في البدء كان الحب

رغم اعتراض البعض على هذه المناسبة وغيرها من المناسبات بسبب قرصنة شركات رأس المال لها وتحويلها إلى فرصة مناسبة للربح يظل الفلنتاين عيدا مميزا في رأيي لسببين على الأقل:

الأول هو قدرته على تحريك المشاعر النائمة بين المحبين وتذكيرهم بأن الحب كان ولا يزال الرابط الذي يجمعهم، قبل الزواج، قبل الأطفال وقبل الحياة، وهو الذي يستحق الاحتفال. ينسى المحبون ذلك، أو ربما يجدونه غير مهم في مرحلة ما، بعد أن تتعدد الروابط وتشتد بينهم التعاقدات عن طريق الأبناء مثلا.

فلنتاين يقول لهؤلاء: في البدء كان الحب، أصل كل شيء وأساسه، ثم يمد يده ليمسح الغبار عن القلوب، يلمّعها ويعيد لها بريقها، ليوم، لساعة أو حتى للحظة، هي كل الزمن الذي تستغرقه نظرة أو كلمة.

لماذا يجب أن نتذكر؟

بعض البشر لا يفهمون الحب، ولا يستطيعون أن يشعروا به، وهذه قسوة ما بعدها قسوة ناتجة إما عن تربية خاطئة أو تجارب مؤلمة أو خلل في النفس.

لأن الأيام والحياة والروتين تنسينا أحيانا ملامح من أحببنا رغم أنه أمامنا كل يوم نراه ويرانا، لكن العين التي تأملتنا بشغف وعشقت كل تفاصيلنا أصبحت لا ترانا تقريبا، واليد التي لمستنا بالدفء والمحبة تحولت لِيَد عادية تلمسنا فلا نشعر بها أو هي لا تشعر بِنَا والفم الذي حدثنا ليالي طويلة وهمس في آذاننا بكلمات تذيب الأحجار أصبح يخاطبنا بحياد.

عندما أغضب من المرأة التي أحب لسبب من الأسباب وأجد نفسي غير قادر على المسامحة والتصرف بشكل عادي أتركها تنام ثم أعود إلى رسائلهاالقديمة، للصور، والأغاني، والكلمات والمواقف والحكايا، التي جمعتنا في أول سنوات الحب، فأجد نفسي أبتسم واندس إلى جانبها كأن شيئا لم يكن.

يعلمنا الحب السماح، كما يعلمنا أشياء كثيرة أخرى لا حصر لها، ويجعلنا متفهمين، لينين، قادرين على العطاء بلا حد.

السبب الثاني الذي أحب من أجله هذه المناسبة هو أن المحرومين من الحب، والعاجزين عنه، والقاعدين عنه، والممتنعين عن طيب خاطر، وأصحاب القلوب المتكاسلة، أو المتحجرة أو المريضة أو حتى الميتة، يدركون فجأة وهم يَرَوْن العالم يتلون بألوان المحبة أن شيئا مهما في الحياة يفوتهم، شيئا مهما جدا يتكاتف كل البشر للاحتفال به.

بعض البشر لا يفهمون الحب، ولا يستطيعون أن يشعروا به، وهذه قسوة ما بعدها قسوة ناتجة إما عن تربية خاطئة أو تجارب مؤلمة أو خلل في النفس.

مرة حكى لي صديق هذه القصة الحزينة التي تلخص حياته كلها: قال إن أهله أمازيغ  ربوه على أن الحب للرجل ضعف ومهانة وأنه قضى خمسين عاما في محاربة هذه التربية داخله، وعندما تمكن أخيرا من تحقيق تقدم حقيقي، وبدأ قلبه يرق ويقتنع بأن الحب قوة وليس ضعفا وعزة وليس مهانة كان الوقت قد فات ليجده.

قابلت في حياتي أشخاصا كثيرين غير قادرين على الحب، لا يدركون ما هو أصلا، وكنت دائما أشكك في أن هذا حقيقي وممكن، لكن بعد أن عايشت ألمهم ورأيت حرمانهم صدقت، بعضهم يتمنى لو يدخل الحب قلبه ولو للحظة واحدة.

القدرة على الحب معجزة يجب أن نشكر الله عليها، والقدرة على أن نحَب لا تقل إعجازا عن ذلك.

أن يمتد ذلك الخيط الخفي الساحر ليشد قلبين هشين فقيرين إلى بعضهما البعض، ويمنحهما تلك الطاقة وتلك القدرة الهائلة وذلك الثراء الذي لا يضاهيه ثراء، وتلك السعادة التي لا تفوقها سعادة، في مكان ما، في لحظة ما، دونا عن كل البشر، وأن يخرج ذلك النداء الخفي من روح أحدهم فلا يسمعه إلا شخص واحد، وتصم عنه باقي الآذان، ألا يشبه ذلك السحر؟

دائما وجدت الحب معجزة الكون الكبرى التي من دونها لا تستقيم الحياة، وإذا كانت لكل نبي معجزته التي تميزه عن باقي الأنبياء فإن الحب معجزة الخالق نفسه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: