من يطعم فقراء المغرب في زمن كورونا ؟

أشك أن جنون النكتة والسخرية في المغرب قد وصل ذروته وبلغ مبلغه وتجاوز كل الخطوط الحمر من سب وشتم وقذف وطعن في الاعراض وكفر بواح بما يؤشر الى أنه وباء ثان بات ينتشر أسرع من وباء كورونا المستجد (كوفيد – 19) ، ولاريب أن الأخير ومع إرتفاع وتيرة الوفيات والإصابات به ومن جراء حظر التجوال الشامل بسببه ،وفرض الحجر الصحي الإجباري على المدن وقطع التواصل بينها من جرائه ،قد فقد ملايين المغاربة مصادر رزقهم وخسروا أعمالهم وبالأخص أولئك الذين يعيشون يومهم ممن يُعرفون بالأجراء اليوميين ،زد عليهم العمال والكسبة والكادحين ما ينذر بعواقب وخيمة في دول العالم الثالث بخلاف دول العالم الصناعياللاهثالذي سارعت حكوماته الى إصدار حزمة من محفزات الاقتصاد وجملة من القرارات المهمة التي تتضمن دفع رواتب شهرية الى العوائل المتضررة وصلت في بعض الدول الى 3 الاف دولار ،الامر الذي دفع بمجمله الناشطين المغاربة  الى المطالبة بدعم الطبقات الفقيرة والمتضررة ماديا ،وإما بالتدخل الفوري وإصدار حزمة قرارات حاسمة تصب في صالح الكادحين والكسبة وذوي الدخل المحدود كإلغاء الفوائد على القروض،ايقاف الضرائب،التوجيه بتخفيض ايجارات المنازل والمحال التجارية، أو بإلزام أصحاب العقارات بالتوقف عن تقاضيها لشهر أو شهرين ، تجهيز الكهرباء عبر المولدات الأهلية مجانا لشهر أو شهرين ، توزيع الإعانات الغذائية الجافة ،و توزيع رواتب شهرية طارئة وماشابه بما يؤمن لهم حاجاتهم الضرورية لحين جلاء الكارثة .

و تشهد منازل و مدن وقرى المملكة وباء ينتظر ربّ العائلة ويفتك أكثر من وباء «كورونا»: إنه وباء الجوع الذي يتفشّى بين الأولاد، و وباء القهر المُنتقل من وجوه الأهل الى أعين الأطفال. «أنا ميّت ميّتخلّوني طَلّع 80 درهم ، ناخد خبز لولادي». هذا ما يقوله كلّ مغربي يرفض الخروج من الأسواق الشعبية. فكيف يُمكن فرض الحجر المنزلي على عائلات لا تملك أدنى مقومات الحياة، بدءاً من «لقمة الأكل»؟ هل إنّ الموت جوعاً مسموح، فيما أنّ الموت بـ»كورونا»ممنوع؟ وهل تكفي قفف كورونا  لتأمين متطلبات الحجْر؟

حتى الآن، لم تسلك خطة الاستجابة لاحتياجات الأسَر الأكثر هشاشة وتأثراً بالأزمة الناتجة من فيروس «كورونا»، طريق التنفيذ. ومنالمُفترض أن تستخدم  موارد الصندوق الخاص بتدبير جائحة “فيروس كورونا” لتغطية النفقات المتعلقة بتأهيل المنظومة الصحية، والنفقات المتعلقة بدعم الاقتصاد الوطني من أجل مواجهة آثار انتشار الجائحة ، والنفقات المتعلقة بالحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعيات لهذا الوباء . هذه المساعدات يجب أن تشمل أكبر عدد من العائلات المحتاجة، لكي تشمل أقلّه كل العائلات المعوزة . وعلى رغم مرور نحو شهر على «الأزمة الكورونية»، لم تُوزّع هذه المساعدات بعد، فيما أنّ الحَجر المنزلي مفروض بالقوة، من دون تأمين مقومات الصمود الأساسية، خصوصاً للذين يَجنون «قوتهم» كلّ يومٍ بيومه، مثل أولئك في الدارالبيضاء  الذين يتعرضون للإنتقاد.

المدينة نفسها، تضمّ مناطق وأحياء غنية، وأنبتت رأسماليين كباراً وأصحاب ثروات طائلة، وسياسيين ووزراء .في حين  فقط أصحاب القدرات المتوسطة هم من يساعدون بما يقدرون عليه، فيما أنّ أصحاب القدرات الكبيرة والثروات التي تغطّي كل المغرب «مخفيّون».

فقد أشار آخر تقرير للأمم المتحدة إلى أن المغرب هو أحد البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعاني أكثر من غيرها من الفقر والقيود ، بعد ان واصلت انحدارها في مختلف التصنيفات والاحصائيات .
وذكر التقرير ، أن 60٪ من المغاربة يعيشون في حالة فقر وتهميش في أتعس حالاته باعتبار ان هذا الجزء من السكان المغاربة ينقسم إلى فئتين: المغاربة الذين يعيشون في فقر مدقع وتحت خط “الصفر” ، وفئة ثانية  وان كانت تعيش في مرحلة من “الفقر المتوسط” .
وكشف التقرير  ان المغرب سجل  أعلى معدل للمواطنين الذين يعيشون على حافة الهشاشة الشديدة  وهو ما تعكسه الأرقام والاحصائيات الصادمة التي  أظهرت أن المغرب هو واحد من أفقر البلدان في أفريقيا ، الى جانب زيمبابوي ومالي والصومال والغابون مما جعل تدحرجه إلى المركز 126 في آخر تصنيف لمؤشر التنمية البشرية في دول العالم متوقعا وغير مفاجئ.

لهذا من غير المستغرب أن يخرج المواطنون  في«زمن كورونا» من منازلهم بحثا عن قوتهم اليومي . كذلك، من غير المستغرب عدم الإلتزام التام بالإغلاق وعدم التجوّل في المناطق والأسواق الشعبية، حيث «يَكدّ» صاحب محل خضار أو سائق تاكسي لتأمين 80 درهمًا في اليوم لإطعام أولاده.

كذلك، هناك منازل كثيرة في المناطق الشعبية في الدار البيضاء  ليست بمنازل، إذ هناك منازل مهددة بالإنهيار، وأخرى متصدعة، وثالثة سقوفهامن «تنك»، ورابعة تخلو من «الحمامات»، حيث المراحيض بدائية وفي الخارج. كذلك النظافة منعدمة تقريباً. ويقول أحد أبناء هذه المناطق الفاعلين في المدينة: «الفقر المُدقع والنظافة خطّان متوازيان لا يلتقيان».

ويُشير  أنّ نسبة الإلتزام بعدم التجوّل في الدار البيضاء تتخطّى الـ 50 في المئة وتشمل كلّ الأسواق النموذجية ، و غالبية الأحياء الشعبية.

فإهمال المدن المغربية  طوال الفترة السابقة لا يمكن أن يُعالج فوراً بهذه اللحظة، لذلك إنّ الوضع فيها الآن صعب ومعقّد ولا يُشبه حالة مناطق أخرى»، مشدداً على أنّ «حجم التدخّل الآن يجب أن يكون على مستوى الدولة».

وتعليقاً على الوضع الراهن في البيضاء ، يقول أحد الناشطين: «من يريد أن يفرض القانون على فقراء كازا  فعليه تأمين بديل لهم عن العمل أو حتى «الشحادة»، وقد يُمكن فرض الحجر لبضعة أيام، لكن مجرّد أن يجوع الأولاد، لن يجلس أحد في المنزل».

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: