ماكرون يدشن نقاشا حول جاهزية الاتحاد الأوروبي لمواجهة تداعيات كورونا

الأخطار الناجمة عن تداعيات كورونا على وحدة الاتحاد الأوروبي لا تزال موضع جدال حيث أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أن التكتل يعيش « لحظة حاسمة » في إشارة إلى أن  الغاضبين على مؤسسات التكتل سيكونون في طليعة المستفيدين من « أخطائه » خلال الأزمة الصحية.

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريحات صحافية أن الاتحاد الأوروبي يعيش « لحظة حاسمة » في إشارة إلى إمكانية أن يواجه التكتل شقوقا جديدة في مرحلة ما بعد أزمة كورونا العاصفة.

وقال ماكرون في تصريح لصحيفة “فاينانشل تايمز”، “نحن في لحظة حاسمة لمعرفة إن كان الاتحاد الأوروبي مشروعا سياسيا أم مشروع سوق فقط. شخصيا، أعتقد أنه مشروع سياسي”.

وأضاف الرئيس الفرنسي في ما يبدو استهدافا لألمانيا وهولندا اللتين أظهرتا ترددا حول تشارك دين دول التكتّل “إن كان (التكتل الأوروبي) مشروعا سياسيا، فالعامل الإنساني هو الأولوية وتوجد مفاهيم تضامن تدخل في الحسبان… الاقتصاد يأتي بعد ذلك”.

واعتبر أن عدم التضامن يصبّ في مصلحة وصول الشعبويين إلى السلطة، “هذا واضح، لأنهم يقولون: ما هذه المغامرة (الأوروبية) التي تقترحونها؟ هؤلاء لا يحمونك عندما تمر بأزمة، ولن يحموك غدا، لا يتضامنون معك على الإطلاق”.

وهذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها ماكرون غياب التضامن الأوروبي الذي قد تستثمر فيه الحركات الشعبوية لتحقيق اختراق في دوائر الحكم في دولها، لاسيما في إيطاليا التي تضررت كثيرا من جائحة كورونا وأظهر مسؤولوها امتعاضا كبيرا من “الخذلان” الذي تعرضت له بلادهم من قبل مؤسسات التكتل الأوروبي، لاسيما وأن روما تعاني من أزمة اقتصادية خانقة.

ويشير مراقبون إلى إمكانية صعود زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف في إيطاليا ماتيو سالفيني، الذي يقود أصلا شقا غاضبا على مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بعد هذه الأزمة التي عرت مبدأ التضامن الأوروبي.

وحاولت العديد من الأطراف منذ اجتياح الوباء للقارة العجوز لفت انتباه القادة الأوروبيين للحيلولة دون حدوث انقسامات قد تصب في نهاية المطاف في مصلحة الشعبويين الذين لطالما شككوا في دور مؤسسات التكتل.

وقال ماكرون في شرح نظرته حول الشعبويين  “عندما يصل مهاجرون إلى بلدك، يقترحون عليك أن تبقيهم لديك. عندما تصل جائحة إلى بلدك، يقترحون عليك إدارتها… إنهم يدعمون أوروبا عندما يتعلق الأمر بتصدير منتجاتهم إلى (بلدك)، إنهم مع أوروبا عندما يتعلق الأمر باليد العاملة منخفضة التكلفة في بلدك وإنتاج معدات السيارات التي توقفوا عن تصنيعها في بلدهم، لكن ليسوا مع أوروبا عندما يجب التشارك”.

وترعى الدول الأوروبية قطاع الصحة، وبالرغم من أن المؤسسين للتكتل لم يرسموا استراتيجيات مشتركة لهذا القطاع الحيوي يتم اعتمادها في جميع دوله إلا أن الاتحاد يشدد على ضرورة التنسيق والعمل المشترك خلال الأزمات الصحية.

مساعدات صينية تحرج الاتحاد الأوروبي

ومع اقتراب رفع القيود التي فرضتها دول التكتل في محاولتها للحد من تفشي الوباء يطرح مراقبون تساؤلات عما أعده الاتحاد وقادته من أجل منع تفككه بعد هذه الأزمة، خاصة وأن خصومهم يجهزون أنفسهم لفرض الأمر الواقع.

وعلى سبيل المثال وجه رئيس الوزراء النمساوي سيباستيان كورتز سهام نقده لتعامل الاتحاد مع أزمة كوفيد – 19 بالقول إن “مبدأ التضامن والتكاتف لا يعمل في أوروبا في ظل هذا الوضع الخطير”، مؤكدا أن “هذا الوضع سيؤدي إلى حالة من الجدال في المستقبل”.

وجاءت انتقادات النمسا عقب إخفاق قادة الاتحاد الأوروبي في إقرار مقترح يهدف إلى تزويد دوله بمستلزمات طبية ومعدات وغيرها.

وفتح هذا الفشل الباب على مصراعيه أمام الصين وروسيا معا لتعبرا عن تضامنهما مع بعض الدول الأوروبية “الصديقة” على غرار إيطاليا من خلال إيصال مساعدات بهدف الإسهام في كبح جماح الوباء. ويرى مراقبون أن هذه المساعدات تحرج الاتحاد وحلفاءه حيث تسعى الصين كما روسيا إلى ترسيخ نفوذهما، في ظل انشغال مؤسسات التكتل الأوروبي بصراعات حالت دون مد يد العون لدوله، وبذلك حاد الاتحاد عن أحد أبرز مبادئه وهو التضامن الأوروبي.

وبالرغم من إقراره حزمة إنقاذ مالية لمواجهة كورونا في التاسع من أبريل إلا أن ذلك لم يغير شيئا وفقا لمراقبين، فمشاعر معاداة الاتحاد ومؤسساته في تصاعد بعد هذه الأزمة.

وبالرغم من تطمينات بعض الأطراف بشأن غياب النزعة الانفصالية عن الاتحاد بعد الأزمة فإن إمكانية سطوع نجم الشعبويين في أوروبا مجددا تبقى مطروحة وبشدة.

وفي هذا الصدد نفى وزير الشؤون الأوروبية بالحكومة الإيطالية فينتشينسو أميندولا أن يكون لدى بلاده سيناريو للخروج من الاتحاد الأوروبي.

وقال الوزير الإيطالي إن مؤسسات الاتحاد الأوروبي تواجه أكبر تحد لها منذ نشأة الاتحاد، داعيا التكتل الأوروبي إلى حماية مواطنيه ودعم قوته الاقتصادية.

ومن جهة أخرى يبدو الرئيس الفرنسي مصرا على فتح نقاش آخر يتعلق بمدى إظهار القيادات الأوروبية احتراما للحريات خلال فترة مكافحة وباء كورونا.

وقال ماكرون “لا يعني وجود أزمة صحيّة أن علينا التخلي عن هويتنا الحقيقية”، وتبدو هذه إشارة إلى رئيس الحكومة المجري فيكتور أوربان الذي منح نفسه صلاحيات واسعة في بلده بحجة مكافحة كوفيد – 19.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.