صناعة الشباب المغربي المدمن.. جيل الإنتاج في غيبوبة

لا رجاء ولا مستقبل لمجتمعات يدمن شبابها المخدرات، خاصة مع تحول الأمر إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة، حسب ما رصدناه في إحتفالات رأس السنة الميلادية في كافة المدن المغربية ، فكل الشباب فقدوا وعيهم بتعاطيهم لنوع من أنواع المخدرات  ما ينذر بأخطار محدقة بهذه الشريحة التي تُعَدّ الأكثر عرضة للتأثيرات النفسية والعقلية للإدمان من غيرها. لكن ظاهرة تعاطي المخدرات تعتبر كغيرها من الظواهر الاجتماعية لا يجوز فصلها عن مجمل الظروف المحيطة بها داخل المجتمع أو خارجه.

السيجارة الأولى.. فخ

شاهد الجميع في المغرب مغنّي الراب الأشهر كافون وهو يتحدث بندم عن استسلامه لاستهلاك مخدر الزطلة (القنب الهندي) الذي عكّر حالته الصحية وتسبّب في قطع جزء من ساقه.

ونصح صاحب الأغنيات التي تحتفل بالزطلة وتروّج لها على غرار “مزاطيل” و”حوماني” الشباب بالتعلم من تجربته. والأكيد أن نصيحته ليس لها نفس تأثير أغانيه التي يرددها الشباب بفهم أو دونه.

ولا تعتبر أغاني كافون استثناء، فمعظم أغاني الراب التي يكون مصدرها الأحياء الشعبية تحتفي بالزطلة التي تعني لذة استهلاك مخدر القنب الهندي، وتشرح أسباب استهلاكها كالبطالة والفقر وتتطرق إلى كيفية انتشارها والمستفيد من ترويجها وتوجّه أحيانا اتهامات صريحة لرجال الشرطة أو الحكومة بصفة عامة المتغاضيين عن “الرؤوس الكبيرة” المروّجة.

وتصف هذه الأغاني، التي تحمل في طياتها عبارات مثل “جونتة” وتعني سيجارة الزطلة، و”اكمي اكمي” أي دخّنها، الأجواء الحميمية التي تصاحب جلسات تدخين الزطلة، مما يحفز الشباب غالبا على تجربة هذا “الجوان ” المغري.

ويقول (م.ب) إنه إن أراد الحصول على مخدر الزطلة فهو يتوجه إلى الأحياء الشعبية للحصول على مبتغاه، هناك الكل وسطاء وبإمكانك الحصول على “جوان” بـ5 دراهم لكن عليك أن تمنح مالا أو تشتري للوسيط سيجارة أيضا. كل الوسطاء يفرضون ذلك على التاجر لأنه دون ذلك سيخسرون قوت يومهم.

وغالبا ما تكون أجوبة الشباب من المستهلكين للحشيش عن سبب إدمانهم متشابهة “حبّيت نجرّب… حصلت”، أي أردت القيام بتجربة فوقعت في فخ الإدمان.

تعتبر مادة القنب الهندي، أو كما تعرف بـ”الزطلة” في المغرب أحد أهم المواضيع التي كانت ولا تزال تشغل الرأي العام المغربي  في السنوات الأخيرة.

وتعتبر المخدرات هي الجريمة الثالثة في المغرب بعد السرقة المجردة والسرقة الموصوفة بحسب التصنيف الأمني.

 

ولا يعتبر المغرب  استثناء في العالم العربي، فآفة المخدرات تهتك بالمجتمعات وتهددها.

ويفيد تقرير للهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث “فورام” (2015)، حول تقييم وضعية الأطفال في الجزائر لجهة تعاطيهم المخدرات، بأن 7.75 بالمئة من تلاميذ المرحلة المتوسطة و18.77 بالمئة من المرحلة الثانوية يتعاطون المخدرات.

وبالتزامن، كشف رئيس قسم طب العلاج النفسي للأطفال في مستشفى دريد حسين في العاصمة التونسية طالب ولد محمود، عن تعاطي نحو 15 بالمئة من المراهقين المخدرات بمختلف أنواعها.

وفي إحدى الدراسات والأبحاث الحديثة المنشورة عام 2014 باليمن، أين ينتشر “القات” بكثافة، أظهرت أن نسب تعاطي وإدمان المخدرات الأخرى بين الأطفال تزيد 10 أضعاف عما يظنه الآباء في تقديراتهم.

وفي العراق يشكل الأطفال الأعمدة الرئيسية داخل عصابات تجارة المخدرات.

وأكدت دراسة للمجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان في مصر صادرة في يوليو 2015، أن ما يقرب من 2 بالمئة من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و19 عاما في مصر يتعاطون المخدرات باستمرار.

وفي دراسة لمكتب هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالجريمة والمخدرات منشورة عام 2013 حول وضع المدارس الحكومية الأردنية، كشفت عن نمو عدد الطلاب من الجنسين الذين يتعاطون الكحول والمخدرات.

وجاء تعاطي الحبوب المهدئة في المرتبة الأولى بين طلاب المدارس في الأردن.

كما يرتفع سقف الخطر من تعاطي طلاب المدارس الصغار أقصاه في المغرب، حيث تؤكد إحدى الدراسات أن 25 بالمئة من الطلاب يتعاطون المواد المخدرة التي يطلق عليها اسم “القوية”، وهو رقم مرتفع إذا ما تمت مقارنته بالنسبة الضئيلة لهؤلاء الأطفال قبل عقدين من الزمن فقط، والتي لم تكن تتجاوز 5 أو 6 بالمئة.

ويظل الأطفال في الخليج هدفا رئيسيا لمروجي المخدرات، حيث يقومون باستثمارهم لارتفاع مستوى الدخل، مما يجعلهم هدفا لضمان الاستدامة ورواج تلك التجارة.

وكشفت دراسة صدرت عام 2013، عن تورّط طلاب المرحلة الابتدائية بالدول الخليجية في تعاطي المخدرات، حيث بلغ تعاطي المخدرات بين طلاب المرحلة الابتدائية بدول الخليج 10 بالمئة فيما سجلت نسبة 24 بالمئة من التعاطي بالمرحلة المتوسطة و36.6 بالمئة في السنة الأولى الثانوية و20 بالمئة تعاطوا المخدرات بالسنة الثانية أو الثالثة وأن 5.8 بالمئة بدأوا بالتعاطي في الجامعة.

مشكلة معقدة

لا يوجد تعريف عام وجامع يتفق عليه العلماء المتخصصون، يوضح مفهوم المواد المخدرة ويفسرها بطريقة جلية، وإن كانت هناك مجموعة من التعريفات الاصطلاحية للمخدرات يعرّفها بعض الباحثين من خلال زاويتين مختلفتين إحداهما علمية، والأخرى قانونية.

ويؤكد التعريف العلمي أن المخدر هو مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم، أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم.

أما التعريف القانوني فيقول إن المخدرات هي مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان وتسمّم الجهاز العصبي، ويحظر تداولها أو زراعتها أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص لهم بذلك.

وتؤكد دراسات أن مشكلة المخدرات من المشكلات المعقدة؛ فهي تتطلب المزيد من البحث والدراسة من مختلف جوانبها وتداخلاتها مع غيرها من مشكلات السلوك الأخرى، فجرائم المخدرات من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمعات الإنسانية، حيث تهدد أمنها واستقرارها، وتشكل عبئا ثقيلا ومتزايدا عليها، حيث تأتي المخدرات على رأس قائمة الشرور التي تقف أمام التنمية والتحديث.

وتتمثل خطورة المخدرات في أنها تعطل الإرادة الإنسانية، حيث يتحول الإنسان إلى عبد لعاداته الإدمانية، الأمر الذي يجعله يفقد عقله وإرادته، ويصبح مستعدا لأن يقدم أي شيء في سبيل الحصول على المخدر ولو على حساب كرامته، بالإضافة إلى ارتكاب السلوكيات الإجرامية أو المنحرفة.

كما تؤدي المخدرات إلى الانهيار الثقافي في أي مجتمع، حيث نجد أن التاجر والمدمن ينفصلان عن ثقافة المجتمع الذي يعيشان فيه بحيث يساعد ذلك في زيادة الشقاق بينهما وبين المجتمع، مما يدفعهما إلى الاندماج في ثقافة المخدرات.

وهناك قوى خارجية تحاول تسريب بعض المواد التي يؤدي تعاطيها إلى الإضرار بشرائح عديدة في المجتمعات، وقَتْل روح الفاعلية في المواطنين.

وتهدد المخدرات الأمن الداخلي، حيث تشيع حالة من الاسترخاء لدى شرائح عديدة في المجتمع، وخاصة الشرائح الفاعلة في إطاره كالشباب فتجعل قطاعات كبيرة منهم مغيبة عن الوعي وغير فاعلة في عمليه الإنتاج ومنسحبة من عملية تنمية المجتمع وتحديثه، كما يؤدي تعاطي المخدرات إلى اقتطاع جزء كبير من الدخل للإنفاق على السموم.

وترتبط المخدرات بالعديد من الجرائم كالبلطجة والاغتصاب والسرقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: