ماذا يقول العلم في أضرار وسائل التواصل الاجتماعي؟

ويقول الباحثون إن الأمر يتوقف على عدد مرات استخدام تلك المواقع في اليوم الواحد، وعدد الساعات التي تقضى في تصفحها. لكنهم لم يوضحوا ما إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تتسبب بشكل مباشر في اضطرابات النوم، أو ما إذا كان الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم يقضون وقتا أطول على مواقع التواصل الاجتماعي.

إدمان مواقع التواصل

بالرغم من الطرح الذي يقدمه بعض الباحثين، والذي يتلخص في أنه قد يكون من الصعب مقاومة كتابة التغريدات مقارنة بمقاومة السجائر والكحوليات، فإن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي لم يُسجل في أحدث دليل طبي تشخيصي لاضطرابات الصحة العقلية.

فمواقع التواصل الاجتماعي تتغير بوتيرة أسرع مما يمكن للعلماء مواكبتها، وبالتالي، هناك مجموعات متعددة تحاول دراسة ما يعرف بالسلوكيات المرتبطة باستخدامها، فعلى سبيل المثال، ابتكر علماء من هولندا مقياسا للتعرف على أي إدمان محتمل لتلك المنصات.

لكن إذا كان هناك أي إدمان لمواقع التواصل الاجتماعي، فإنه يمكن أن يكون نوعا من إدمان الإنترنت نفسه، وهو اضطراب مصنف طبيا في الوقت الحالي. ففي عام 2011، حلل باحثان من جامعة نوتنغهام ترينت بالمملكة المتحدة 43 دراسة سابقة حول هذا الموضوع، وخلصوا إلى أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يعد مشكلة صحية عقلية “قد” تتطلب علاجا.

وتوصل الباحثان إلى أن الاستخدام المفرط له صلة بمشكلات في العلاقات مع الناس، وتراجع التحصيل الدراسي، وقلة الانخراط في مجموعات وأنشطة بعيدا عن الإنترنت.

الاعتداد بالنفس

تستخدم مجلات المرأة صورا لعارضات أزياء من ذوات الوزن المثالي، وأخريات عُدلت صورهن باستخدام برامج الفوتوشوب لتبدو أكثر جمالا، لكن مثل هذه الصور تؤثر سلبيا على الاعتداد بالنفس والثقة في الذات بين النساء الشابات.

والآن، باتت وسائل التواصل الاجتماعي أيضا مصدرا رئيسيا للقلق بسبب ما تحدثه من تأثير مماثل.

إذ تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في جعل أكثر من نصف مستخدميها غير راضين عن أشكالهم، وفقا لاستطلاع شمل 1,500 مستخدم أجرته مؤسسة “سكوب” للأعمال الخيرية لخدمة المعاقين. إذ يقول نصف هؤلاء ممن تبلغ أعمارهم بين 18-34 عاما، إن هذه المواقع تجعلهم يشعرون بأنهم لا يتمتعون بأي جاذبية.

وفي دراسة أجراها باحثون بجامعة “بن ستيت” الأمريكية عام 2016، توصل فريق البحث إلى أن رؤية صور السيلفي لأشخاص آخرين يقلل من الاعتداد بالنفس لدى المستخدمين، لأنهم يقارنون أنفسهم بمثل هذه الصور التي تظهر مدى سعادة أصحابها.

كما توصلت دراسة أجرتها ثلاث جامعات في الولايات المتحدة، وهي جامعة ستراثكلايد، وأوهايو، وإيوا، إلى أن النساء يقارن أنفسهن بشكل سلبي بصور السيلفي التي يشاهدنها لنساء آخريات.

العلاقات الاجتماعية

ربما تكون قد ممرت بموقف كنت تتحدث فيه إلى أحد أصدقائك بينما أخرج هو هاتفه ليتصفح بعض الصور على موقع انستغرام، لتعرف جيدا مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على العلاقات بين الناس.

فإن مجرد وجود الهاتف يمكن أن يؤثر على علاقاتنا بالآخرين، وخاصة عندما نكون نتحدث معهم في أمور ذات أهمية، وذلك وفقا لدراسة صغيرة نشرت مؤخرا.

كما أن العلاقات العاطفية ليست بعيدة عن ذلك أيضا، فقد أجرى باحثون كنديون دراسة في عام 2009 من خلال استطلاع آراء 300 شخص تتراوح أعمارهم بين 17 و24 عاما، حول الغيرة على موقع فيسبوك، ووجهت إليهم أسئلة من قبيل “هل من المحتمل أن تشعر بالغيرة إذا أضاف شريك حياتك شخصا جديدا لا تعرفه من الجنس الآخر إلى حسابه على فيسبوك؟”

توصل الباحثون إلى أن المرأة تقضي وقتا أطول من الرجل على موقع فيسبوك، وأنها تَخبر مشاعر الغيرة أكثر من الرجل بشكل كبير عندما تفعل ذلك. وخلص الباحثون إلى أنهم يعتقدون أن بيئة فيسبوك خلقت لدى النساء مثل هذه المشاعر، وعززت لديهن مخاوف بشأن مدى قوة علاقاتهن بشركائهن.

الحسد

في دراسة كانت تضم 600 شخص بالغ، قال ثلثهم تقريبا إن وسائل التواصل الاجتماعي تشكل لديهم مشاعر سلبية، وخاصة اليأس، وإن السبب الرئيسي وراء ذلك كان الحسد. وكان ذلك يظهر من خلال مقارنة حياتهم بحياة آخرين، وأن المتسبب الأكبر في ذلك كانت صور السليفي التي يلتقطها الآخرون أثناء الرحلات.

إضافة إلى ذلك، سببت مشاعر الحسد تلك “دوامة من الحسد”، إذ كان رد فعل الناس تجاه هذا الشعور بالحسد هو إضافة مزيد من الصور إلى ملفاتهم الشخصية على الإنترنت، وهي صور من نفس نوع المحتوى الذي جعلهم يشعرون بالحسد في البداية.

لكن في المقابل، ليس الحسد بالضرورة شعورا مدمرا، فمن الممكن أن يدفعنا الحسد “الحميد” إلى أن نعمل بجد أكثر، وفقا لباحثين بجامعة ميشيغان، وجامعة ويسكونسن-ميلواكي بالولايات المتحدة.

فقد طلب الباحثون من 308 من الطلاب أن ينظروا إلى صور “تثير مشاعر الحسد”، وإلى نصوص على موقع فيسبوك وتويتر، تتضمن موضوعات عن شراء منتجات باهظة الثمن، والسفر، والإعلان عن خبر للخطبة أو الزواج، لكن ما توصل إليه الباحثون في هذه التجربة هو نوع من “الحسد الحميد”، الذي يقول عنه الباحثون إنه من المرجح أن يدفع الشخص ليكون أكثر اجتهادا في حياته.

العزلة والوحدة

وتوصلت دراسة نشرت في المجلة الأمريكية للطب الوقائي العام الماضي، والتي استطلعت آراء 7,000 شخص ممن تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عاما، إلى أن الأشخاص الذين يقضون وقتا أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، يصبحون أكثر عرضة مرتين للشكوى من العزلة الاجتماعية، والتي يمكن أن تتضمن نقصا في الشعور بالانتماء الاجتماعي، وتراجعا في التواصل مع الآخرين، وفي الانخراط في علاقات اجتماعية أخرى.

ويمكن لقضاء مزيد من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يقول الباحثون، أن يؤدي إلى أن يصبح التواصل عبر الأجهزة الإلكترونية بديلا للتواصل وجها لوجه مع الآخرين، ويمكن أيضا أن يجعل الناس يشعرون بأنهم أكثر عزلة.

هل من خلاصة؟

من الواضح أنه في العديد من المجالات، ليس هناك ما يكفي من معلومات للوصول إلى نتائج نهائية وحاسمة في هذا الشأن، لكن الأدلة تشير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر على الناس بأشكال مختلفة، وفقا لظروفهم المسبقة، وسمات الشخصية لديهم.

وكما هو الحال مع بقية مغريات العصر الحديث، فإن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي غير مفضل، ولا يُنصح به. لكن في الوقت نفسه سيكون من الخطأ القول إن وسائل التواصل الاجتماعي سيئة بشكل عام، لأنه من الواضح أنها قد تحقق فوائد لا تُحصى في حياتنا.

 

Jessica Brown

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: