ما يعيشه العالم الآن: صيرورة عادية أم إنذار بالفوضى
تأبى دائرة العنف أن تتوقف في العالم، حيث تجاوز خطر الحرب والتهديدات الإرهابية منطقة الشرق الأوسط ليشمل مناطق أخرى منه. جرس الإنذار بات يهدد القوى الإقليمية الكبرى بسبب التصعيد الأخير لكوريا الشمالية وإطلاق صاروخ باليستي نحو اليابان حليفة الولايات المتحدة. التصعيد العسكري يرافقه تصعيد إنساني في منطقة أخرى من العالم في ميانمار حيث يلاقي الآلاف من أقلية الروهينغا المسلمة حتفهم في تصفية عرقية عنصرية مخزية لكل لإنسانية. كل هذه الأحداث تنبئ بتفاقم التحديات على كاهل المجتمع الدولي وتدفع بالتساؤل هل ما يمر به العالم الآن هو مرحلة حتمية أم إنذار بجنون العالم؟
كارثة إنسانية في بورما
العالم يتحرك باستمرار ويسير بنسق تصاعدي وربما بأسرع ما يكون. الحروب بشتى أنواعها، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، بروز تنظيمات إرهابية أشد فتكا على غرار داعش، تضاف إلى ذلك العديد من التحديات التي يعيشها العالم والتي جعلته يمرّ بأقوى مرحلة من نقص في الموارد المائية والطاقية والعديد من الظواهر المناخية والتقلبات الجوية التي أدت لحدوث كوارث طبيعية، على غرار إعصاري هارفي وإيرما المدمّرين، كلها عوامل تعجّل بدق جرس الإنذار من المخاطر القادمة وتبعث على التساؤل، هل ما يمر به العالم الآن هو مرحلة حتمية وضرورية لا بد من الوقوف عندها، أم أنه إنذار بجنون العالم؟
في التصورات العادية لأغلب الآراء المحللة لوضعية العالم وخصوصا المرحلة التي يمر بها الآن، تستند أغلب القراءات إلى العديد من المعطيات الدالة على حدوث نقلة نوعية في مسار العالم.
من بين هذه المعطيات ما يشهده الشرق الأوسط من نقلة في مستوى الحروب الدائرة هناك. المسار الفعلي للأحداث، الذي ينطلق العدّ الفعلي له منذ أحداث الربيع العربي ليضع البعض من البلدان العربية في دائرة العنف، على غرار التغيير الحاصل في ليبيا واليمن وسوريا، وبصفة استثنائية العراق باعتبار أن احتلاله من قبل القوات الأميركية (2003) جاء قبل ثورات الربيع العربي، لا يستثني العديد من البلدان الأخرى في أفريقيا وآسيا الواقعة تحت تأثيرات التنظيمات الإرهابية والتصفية العرقية ولو بمنسوب أكثر دموية على غرار ما يحصل اليوم في بورما ضد أقلية الروهينغا المسلمة.
رغم الإقرار في البداية بأن أبعاد الأزمة، إن صحّ التعبير، التي يمر بها العالم لا يمكن حصرها لجهة التشابك والتداخل في العديد من العناصر المكوّنة لها، إلا أنه في المقابل يمكن استنادا إلى العديد من العناصر الأساسية تشخيص هذه الأزمة وإبراز ملامحها للعيان بناء أولا على معطيات الأرض، وثانيا وفقا لبعض المصادر التي تدعم صحة الفرضية دون أن تفنّدها.
أزمة بنيوية
العالم يتشكل من بنى مختلفة ومتراصة ومتكاملة تنسج خيوطه، لكن أحيانا يصير نوع من التفكك في هذه البنى إما بفعل فاعل، أي بتدخل الإنسان، وإما نتيجة لعوامل جغرافية وتاريخية وأساسا طبيعية يكون دورها مؤثّرا وفاعلا في تفكيك النّسيج البنيوي للعالم.