الجزائر تحظر استيراد 900 سلعة كعلاج أخير

كشفت وثيقة رسمية مسربة أن الأزمة الاقتصادية الجزائرية أجبرت الحكومة على منع استيراد ما يصل إلى 900 سلعة تعتبرها غير ضرورية، في محاولة للتأقلم مع تراجع عوائد صادرات الطاقة وإبطاء وتيرة تبخر احتياطاتها المالية من خلال ردم الفجوة الكبيرة في العجز التجاري.

أظهرت وثيقة رسمية أن الجزائر بدأت تطبيق قرار يحظر استيراد حزمة واسعة من السلع والبضائع لتقليص حجم الواردات، دون إعلان رسمي عن القرار بعد سلسلة طويلة من محاولات تخفيف أزماتها المالية والتي لم تحقق نجاحات تذكر منذ تراجع أسعار النفط في منتصف عام 2014.

ويقول خبراء إن اعتماد الجزائر بشكل كبير على الاستيراد من الخارج، كان سببا رئيسيا في انخفاض احتياطات النقد الأجنبي بنحو 96 مليار دولار منذ بداية الأزمة النفطية منتصف 2014.

وأظهرت وثيقة رسمية، وفق وكالة رويترز، أن الجزائر حظرت مؤقتا استيراد نحو 900 سلعة تصنف بأنها غير ضرورية سعيا لخفض قيمة فاتورة الواردات المتضخمة في ظل تراجع إيرادات الطاقة.

وذكرت الوثيقة أن القائمة تضم الهواتف المحمولة وبعض فئات الأجهزة المنزلية والأثاث والخضروات واللحوم والأجبان والفواكه والشوكولاتة والمعجنات والمعكرونة والعصائر والمياه المعبأة ومواد البناء.

ويمتد الحظر الذي بدأ سريانه الأحد الماضي ليضم آلات الحصاد والجرارات الزراعية وحنفيات المياه والكابلات والكراسي والأثاث والمصابيح وبعض الهواتف الجوالة.

ولخفض فاتورة الواردات رفعت الحكومة الضرائب والرسوم الجمركية بنحو 30 بالمئة على بعض هذه المنتجات اعتبارا من الأول من يناير الجاري، في إطار إجراءات تهدف لإتاحة مصادر تمويل للاقتصاد وإصلاح نظام الدعم الذي يغطي كل السلع تقريبا.

ويأتي قرار الجزائر تزامنا مع خطط بدأت في تنفيذها تونس والمغرب مع مطلع العام الجديد لكبح انفلات الواردات وخاصة البضائع القادمة من تركيا لتقليص الفجوة الكبيرة في العجز التجاري.

وتحاول الجزائر، عضو منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، خفض الإنفاق بعد أن أجبرتها أزمة تراجع أسعار الخام على اللهث وراء الحلول الممكنة للخروج من هذه الوضعية.

وتعتمد موازنة الجزائر منذ سنوات على النفط والغاز بأكثر من 60 بالمئة، ولكن إيرادات القطاع تراجعت للنصف منذ انهيار أسعار الخام، ما أثر على معظم القطاعات الاقتصادية.

وجاء في الوثيقة التي أعدتها وزارة التجارة الجزائرية  وأكد مسؤول صحتها أن وقف استيراد هذه السلع سيكون لفترة محددة وسيرفع تدريجيا مع الحفاظ على الضرائب والرسوم الأخرى أو زيادتها أو دون ذلك.

وذكر بيان للوزارة، نشر على موقعها الإلكتروني، أنه “في إطار إجراءات تأطير الاستيراد وعملا بما تضمنه قانون الموازنة العامة، تم التعليق المؤقت للاستيراد يتضمن 45 عائلة (فئة) من المنتجات الموجهة للاستهلاك”.

وأشار البيان إلى أن تعليق استيراد السلع والبضائع سيكون مؤقتا وستتم مراجعته تدريجيا دون المساس بالضرائب والرسوم الأخرى المطبقة على استيراد أو تسويق هذه المنتجات.

وسبق لوزير التجارة الجزائري محمد بن مرادي، أن أكد في دجنبر الماضي بأن الحكومة ستمنع نحو 900 منتج من الاستيراد في العام 2018، وخاصة السلع الكمالية والتي تنتج محليا بهدف حماية الصناعة المحلية.

ووصف ممولون وتجار القواعد بأنها بالغة التعقيد وستقود إلى مشاكل في الإمدادات فضلا عن ارتفاع أسعار بعض السلع.

ويحل الحظر محل نظام تصاريح الاستيراد الذي طبقته الحكومة قبل عامين والذي أثبت أنه غير ناجع. وقال مسؤول كبير بوزارة التجارة لرويترز إن “نظام التصاريح الذي يقضي بتقديم المستوردين طلبات للحصول على تراخيص شراء من الخارج، اتضح قصوره”.

وأعلن وزير التجارة محمد بن مرادي في وقت سابق انتهاء نظام رخص الاستيراد “كونه أثبت فشله بسبب البيروقراطية وعدم الشفافية”.

ويرى الخبير فرحات آيت علي أن حظر استيراد المئات من المواد الاستهلاكية هو وجه آخر لنظام الرخص الذي أقرته الحكومة منذ ثلاث سنوات، ففي النهاية الخزينة العامة والمستهلك هما المتضرران وما تم التضييق عليه بالرخص يعاد التضييق عليه بالحظر المباشر.

وقال آيت علي إن “السياسة الارتجالية للحكومات المتعاقبة هي التي حرمت الخزينة العامة للجزائر من ثلث مداخيلها التي كانت تتأتى في صورة حقوق جمركية وضريبة على القيمة المضافة، وأن نشاط الموانئ كان إحدى الآليات التي تدر مداخيل على الخزينة المتعثرة”.

وأوضح أن سياسة الرخص أثبتت فشلها ونزيف العملة الصعبة لم يراوح مكانه بسبب تضخيم الفواتير والقرار الأخير لن يجدي نفعا، ففضلا على ضرره على المستهلك، فإنه سيغذي التجارة الموازية والتهريب.

وكانت الحكومة الجزائرية قد أصدرت قرارا في السادس من دجنبر 2015، حدد شروط وكيفيات تطبيق أنظمة رخص الاستيراد أو التصدير للمنتجات والبضائع المعنية بهذا الإجراء.

وتراجعت قيمة واردات الجزائر بنحو 2.1 بالمئة فقط حيث تقدر فاتورة استيراد تلك السلع بنحو 1.5 مليار دولار، في الأشهر الأحد عشرة الأولى من العام الماضي مقارنة بها قبل عام إلى نحو 42.8 مليار دولار، بحسب بيانات رسمية.

وبمقتضى الحظر الجديد، تأمل الحكومة أن تنزل الواردات إلى نحو 30 مليار دولار العام الجاري مقارنة مع 45 مليارا في تقديرات العام الماضي ونحو 46.7 مليار في العام السابق.

وطرقت الجزائر مؤخرا باب المناقصات الوطنية والدولية لاستيراد حاجتها من الخارج، في محاولة للحد من نزيف النقد الأجنبي مع استمرار الأزمة.

ويقول الخبير الاقتصادي والمدير السابق لرقابة وقمع الغش بوزارة التجارة، عبدالحميد إن اللجوء لنظام المناقصة لاستيراد بعض المنتجات من الخارج هدفه كبح نزيف النقد الأجنبي ومحاربة تضخم الفواتير.

ويمثل النفط والغاز نحو 95 بالمئة من صادرات الجزائر وتكافح الحكومة من أجل تعزيز القطاع غير النفطي، الذي لم يكن ضمن دائرة اهتماماتها خلال فترة الطفرة النفطية وأسعار الخام المرتفعة.

ورغم تعافي أسعار النفط في الآونة الأخيرة بفضل اتفاق بين منتجي أوبك وخارجها لبلوغ التوازن في السوق، فإنها تظل أقل من 70 دولارا للبرميل.

ويقول مسؤولون جزائريون إن السعر ينبغي أن يصعد فوق 70 دولارا لتحقيق انضباط في الموازنة.

وفقدت الدولة النفطية أكثر من نصف مداخيلها من النقد الأجنبي التي هوت نزولا من 190 مليار دولار في 2014 لتصل إلى نحو 97 مليار دولار، وفق بيانات بنك الجزائر المركزي وتصريحات المسؤولين الحكوميين.

وكان وزير المالية الجزائري  عبدالرحمن راوية توقع الشهر الماضي تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى نحو 85 مليار دولار.

ويقول محللون إن تمسك الجزائر بالسياسيات الاقتصادية الترقيعية وعدم وضع استراتيجية محكمة للخروج من الأزمة لن يعالج المشكلة من جذورها، وبالتالي فإن التداعيات السلبية ستتفاقم في المستقبل.

وقررت الحكومة الجزائرية  أواخر العام الماضي منح الصفقات الحكومية لصالح الشركات المحلية فقط كأحد الإجراءات العاجلة من أجل الحفاظ على الأموال بالعملات الأجنبية.

وأكد رئيس الوزراء الجزائري  أحمد أويحيى خلال اجتماع وزاري الشهر الماضي أن الحكومة ستستمر في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والضرورية “لمواجهة الأزمة المالية” التي تعيشها البلاد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: