قانون تجريم العنف ضد النساء يثير جدلا في المغرب

صادق البرلمان المغربي مؤخرا على قانون يجرم العنف ضد النساء، هو الأول من نوعه منذ تأسيس البرلمان، وشمل القانون تصرفات مثل الإكراه على الزواج والتحرش الجنسي والتهرب من دفع النفقات ومتطلبات الأسرة الأساسية.

بعد 15 عاما من الانتظار أقر البرلمان المغربي في 14 فبراير الجاري قانونا لمكافحة العنف ضد النساء، حيث صادق أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)في جلسة عمومية لصالح مشروع القانون.

وقالت وزيرة الأسرة والتضامن المغربية بسيمة الحقاوي في كلمة لها خلال جلسة التصويت على مشروع القانون، إن إقرار هذا القانون هو “إحدى اللحظات البارزة في مسلسل بناء دولة الحق والقانون، ولحظة فاصلة في تاريخ تعاطي المؤسسات المغربية مع قضية مكافحة العنف ضد النساء، وحقوق المرأة بصفة عامة”.

وشددت الحقاوي على أن “المدخل القانوني لمحاربة ظاهرة العنف ضد النساء غير كاف”، داعية إلى اعتماد خطة شاملة يشارك فيها كل الفاعلين من أجل محاربة العنف ضد النساء.

وأضافت أن القانون له “قصة بدأت منذ حوالي 15 سنة، حيث جاءت الفكرة ولم تجد السياق والمناخ المناسب لاستنباتها والدفع بها، إلى أن نضجت الشروط والتقت الإرادات (…) حول طموح إخراج هذا القانون تعزيزا للديمقراطية وتحقيقا للإنصاف وقيم العدل”.

وينص القانون على تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا يلحق ضررا بالمرأة كالإكراه على الزواج، والتحايل على مقتضيات الأسرة المتعلقة بالنفقة والسكن.. كما تم التوسع في صور التحرش الجنسي التي يعاقب عليها القانون، وتشديد العقوبات في هذا الإطار.

ويرى كثيرون أن العنف بلغ معدلات مقلقة. وقالت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للمرأة في المغرب ليلى رحيوي في نوفمبر الماضي إن حوالي ستة ملايين امرأة وفتاة مغربية تعرضن للعنف خلال عام 2017، بما يمثل 62 بالمئة من المغربيات، وإن أكثر من نصف المعنفات متزوجات، ويبلغ عددهن 3.7 مليون.

ويعتبر البعض أن هذا القانون لن يغير شيئا “إذا لم تتغير العقليات بالمجتمع”، لأن الأمر مرتبط بثقافة معينة، في حين يرى آخرون أن هذا القانون كفيل بوضع حد للعنف الذي تتعرض له المرأة، وسيساهم على الأقل في تخفيض عدد حالات العنف المسجل ضدها.

وحذّر نشطاء حقوقيون، في تدوينات لهم بمنصات التواصل الاجتماعية، كل من يُقدم على تعنيف النساء من العقوبات التي من الممكن أن يتعرض لها وفق القانون الجديد.

وينص القانون على عقوبات بالسجن تصل إلى 20 سنة خصوصا إذا تعلق الأمر بالاختطاف أو الاحتجاز من طرف أحد الزوجين أو الطليق أو الخاطب، أو أحد الأصول أو الفروع أو أحد الأخوة أو الكافل أو شخص له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايته. ومن بين العقوبات أيضا، وفق القانون، غرامات مالية من 12 ألف درهم  إلى 60 ألف درهم  بسبب السب المرتكب ضد امرأة بسبب جنسها، كما أن التحرش تتراوح عقوبته ما بين شهر واحد إلى ستة أشهر فضلا عن غرامات.

وجاء قانون مكافحة العنف ضد النساء في أعقاب إقرار الحكومة نهاية ديسمبر الماضي لـ”خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان”. وجعلت هذه الخطة من المساواة و”المناصفة” بين الرجال والنساء وتكافؤ الفرص أحد محاورها الرئيسية، إضافة إلى مكافحة كل أشكال التمييز ضد النساء. وقال رئيس الحكومة سعدالدين العثماني “بقدر ما نحن واعون بقيمة وأهمية ما تحقق من إنجازات ومكتسبات في مجالي حقوق الإنسان والديمقراطية ببلادنا، فإننا ندرك أن هناك نقائص وخصاصات ينبغي العمل على معالجتها بجرأة وشجاعة”.

وكان العثماني القيادي بحزب العدالة والتنمية ، دعا في دجنبر الماضي إلى “مراجعة النصوص والمفاهيم الدينية المعيقة لتطور المرأة”.

وشدد على أن المغرب “لا يستنسخ تجارب الآخرين”، وأنه “مجتمع له هوية وثوابت، لكن هذه الهوية لا يمكن أن تكون ضد حقوق المرأة”. وختم العثماني، الذي من بين مؤلفاته كتاب بعنوان “قضية المرأة ونفسية الاستبداد”، حديثه بأن “تطور المرأة يأتي تماشيا مع تطور المجتمع”.

لكن على الجانب الآخر لم يتم استقبال القانون بحفاوة، حتى من بعض الحلفاء داخل الائتلاف الحكومي بقيادة حزب العدالة والتنمية. واعتبرت عائشة الخماس رئيسة منظمة “اتحاد العمل النسائي” ، القيادية بحزب الاتحاد الاشتراكي المشارك في الحكومة، أن هذا القانون “ليس له من مكافحة العنف ضد النساء إلا الاسم”.

وأضافت عائشة في حديث أن القانون “يتحدث عن الزوج والزوجة والأصول والفروع والأطفال، وليس خاصا بالعنف الموجه للمرأة بصفتها امرأة”.

وتابعت أن “القانون، وإن نص على جرائم جديدة وعقوباتها كالتحرش الجنسي في الفضاءات العمومية، إلا أن هذه المستجدات غير كافية لمكافحة العنف ضد النساء.. هذا القانون ليس سوى تعديلات لبعض فصول القانون الجنائي”. كما انتقدت “عدم تنصيص القانون على جريمة الاغتصاب، التي بقيت منصوصا عليها في القانون الجنائي فقط”.

وشددت على أن “الحركة النسائية المغربية لا تزال تناضل من أجل قانون شامل لمكافحة العنف ضد النساء، فالعنف أصبح ظاهرة خطيرة، وستزداد خطورة مع الأزمات المركبة التي يعيشها المجتمع المغربي”.

وأفادت عائشة بوجود مطالب نسائية ملحة، أبرزها تعديل “مدونة  الأسرة”، الصادر في 2004. وأضافت أنه “بعد 14 عاما من تطبيق هذا القانون اتضحت عدم كفايته، كما ظهر وجود تراجعات في الممارسات القضائية المتعلقة به، بل وسن تشريعات تتراجع عما تنص عليه المدونة، والاستمرار في تزويج القاصرات دون 18 عاما”. وشددت على ضرورة أن “تكون مدونة الأسرة ملائمة لدستور 2011 والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي تضمن المساواة الفعلية بين الرجال والنساء”. وختمت بأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة “يجب أن تحظى بالأهمية القصوى، فوضع المغربيات فظيع جدا”.

ومن جانبه قال إلياس بوزغاية، الباحث في مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية ، إن الإنجازات والمكتسبات التي تحققت للمرأة المغربية “لا يمكن إنكارها، فهناك مكتسبات كثيرة حققتها الحركة النسائية منذ عقود”. لكنه شدد في المقابل على أن “هذه المكتسبات، التي انعكست على المجال التشريعي والقانوني، لم يجد الكثير منها طريقه إلى التحقق في الواقع”.

وأشار إلى أن أمية النساء في المغرب تضاعفت مقارنة بالرجال، حيث تسجل، حسب الإحصاءات الرسمية، 41 بالمئة عند النساء، مقابل 21 بالمئة عند الرجال، معتبرا أن هذا الأمر يمثل عائقا كبيرا.

وأضاف بوزغاية أن مستوى وعي النساء بحقوقهن ضعيف، وفق بحوث ميدانية أجرتها وزارة الأسرة، إضافة إلى “ضعف حصول المغربيات على الخدمات الاجتماعية، فلا يزال هناك ظلم كبير على المرأة في هذا المجال”.وتابع أن المغرب لا يزال “يشهد صعوبات في التمكين الاقتصادي والسياسي للمرأة، وولوجها إلى المجال العام، رغم الإجراءات القانونية التي اعتمدها في هذا الإطار”.

وختم الباحث المغربي بالتشديد على أن الرغبة السياسية في النهوض بالمرأة وتمكينها من حقوقها “يجب أن تكون لها انعكاسات في الواقع، وهو ما يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: