته التي أرادها المخرج للفيلم، حيث يراه عز العرب العلوي دلالة مزدوجة، لأن هذا الطائر حسب الثقافة العربية ينذر بالشؤم، لكنه عكس ذلك في الثقافة الغربية كونه يرمز للحكمة والفلسفة.

ويضيف “استعملت هذا الرمز باعتباره يحمل نفس الدلالتين، بمعنى أن السجناء والمعتقلين بالنسبة للحرّاس هم شؤم وبالنسبة لأنفسهم هم حكماء، لهذا اخترت هذا الطائر كونه يحمل هذه الحمولة الدلالية المزدوجة”.

وحول تركيز الفيلم على السجّان بدل السجين، قال المخرج المغربي إنها مقاربة جديدة في معالجة هذا النوع من الأفلام، موضحا أن التركيز على المعتقل هو طريقة كلاسيكية تم الاعتماد عليها في الكثير من الأفلام، وكان لا بد له باعتباره دارسا للسينما ويدرّسها أيضا أن يعطي إضافة نوعية وألاّ يكرّر نفسه كما فعل الآخرون.

ولهذا فمقاربة السجان سيكولوجية، يقول المخرج، وليس لإعطائه قيمة مضافة أو دمجه في إطار إيجابي، بل هي محاولة قراءة السجّان انطلاقا ممّا يعيشه داخل المعتقل باعتباره هو نفسه معتقلا دون قضية.

ويسترسل “هذا يدفعني إلى القول إن مهمة المرآة في الفيلم هي قراءة آثار التعذيب الذي يعيشه المعتقلون في وجوه الحرّاس وفي تركيبتهم النفسية وما يعانونه من عذاب الضمير، وهذا ما سيدفعني في الأخير إلى إنجاز فيلم حول العذاب الذي عاشه المعتقلون، ولكن في وجوه الحرّاس وحياتهم وسيكولوجيتهم، لأن بعضهم لا ينام وآخرين يتمنّون أن يكونوا هم أنفسهم المعتقلين”.

وقام بأدوار الفيلم الذي يسرد حكايات متداخلة ومتكاملة مع القصة الأساسية كل من الممثلين محمد الرزين وأمين الناجي وحسن باديدة وكمال كاظمي ونعيمة المشرقي وراوية وأسماء الساوري ومحمد بوصبع ومحمد الصوصي العلوي وكنزة فريدو وجمال لعبابسي ومحمد طوير الجنة وحميد نجاح وعبدو المسناوي.

والفيلم هو الثاني بالنسبة لعز العرب العلوي بعد فيلم “أندرومان من لحم وفحم” في العام 2012، الذي جال العالم وتمكن من الفوز بالكثير من الجوائز العالمية.

ولفت عز العرب العلوي إلى أن الفيلم أخذ هذا الزمن، أربع سنوات، لأنه اعتمد على تقنيات جديدة بمؤثرات بصرية ذات تقنية عالية، مشدّدا بقوله “المكان الذي اشتغلت فيه مركّب وليس مكانا طبيعيا، وبالتالي أخذ كل هذا الوقت، لأن المؤثرات البصرية لم يستأنس بها بعد في الساحة السينمائية المغربية، إضافة إلى أن إنجاز الفيلم كان صعبا من الناحية النفسية، علاوة على ضعف الموارد المالية، إلاّ أننا تمكنا في النهاية من إتمامه باجتهاد كبير”.

استياء ولبس
أثار الفيلم استياء كل من المنوزي رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف وأحمد المرزوقي المعتقل السابق، وقال المنوزي “كفى تبخيسا وتقزيما لما جرى خلال العهد البائد من فظاعات وجرائم سوداء، فليس كل توقيف تعسفي اختطافا، وليس كل تعنيف تعذيبا، وليس كل موت اغتيالا، وليس كل قذف ومس بالاعتبار وجهة نظر”، مضيفا أنه وجب الحذر والتحذير من مغبة مقارنة الوضع الذي يعيشه حاليا بعض من كلفّوا بحراسة ضحايا جحيم تازمامارت، مع وضع هؤلاء الآخرين، والأحرى الاعتراف بتماثل الحالات والمعاناة، بعلة تبرير ما اقترفه كل واحد من فظاعات تجاه ضحيته.

ورد عز العرب في حواره مع “العرب” أن ما ورد على لسان كل من المنوزي وأحمد المرزوقي المعتقل السابق، ما هو إلاّ سوء فهم، “لأن ما أنتجته يعتبر فيلما سينمائيا روائيا تخييليا وليس بالضرورة توثيقا لما حدث، فهناك مجموعة من المكوّنات التي أحتاجها لكي أصنع فيلما وليس بالضرورة انتماءها إلى عالم تازمامرات، وبالتالي هناك مكونات أخرى حول الحرّاس وعقليتهم وما كان يدور في المنطقة، ولأنني ابن المنطقة شعرت بثقل تازمامرت على أهلها أكثر بكثير ممّا شعروا به هم أنفسهم”.

والمنطقة كانت تعاني كثيرا من وجود هذا المعتقل داخل التراب الخاص بإقليم الرشيدية، وبالتالي يقول عز العرب العلوي، “فإن هذا التذمّر وطرح أسئلة من قبيل لماذا لم تهتم بالمعتقل؟ ولماذا لم يستفد هذا الفيلم بشكله وبقوته في تسليط الضوء على المعتقل؟ بالنسبة لي هو مسألة كلاسيكية قديمة”.

وتابع المخرج عز العرب العلوي موضحا “إنني عندما ركّزت على الحرّاس فقد اهتممت بطريقة غير مباشرة بالمعتقلين، ولهذا أظن أن الأمر بالنسبة للمنوزي والمرزوقي مجرّد لبس فقط، مع العلم أنهما لم يشاهدا الفيلم لحد الساعة، بل وصلتهما أصداء أن الفيلم يعتمد في حكايته على معالجة وضعية الحراس أكثر من السجين فثارت ثائرتهم باعتبار أنه تم تهميشهم”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: