حرب مطروح منها إطلاق النار للحصول على مواهب تمثل الوطن في كرة القدم

La rédaction

يجادل العديد من قادة الرأي بأن مباريات كرة القدم الدولية بمثابة “حرب مطروح منها إطلاق النار”، إذ يقدم تاريخ الرياضة مرآة فريدة للكشف عن بعض تعقيدات العلاقة بين الانتماء القومي والمواطنة والهجرة.

قبل أسابيع احتدم الجدل في الإعلام الرياضي الهولندي بعد اختيار سفيان شراوي حمل قميص المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم داخل القاعة، ومغادرته للتجمع الإعدادي الذي كان يشارك فيه رفقة المنتخب الهولندي، استعدادا لنهائيات كأس أوروبا للأمم التي احتضنها أمستردام نهاية شهر يناير، لاسيما أن شراوي كان يعد إحدى الركائز الأساسية في منتخب الطواحين.

وتمكن الاتحاد المغربي لكرة القدم من إقناع حارس مرمى نادي فاينورد الهولندي يوسف بنسلام، وسفيان شراوي لاعب هوفوكيبو الهولندي وزميله بالفريق نفسه إلياس بوزيت بالانضمام إلى المنتخب المغربي.

وخلّف ما أقدم عليه الاتحاد المغربي غضبا كبيرا من جانب مسؤولي الرياضة والإعلام في هولندا، الذين باتوا يرون في الاتحاد المغربي مؤسسة تجني ثمار سنوات من العمل مع اللاعبين وتأطيرهم وصرف مبالغ كبيرة على تكوينهم.

شتات استعماري وعمالي

الكرة الهولندية، التي عانت مما تعتبره “سرقة مواهبها” في كرة القدم من قبل الاتحاد المغربي لكرة القدم، كحكيم زياش نجم تشيلسي ونصير مزراوي لاعب أياكس أمستردام الهولندي، وجدت نفسها مهددة من جديد بفقدان اللاعبين والمواهب، لكن هذه المرة في كرة القدم المصغرة “داخل القاعة”، لاسيما أن هولندا تزخر بالعديد من المواهب ذات الأصول المغربية داخل الأندية والمنتخبات الصغرى.

حنبعل المجبري يعتقد أن انضمامه للمنتخب التونسي مهم وله تأثير على الشبان ويتمنى أن يكون مؤثرا بالنسبة إليهم من أجل تحديد اختياراتهم الصحيحة

وأبدت تخوفها من أن تنطلق موجة جديدة ومن نوع خاص من الهجرة إلى المنتخب المغربي، كما هو الحال عليه في أوساط لاعبي كرة القدم، أمثال زياش ومزراوي وكريم الأحمدي ومنير الحمداوي وغيرهم من لاعبي الجيل الحالي أو الأجيال السابقة، الذين فضلوا المنتخب المغربي، رغم ترعرعهم داخل أندية هولندية، في ظل التحركات الكبيرة التي يقوم بها الاتحاد المغربي لكرة القدم عن طريق وكيله في هولندا.

وفي عام 2019 اتهم المدرب الهولندي رونالد كومان لاعبي كرة القدم الهولنديين المغاربة، بمن فيهم زياش ومزراوي وأسامة إدريسي، بتلقي رشاوى من المغرب لاختيار أسود الأطلس.

وأضاف كومان أنه “إذا حصل اللاعب على مبلغ كبير من قبل المسؤولين المغاربة، فإن نظرائهم الهولنديين لنيتمكنوا من فعل الكثير. يجعل من الصعب إقناعهم باللعب مع فرقنا”.

ودحض زياش هذه المزاعم قائلا إن “الناس يخترعون أكثر الأشياء جنونا”. وقال “لم أتلق أي أموال للعب مع المنتخب المغربي والأمر نفسه ينطبق على مزراوي والإدريسي”.

وقد بدأ الاتحاد المغربي لكرة القدم في التواصل بنشاط مع المغتربين الأوروبيين منذ 2014 في حملة بعنوان “إعادة المواهب إلى الأرض”. ويحمل هؤلاء اللاعبون جنسية بلدهم بالولادة (فرنسا وبلجيكا وهولندا) وبلدهم الأصلي (المغرب). وطُلب منهم اللعب للمنتخب المغربي بدلا من المنتخب الوطني للبلد المضيف. وفي كثير من الأحيان اتصل مدربو البلدان المضيفة للاعبين بنفس الطلب.

وتوضح هذه الأمثلة كيف يتم وضع اللاعبين في مراكز الاضطرار إلى الاختيار بين بلدين، بالإضافة إلى أن المدربين والمسؤولين الآخرين يشاركون بنشاط في جذب المواهب لاختيار جانبهم. وأسفرت الحملة المغربية في نهاية المطاف عن تأهل المغرب لكأس العالم 2018، مع فريق كان فيه 17 من أصل 23 لاعبا من مواليد الخارج. ثمانية من أصل 23 لاعبا ولدوا ونشأوا في فرنسا، وخمسة ولدوا في هولندا، واثنان ولدوا في إسبانيا، واللاعبان الأخيران في الاختيار وُلدا في كندا وبلجيكا. ستة لاعبين فقط ولدوا في المغرب، ثلاثة منهم كانوا مؤهلين للعب لبلد آخر. كان عشرون من أصل 23 لاعبا يحملون جنسية مزدوجة وكان بإمكانهم اللعب لبلد آخر.

ونظرا لقواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، طُلب من كل هؤلاء اللاعبين اختيار دولة واحدة لتمثيلها ولم يُسمح لهم بتبديل ولاءاتهم. وغالبا ما تضمنت هذه الاختيارات قضايا الولاء والالتزام ولكن أيضا فرصا لاختيار المستقبل.

قائد أسطوري

"أسود، أبيض، عربي".. شعار المنتخب الفرنسي
“أسود، أبيض، عربي”.. شعار المنتخب الفرنسي

واختار بعض اللاعبين المغرب على وطنهم الأوروبي. لاعب وسط ساوثهامبتون المولود في باريس سفيان بوفال قارن ذلك بـ”الاختيار بين أمه وأبيه”. في البداية، تردد علانية في الالتزام بالمغرب. وقال في 2015 “المنتخب الفرنسي هو أحد أهدافي”. وقد أدى ذلك إلى الاستياء منه في المغرب. وفي عام 2016 ظهر لأول مرة في فريق أسود الأطلس. ومع ذلك، يقول “لن أنسى ما أعطتني إياه فرنسا. لقد ساعدتني في أن أكون ما أنا عليه، لقد رحبت بوالديّ“. وينتمي اللاعبون المغاربة في فرنسا إلى الشتات الاستعماري، بينما ينتمي اللاعبون المغاربة في هولندا إلى الشتات العمالي.

وفي أدب الشتات، ترتكز أسطورة العودة إلى الوطن على الوعي العرقي القوي للمهاجرين في الخارج، والذي ربما منعهم من الاندماج في المجتمع المحلي وحثهم على الاستمرار في التحدث بلغتهم الأم في المنزل.

ولا يختلف الأمر في تونس مثلا إذ أصبح لاعب المنتخب الوطني حنبعل المجبري “بطلا قوميا”.

ويعتقد حنبعل أن انضمامه للمنتخب التونسي “أفضل اختيار بالنسبة إلى عائلتي وبالنسبة إلي، إنه اختيار مهم سيكون له تأثير على العديد من الشبان.. شيء مميز أن تكون مصدر إلهام وأتمنى أن أكون مؤثرا بالنسبة إليهم من أجل تحديد اختياراتهم في الاتجاه الصحيح”.

وأشار “أعتقد أننا قمنا بالاختيار الصحيح وأنا فخور بذلك.. تونس هي بلدي وبلد والدي ووالدتي.. إنهما يشعران بالسعادة لأنني اخترت تمثيل منتخب تونس، لقد كان ذلك بمثابة الهدية لهما”.

أسطورة العودة إلى الوطن ترتكز على الوعي العرقي القوي للمهاجرين في الخارج، والذي يمنعهم من الاندماج في المجتمع المحلي ويحثهم على الاستمرار في التحدث بلغتهم الأم في المنزل

ويتبرك التونسيون بلقب حنبعل الذي يجسد القائد العسكري الأسطوري لقرطاج، مبدع التكتيكات الحربية الذي ذاع صيته في العصور الوسطى وأصبح مرجعا في الأكاديميات العسكرية المعاصرة. ويظهر اللاعب في كثير من تدوينات المعجبين على مواقع التواصل الاجتماعي في صور مركبة وهو حامل لدرع حنبعل يتقدم كتيبة حربية تقود قطيعا من الفيلة، في إشارة إلى المسيرة الملحمية للقائد العسكري في طريقه إلى روما عبر جبال الألب.

وقال الصحافي والناقد الرياضي التونسي طارق الغديري “حسب رأيي، هناك سببان وراء تعلق التونسيين باللاعب، أولهما تمتعه بكل مقومات التأثير على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أن اسمه ذو رمزية وذلك إلى جانب تسريحة شعره المميزة”.

ويمكن ملاحظة انتشار تسريحة شعر اللاعب، المميزة والشبيهة بتسريحة شعر نجم الكرة الكولومبي السابق كارلوس فالديراما، في صفوف الأطفال في وقت تزداد فيه الآمال الشعبية بميلاد نجم كبير في تونس.

ويذكر أن الجامعة التونسية لكرة القدم استقطبت أيضا مدافع أرسنال الإنجليزي عمر الرقيق ولاعب مانشستر سيباستيان تونكتي لتمثيل المنتخب الوطني التونسي.

ويتطلع عدد من المواهب من المغتربين في أوروبا للسير على خطى المجبري.

وقبل سنوات قليلة تحول حاتم بن عرفة إلى “خائن” في نظر كثيرين في تونس عندما رفض اللعب للمنتخب التونسي.

وشاركت تونس في مونديال 2018، في حين تم استبعاد بن عرفة من نسخ كأس العالم 2010 – 2014 – 2018، وهو ما تسبب له بإحباط كبير أثّر على مسيرته.

المواطنة والأمة والجنسية

الوطن في كرة القدم

يعد المنتخب الفرنسي مثالا واضحا للفريق الآخر الذي استفاد من العلاقات الاستعمارية السابقة. كان المنتخب الفرنسي المشارك في نهائيات كأس العالم لعامي 1998 و2018 من بين الفرق الأكثر تنوعا في كأس العالم.

وأصبحت الهجرة والتنوع والهوية الوطنية قلب النقاش العام والثقافة الشعبية، كما يتضح من الفيلم الوثائقي “الزرق” (Les Blues) الذي أبرز أن شعار “أسود، أبيض، عربي” أصبح شعارا للمنتخب الوطني الفرنسي.

وفي عام 2018 تساءل الممثل الكوميدي الجنوب أفريقي الشهير تريفور نوح عما إذا كان الفريق الفرنسي، الذي كان في ذلك الوقت بطل العالم، كان “حقا” فريقا فرنسيا. لقد دفع بفكرة التماثل في اتجاه آخر. وفي برنامجه الأميركي الشهير “ذا ديلي شو”، هنأ الفريق الأفريقي على فوزه ببطولة العالم، مشجعا “أفريقيا فازت، أفريقيا بطلة العالم”.

وانتقد السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة جيرار أرو بشدة أداءه حينها. وبحسب أرو، فقد حرم نوح المنتخب الفرنسي من الهوية الفرنسية بالإشارة إلى أصلهم الأفريقي. وأكد السفير في رسالته أن الخلفية الغنية والمتنوعة للفريق الفرنسي تعكس تنوع فرنسا، فأجاب نوح “لا أريد أن أكون وقحا، لكن هؤلاء الأشخاص لا يتم اختيارهم عشوائيا. يبدو أنه انعكاس للماضي الاستعماري لفرنسا”.

وتحتوي مصطلحات “المواطنة” و”الأمة” و”الجنسية” على معان مختلفة، وإن كانت متداخلة. ويقدم تاريخ كأس العالم الاتحاد الدولي لكرة القدم أمثلة وحالات ممتازة للكشف عن هذه المعاني في سياقات تاريخية مختلفة. وتم اقتراح ثلاث فئات متداخلة من الحقائق التاريخية لفهم التعقيدات التاريخية للهجرة والمواطنة والهوية الوطنية من منظور رياضي تاريخي. تتناول الفئة الأولى فرق الشتات، باستخدام أمثلة إيطاليا في عام 1934 والمغرب في عام 2018.

وتسلط هذه الفئة الضوء على كيفية استخدام الدول لمفاهيم قانون الدم أو المواطنة العرقية، على أساس النسب، لجذب اللاعبين المولودين في الخارج إلى فرقها. وعادة، يشارك ممثلو الدولة أو الاتحادات الرياضية الوطنية بنشاط.

أصبحت الهجرة والتنوع والهوية الوطنية قلب النقاش العام والثقافة الشعبية، كما يتضح من الفيلم الوثائقي “الزرق”

وتتناول الفئة الثانية فرقا من الدول المتوسعة وحلها، مثل ألمانيا في عام 1938 ويوغوسلافيا في عام 1990. إذ أن الدول ليست كيانات ثابتة ومستقرة؛ قد تتغير الحدود، ويمكن للدول أن تتلاشى. وفي هذه الحالات، يتعين على الاتحادات الرياضية واللاعبين الفرديين اتخاذ قرار بشأن الحقائق الجديدة والتعامل معها.

وتستكشف الفئة الثالثة الحقائق الاستعمارية وما بعد الاستعمار، الذي أوضحته البرتغال في عام 1966 وفرنسا في عام 2018. وتتحدى العلاقة بين الانتماء القومي والمواطنة والهجرة المفاهيم الواضحة للعضوية والانتماء.

وتستفيد قطر، الدولة المضيفة لكأس العالم 2022، من نفس المبدأ. وقد أنشأت “أكاديمية أسباير” المثيرة للجدل، من بين مبادرات أخرى، لجذب لاعبي كرة القدم الأفارقة الشباب. وسيكون هؤلاء اللاعبون، بعد حصولهم على عقد لمدة خمس سنوات، مؤهلين للعب مع قطر. وتأمل قطر في استقطاب لاعبين على غرار دييغو كوستا لاعب المنتخب الإسباني.

وسبق أن وصفت الصحافة كوستا بأنه “أكثر شخص مكروه في العالم” بعدما رفض تمثيل المنتخب البرازيلي واختار تمثيل المنتخب الإسباني، حتى أن الاتحاد البرازيلي لكرة القدم طالب بتجريده من جنسيته البرازيلية. وصرح كوستا “أتمنى أن يتفهم الناس ويحترموا قراري لأنه كان صعبا للغاية. كان من الصعب جدا الاختيار بين البلد الذي ولدت فيه والبلد الذي أعطاك كل شيء”.

وولد المهاجم البرازيلي كوستا في لاغارتو بالبرازيل عام 1988. وأطلق عليه والده اسم لاعب كرة القدم الأرجنتيني دييغو مارادونا رغم التنافس بين البرازيل والأرجنتين. وفي مارس 2013 لعب كوستا مباراتين وديتين مع المنتخب البرازيلي. وفي سبتمبر من نفس العام أعلن أنه يرغب في اللعب مع المنتخب الإسباني. لذلك، قدم الاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم طلبا رسميا إلى فيفا يطلب فيه الإذن باستدعاء كوستا للمنتخب الإسباني.

وليست حالة كوستا فريدة من نوعها بأي حال من الأحوال. وفي دراسة حديثة، بنى فان كامبنهاوت وفان ستيركنبورغ وأونك أبحاثهم على 10137 ملاحظة لبيانات السيرة الذاتية للاعبي كرة القدم، بما في ذلك الدولة التي يمثلونها، وتاريخ ومكان ميلادهم، ومعلومات إضافية عن جنسية الأب والأم، لتحديد ما إذا كان لاعبو كرة القدم مؤهلين للحصول على الجنسية في بلد آخر. وأشارت الدراسة إلى أن النسبة المئوية للاعبين المولودين في الخارج في جميع نهائيات كأس العالم لكرة القدم (للرجال) بين عام 1930 (تاريخ أول بطولة رسمية لفيفا) و2018 بقيت مستقرة نسبيا بين 8 و12 في المئة. وبعبارة أخرى، خلافا للاعتقاد العام في وسائل الإعلام وفي المناقشات الأكاديمية، لم تكن هناك زيادة كبيرة في عدد المولودين في الخارج لاعبين في كأس العالم على مدى العقدين الماضيين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: