الحراك الريفي و التماطل المركزي


‎الكل يعلم أن المطالب المشروعة لساكنة الريف خاصة و المغاربة عامة والمتمثلة في حقهم في الصحة والشغل والتنمية ،   التي تصون كرامتهم هو الجزء الواضح من الحراك الذي يعرفه مغرب الْيَوْمَ .

‎من بين الخصائص المميزة لأبناء منطقة الريف هي الذاكرة الجماعية التي تكتنز صورة سلبية اتجاه  المخزن الذي عمل على قمع أجدادهم منذ الاستقلال… وتهميش أحد رموز المغاربة  وهو  عبد الكريم الخطابي… وتفقير المنطقة ودفع أبناءها الى الهجرة الى الخارج وتعامل الدولة معهم في انتفاضة 1984   بالقمع، وزلزال 2004  بنوع من اللامبالاة وعدم ايفاء الدولة بتعهداتها بتنمية الريف.
‎و أن الخصائص المشتركة مع باقي المغاربة هو اللاعدالة الاجتماعية والفساد المستشري بدواليب الدولة وغياب الديمقراطية وفشل التعليم والصحة…

‎أما هذا الحراك فهو  استنساخ لما جرى بدول عربية كتونس ومصر وتفاعلت معه باعتباره معطى خارجي … ولم تكن وليدة التربة المغربية، كما انها لم تعرف مشاركة الطبقة المتوسطة، واستطاع النظام الالتفاف عليها بسرعة عن طريق رزمة من الاصلاحات منها تعديل دستوري وانتخابات سابقة..  سرعان ما تراجع عنها وتنكر لها. لكن حراك الريف وانخراط مدن أخرى فيه هو وليد التربة المغربية التي نضجت واصبح الفرد واعيا بزيف الاصلاحات والانتخابات وشعارات من قبيل أن المغرب احسن بلد في العالم….
‎و على النظام تدارك ما فات من أجل القيام بإصلاحات جوهرية مستعجلة قبل فوات الأوان، عبر محاربة  الفساد وفصل السلطة عن الثروة و تغيير مراكز الفساد المتمثّلة في الشخصيات البارزة و المحتضنة لكل الحقائب الوزارية و إدماج الشباب في صنع القرار .
‎إنها حالة من السيولة وانفجار في التعبيرات الرافضة لواقع القهر والحيف والظلم المعبر عنه بكل الكلمات في كافة قواميس لغات العالم..
‎إنها حالة من المعاناة لمدة طال أمدها، تكاد تفضي إلى انفجار اجتماعي يؤدي في النهاية إلى تفكيك الدولة والمجتمع معا.
‎إنها معضلة ثلاثية الأبعاد، أعتقد أنها تفسر وتقف وراء واقع الحال الماثل أمامنا والمنذر بالأسوأ.

لكن استمر الحراك وبدون انقطاع لأن أصحابه يدركون ان قضيتهم مشروعة واخدوا مصيرهم بين ايديهم. وبعد سبعة أشهر  من الحراك بدأت مجموعة من الصحف المغربية، بعد غياب طويل، تتحدث عن جهات مشبوهة وراء هدا الحراك وتتهمها بالانفصال. وبعد بضعة أيام يخرج بلاغ صادر عن وزارة الداخلية المغربية عن وزير الداخلية الجديد عبد الوافي لفتيت في نفس الاتجاه يتحدث عن “العناصر والجهات التي يعرفها الجميع”.

الا ان السؤال هو، من هي هده الجهات بالضبط التي تقف وراء حراك الريف؟ لمادا لم يسميها أحد من اجل ضبطها والتصدي لها؟ هل هدا نابع فقط من نظرية المؤامرة الأجنبية التي أصبحت دون جدوى؟ لكن لا باس ان ننظر الى جهات يتحدث عنها الريفيون أنفسهم. جهات يسمونها بأسمائها ويقولون انها هي التي دفعتهم للاحتجاج. فلمادا لم يعر لها أحد الاهتمام؟ لكن لا بأس ان نعيد دكرها:

الجهة الأولى: التهميش والاقصاء الاقتصادي لمنطقة الريف عبر التاريخ.

الجهة الثانية: التهميش والاقصاء الهوياتي.

الجهة الثالثة: الحكرة.،

هذه هي الجهات التي تحرك الحراك داخل و خارج الوطن ، مسيرات و تظاهرات في العديد من البلدان الأوروبية تنادي بالتغيير و بمحاربة الفساد و إبعاد المراكز السلطوية التي تتحكم في إقتصاد البلاد و التي أصبحت مألوفة لدى المغاربة ، حتى بدون تصويت و بسرقة المال العام تجد لها حقائب وزارية .

بعيدا عن كل هذا ، فالحراك له كذلك سلبياته و هذا يتجلى في دعوة للحكومة المغربية للإستجابة لمطالبهم المشروعة ، هذا حق يخوله الدستور لكل مغربي و لكن الطريقة التي يطلب بها تبقى بعيدة كل البعد عن المصداقية .

كيف تطلب من الدولة التغيير و الإدماج و جميع المطالَب الأخرى و انت لا ترضى ان تحمل علمها ؟

كيف تطلب من المغاربة مساندتك و انت تنعتهم بالعياشة و تتعدى عليهم بالضرب حين يرفعون العلم المغربي؟  و هذا موثق في العديد من التظاهرات سواء بالمغرب أو خارجه .و آخرها الإعتداءات على الجالية المغربية ببلجيكا و تهديدها بالقتل عبر شبكات التواصل الإجتماعي .

المطالب تبقى مشروعة في لواء مشروع و بطريقة سليمة تبعد استغلال الحراك في أشياء أخرى يمكن أن تهوي بالبلاد في الهاوية .

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: