شمال أفريقيا ملجأ لبقايا تنظيم الدولة الإسلامية

أوجد تنظيم الدولة الإسلامية له حضورا في شمال أفريقيا على إثر نجاحه في الشرق الأوسط، وتمكن التنظيم من تركيز حضور كبير له في ليبيا  حيث تأسست “عاصمة” في مدينة سرت الساحلية على غرار الموصل في العراق والرقة في سوريا. وبعد حوالي أربع سنوات بدأت “عواصم الخلافة” تنهار وكانت سرت أولها (دجنبر 2016)، ولحقتها مؤخرا الموصل، فيما معركة الرقة على أشدها. لكن رغم أن طموحات هذا التنظيم في شمال أفريقيا منيت بنكسة كبيرة وبدت مواطن ضعفه أكثر وضوحا على إثر خسائره في الشرق الأوسط، مازال هذا التنظيم المتشدد مصدر قلق وخطر خصوصا وأن الأرضية مازالت تحمل البعض من تلك البذور التي أنبتت داعش من رحم تنظيم القاعدة في العراق.
بعد إخراج تنظيم الدولة الإسلامية تقريبا من إحدى عاصمتيه ومحاصرته في الأخرى، يقول دبلوماسيون غربيون ومسؤولون أميركيون إن هذه الانتصارات العسكرية تحمل في طياتها ضربة قاضية لـ”دولة الخلافة” لكنها لا تقلص من التهديد الذي مازال يشكله، فالانتصارات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية يمكن أن تتبخر في نيران صراعات أخرى مازالت مندلعة، وتحديدا في ليبيا، حيث الأرضية خصبة، ليبقى داعش يتنفس رغم ما لحقت به من هزائم هناك أيضا.
وبحسب ما تقول مجلة النيويوركر الأميركية، من المبكر جدا الاحتفال بهزيمة داعش، فمنذ صعود التطرف الجهادي قبل 4 عقود تبيّن أن من سماته الأكثر ديمومة، من خلال تجلياته دائمة التطور، هي قدرته على إعادة تأسيس وإحياء الحركات التي بدا أنها قد هزمت.
وفي إطار بحثه عن أرض بديلة سيسعى ما بقي من تنظيم الدولة الإسلامية إلى نقل الصراع نحو أفريقيا حيث يمكن أن يعقد شراكات مع الجماعات المتشددة هناك، ومنها القاعدة ليضمن بقاءه حيا. وفي الأسابيع القليلة الماضية تسببت التطورات الداخلية في ليبيا والأحداث ذات الصلة في الخارج في تسليط الأضواء على حجم التهديد الإرهابي الموجود في هذا البلد الشمال أفريقي والقادم منه. ونتيجة لهجمات إرهابية عشوائية ضد المدنيين، أصبحت القوى الدولية والإقليمية الكبرى أكثر وعيا بعواقب غياب حكم القانون في ليبيا.

تؤكد الباحثة في مركز دراسات الأمن ليزا واتانابل أنه مادامت ليبيا معرضة لاستمرار الحرب الأهلية مع تواصل عدم نجاعة حوكمتها، لا يمكن استبعاد قيام داعش بإعادة تجميع صفوفه واستعادة بعض الجيوب من الأراضي. وتضيف في دراسة حملت عنوان “تنظيم الدولة الإسلامية في شمال أفريقيا مازال موجودا ويكافح من أجل التوسع”، نشرها مجلس سياسات الشرق الأوسط، أن داعش قد يتمكن أيضا من تحقيق مكاسب إضافية في ليبيا وتونس خاصة نتيجة لانشقاق بعض الأعضاء الأصغر سنا التابعين لمجموعات مرتبطة بالقاعدة مثل أنصار الشريعة في ليبيا وتونس. مع ذلك، تستطرد الباحثة مشيرة إلى أن توسع داعش في شمال أفريقيا على المدى البعيد يبقى غير مؤكد بتاتا، فمن أجل التنافس مع تنظيم القاعدة المتجذر أكثر في المنطقة سيكون على تنظيم الدولة الإسلامية أن يعتمد استراتيجية مماثلة. وهذا يعني ليس فقط التحول إلى تنظيم إرهابي تقليدي لديه مقاربة طويلة الأمد بخصوص مشروع بناء “دولة إسلامية”، لكن كذلك دعم التنظيمات الإرهابية المحلية وإقحام نفسه في الخطابات المحلية حتى تكون أقل بروزا. ويجب توقع حدوث خلافات داخلية وسط تفرعات تنظيم الدولة الإسلامية بخصوص التوجه المستقبلي للتنظيم والانشقاقات عنه وتكوين مجموعات مستقلة. ومن ثم هناك إمكانية للمزيد من تشظي المشهد الجهادي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: