مهاجرون أفارقة في المغرب يصرون على العبور إلى أوروبا

الجمعة 2018/10/26
رحلة الموت تبدّد الحلم
يعود أشيل إلى طنجة في شمال المغرب مصرّا على تحقيق حلمه بالعبور نحو إسبانيا بعدما أوقف وأبعد مرتين عن هذه المدينة، يقول “هذا الحلم محفور في روحي، لا أستطيع التراجع ولو أبعدوني عشر مرات”.

كان هذا الشاب الكاميروني (28 سنة) قاب قوسين أو أدنى من ركوب البحر، برفقة زوجته وابنهما البالغ من العمر عامين نحو إسبانيا، عندما ألقي عليهم القبض بينما كانوا يستعدون للإبحار في قارب مطاطي.

أمضوا أربعة أيام في مخفر للشرطة بطنجة، ثم تمّ نقلهم مع مهاجرين آخرين في حافلات نحو مدينة تيزنيت التي تبعد أكثر من 800 كيلومتر جنوبا.

وباشرت السلطات المغربية في الأشهر الأخيرة عمليات إبعاد نحو مدن جنوبية أو ترحيل نحو البلدان الأصلية، شملت الآلاف من المهاجرين من جنوب الصحراء كانوا يقيمون في أحياء شعبية بمدينتي طنجة والناظور في شمال المغرب.

وتهدف هذه العمليات إلى “إبعاد المهاجرين عن قبضة شبكات تهريب البشر الناشطة في شمال المملكة”، كما تؤكد السلطات المغربية، مشيرة في بيانات سابقة إلى أنها أحبطت 54 ألف محاولة للعبور نحو إسبانيا ما بين يناير وأغسطس.

ويعود أشيل إلى طنجة للمرة الثالثة منذ وصوله إلى المغرب سنة 2015 دون أن تفتر عزيمته، يقول، “طنجة مدينتي، لن أغادرها إلا نحو إسبانيا”.

المغرب

ويقف حوله 15 مهاجرا كاميرونيا يتجمّعون في حقل مهجور يؤدي إليه زقاق ضيق بحي بوخالف الشعبي.

ويجلس بعضهم على أطراف سريرين باليين تحت شجرة زيتون، فيما يجلس آخرون على الأرض وعيونهم على مدخل الحقل تحسّبا لأيّ تدخل لقوات الأمن.

ولا تفقده المعاناة روح الدعابة يقول ويلفريد (35 سنة)، “هؤلاء إخوتي، إنهم اليوم أفارقة عاطلون عن العمل وغدا سيصبحون أوروبيين”.

مثل مواطنه أشيل، يعود ويلفريد للمرة الثالثة إلى طنجة بعدما أبعد مرتين “نحو تيزنيت والجزائر”، لكنه كان أحسن حظا في المرة الأخيرة، إذ نقل إلى الدار البيضاء على بعد حوالي 380 كيلومترا فقط جنوب طنجة. ويوضح أن “الذين يدفعون يُلقى بهم في مدن لا تبعد كثيرا عن طنجة”.

وقد أثارت عمليات الإبعاد انتقادات منظمات حقوقية مغربية، ووصفتها “مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع ومواكبة الأجانب” بأنها “غير قانونية”، لأن المشمولين بها “لا يحصلون على أيّ إشعار مكتوب يبرر أسباب ترحيلهم”.

وندّدت هذه المنظمة غير الحكومية بما اعتبرته “ظروفا قاسية وغير إنسانية” للمهاجرين الذين يتم احتجازهم في مخفرين للشرطة بطنجة تمهيدا لترحيلهم.

وفي أغسطس الماضي، لقي مواطنان ماليان، بينهما قاصر لم يتجاوز عمره 16 سنة، حتفهما أثناء ترحيلهم مع مهاجرين آخرين من طنجة في حادث. وأعلنت السلطات المحلية “فتح تحقيق لكشف ملابساته”.

وأكد مدير الهجرة ومراقبة الحدود في وزارة الداخلية المغربية خالد الزروالي في وقت سابق أن “كل عمليات عودة المهاجرين تتم في احترام تام للقانون، وبتنسيق مع المصالح الدبلوماسية لبلدانهم التي تمنحهم وثائق السفر المناسبة”.

ويدرك علي (20 سنة) أنه ليس في منأى عن الترحيل إلى بلاده، بعدما أبعد نحو تيزنيت.

ويقول “الضعفاء فقط هم من يبقون في تيزنيت. أعرف أنني سأصل يوما ما إلى إسبانيا”، مضيفا “هذا الأمل هو الذي يمنحني القوة لأحارب حتى أعبر إلى بلد يحترم حقوق الإنسان”.

هجرة

وطريق العودة نحو طنجة غير معبّدة، خصوصا انطلاقا من الدار البيضاء، إذ تمتنع شركات النقل عن بيع التذاكر “لذوي البشرة السوداء”، كما يدعي بعض المهاجرين، لكنهم لا يعدمون وسيلة للعودة.

يقول ويلفريد إنه استعان بما يسميه “طاكسي مافيا”، حيث دفع 120 درهما (حوالي 10 يورو) لمسافر أقلّه في سيارته الخاصة من الدار البيضاء نحو طنجة.

ويستطرد محمد (18 سنة) “نحن مقتنعون أننا سنعبر يوما، ولذلك نعود إلى طنجة كلما أبعدونا”.

ويشير إلى أن ظروف الحياة في تيزنيت ليست أحسن حالا من ملجئه هنا وسط الأحراش، “نحن هنا على الأقل قريبون من إسبانيا”.

ويعود المهاجرون إلى المواقع التي تعوّدوا على اللجوء إليها استعدادا لليوم الموعود، مثل حي بوخالف في الضاحية الجنوبية لطنجة غير البعيد عن غابة يحتمون بها من الحملات الأمنية.

غداة ليلة ماطرة، يتطلع ويلفريد ورفاقه لوسيلة يحصلون بها على المال اللازم لشراء خيمة تقيهم البلل، في انتظار تحقيق أحلام “الحياة الجديدة” التي يودّون عيشها في أوروبا.

وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، وصل أكثر من 43 ألف مهاجر إلى إسبانيا منذ بداية السنة، منهم أكثر من 38 ألفا عبر طريق البحر، لقي 362 حتفهم غرقا أو اعتبروا مفقودين، ويقول ويلفريد “يغمرنا القلق كلما سمعنا أنباء غرق مهاجرين، لكننا لا نملك خيارا آخر. لا نستطيع العودة للوراء”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: