صحراويون من أجل السلام: طريق ثالث يبني بديلا واقعيا لقضية الصحراء المغربية

بوشعيب البازي

احتكار جبهة بوليساريو لقضية الصحراء المغربية فرض مقاربة راديكالية جامدة لحل الصراع، ما أدى إلى انشقاقات صلب الحركة الانفصالية وظهور تيار جديد يدفع باتجاه الحوار مع المغرب على قاعدة مقترحه للحكم الذاتي.

دفع فشل حركة بوليساريو على مدى ثلاثة عقود في حل قضية الصحراء المغربية إلى بروز تيار جديد من رحمها يحمل اسم “صحراويون من أجل السلام” يحمل آمال تيار عريض من الصحراويين في تسوية سلمية للقضية.

ويقدم صحراويون من أجل السلام مقاربة واقعية لحل القضية تقوم على قاعدة مقترح الرباط للحكم الذاتي ليكون أساسا للمفاوضات بدل الارتهان للخيار “المسلح” الذي أثبت فشله. واستطاعت حركة صحراويون من أجل السلام في ظرف وجيز تشكيل أنصار دوليين لمبادراتها القائمة على فتح قنوات تواصل مع الرباط والقبول بالمقترح المغربي للحكم الذاتي.

ورغم أنه لا توجد اتصالات رسمية مع المغرب إلى حد الآن، إلا أن محللين يعتقدون بأنه لا توجد تحفظات لدى القيادة المغربية في الدخول في مفاوضات تؤدي في نهاية المطاف إلى الحكم الذاتي للصحراويين وفق مقترحها للعام 2007.

وفي جولة في أميركا اللاتينية للتعريف بأهداف الحركة وتمشيها لمعالجة قضية الصحراء المغربية التقى خلالها وفد الحركة بعدد من الأكاديميين والسياسيين والصحافيين، قال السكرتير الأول للحركة الحاج أحمد باركلا في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس إن “حركة السلام الصحراوية هي صرخة شعبية ومطلب حالي”.

 

الحاج أحمد باركلا: حركة صحراويون من أجل السلام ولدت لتخرج الصراع من ركوده

ونتيجة لتعنت جبهة بوليساريو يعاني الشعب الصحراوي من انعدام الأمن والفقر والخصاصة والمعاملة غير الإنسانية داخل مخيمات تندوف الجزائرية وهي حقائق وثقتها ونددت بها الهيئات الأممية مرارا. ويعاني 7.6 في المئة من اللاجئين الذين يعيشون في مخيمات تندوف من سوء التغذية الحاد و28 في المئة يعانون من تأخر في النمو و50 في المئة من الأطفال يعانون من فقر الدم فيما يتمكن 1 في المئة فقط من الالتحاق بالجامعات.

وأوضح باركلا أن حركة صحراويون من أجل السلام، التي أتمت للتو عامها الرابع، ولدت في ظل جائحة كوفيد، لتخرج الصراع من ركوده. وللقيام بذلك، لجأت إلى دعم وجهاء القبائل، الذين حضر بعضهم مؤتمرها في داكار في أكتوبر 2023.

وأكد أن حركته تهدف إلى إخراج الصحراويين من خضم هذا الصراع، مضيفا “نحن طريق ثالث يبني بديلاً جديدًا يتغلب على هذا الصراع”. واعتبر أن بديل الحرب كما تقترحه جبهة بوليساريو الانفصالية، هو خطأ لأنه من المستحيل هزيمة المغرب في ساحة المعركة الداخلية والدولية، مؤكدا أنه من غير المنطقي التوصل إلى تسوية من خلال التضحية بالصحراويين .

كما عارض بركلا جميع أشكال العنف، مشيرًا إلى أن “هذا ليس هو الطريق للمضي قدمًا وهذه حقيقة يجد قادة بوليساريو صعوبة في فهمها”. وتميل حركة صحراويون من أجل السلام إلى التوصل إلى حل عادل يراعي مصالح المغرب وحقوق الصحراويين.

كما انتقد فكرة النظام السياسي القائم على الحزب الواحد، لافتا إلى أنها مفارقة تاريخية، وهي شيء من الماضي لا تحافظ عليه إلا دول مثل كوريا الشمالية ودولة أو دولتان أخريان. وأوضح أنه يجب توفير البديل لأهالي المخيمات الذين يعيشون في واحدة من أسوأ الصحارى على وجه الأرض.

وفي ختام مداخلته، اعتبر بركلا أن حركته تقبل مقترح الحكم الذاتي المغربي كحل محتمل مقدما خارطة طريق تسمح، في غضون ثلاث سنوات تقريبا، بتشكيل حكومة صحراوية تتمتع بالحكم الذاتي بسلطاتها الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية تحت السيادة المغربية.

وحسب المقترح المقدم من الحركة، سيكون هناك مجلس للأعيان يشكل مع المجلس التشريعي لكيان السلطة التشريعية، ويتكون المجلس المذكور من 75 عضوا، وينبغي أن يعكس تمثيلا متوازنا للفسيفساء القبلية، حيث يجمع بين الانتخاب المباشر للثلثين والثلث المتبقي عن طريق التعيين المباشر من قبل الرئيس التنفيذي للنظام.

كما يقترح بركلا أن الصلاحيات الممنوحة بموجب مشروع النظام الأساسي المقترح، إلى جانب الضمانات ستشكل، “دليلا رئيسيا على قوة وصلابة النظام الديمقراطي المغربي كإطار للتعايش بين الصحراويين والمغاربة، كما سيكون دليلا على جدية ومصداقية نموذج الحكم الذاتي المقترح كحل في نظر الجماعة، ولذلك فمن الضروري أن يتم تحديد وضمان الصلاحيات العامة ومجموعة الصلاحيات والقوانين التي ستحكم الكيان بما لا يدع مجالا للشك”.

وبخصوص العملة الرسمية المتداولة في إقليم الصحراء ستكون هي الدرهم، وتصدر القوانين باسم العاهل المغربي، كما أن الملك هو الذي يعين رئيس السلطة التنفيذية الصحراوية الذي يقترحه المجلس التشريعي الصحراوي، وسيتكون هذا المجلس بصفته مجلسا أدنى، من 95 برلمانيا ينتخبون بالاقتراع العام، ويجب أن يضمن القانون حصة التمثيل النسائي في المجلس.

ويتناقض هذا الاقتراح مع اقتراح جبهة بوليساريو الانفصالية، التي تدير مخيمات اللاجئين في تندوف بالجزائر، والتي زعمت أنها تمثل مصالح السكان الصحراويين الذين أجبروا على العيش في هذه المخيمات، مستغلة هؤلاء السكان لدعم امتيازاتها بينما تعارض بشكل منهجي أيّ حل مقترح لحل الصراع .

◙ حركة صحراويون من أجل السلام تميل إلى التوصل إلى حل عادل يراعي مصالح المغرب وحقوق الصحراويين

وتتوالى اعترافات الدول، بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، ودعم مقترح الحكم الذاتي، الذي تعرضه المملكة كـ”حلّ وحيد” للملف العالق منذ عقود. وقبل الاعتراف الإسرائيلي مؤخرا، أعلنت دول عديدة اعترافها هي الأخرى بمغربية الصحراء. وكان على رأس تلك الدول، الولايات المتحدة، التي أعلن رئيسها السابق، دونالد ترامب، بأنه يدعم سيادة المغرب على الصحراء.

وتعزّز الموقف المغربي مؤخرا بإعلان إسبانيا هي الأخرى تأييد مقترح الحكم الذاتي، وهي الخطوة التي فتحت الباب أمام تطبيع علاقات البلدين، بعد أزمة دبلوماسية حادة دامت نحو عام. وبعد أن التزمت الحياد لعقود، باتت مدريد تعتبر أن خطة الحكم الذاتي هي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف” في الصحراء المغربية.

وفي المجموع، أبدت أكثر من أربعين دولة تأييدها لمقترح الحكم الذاتي المغربي، وهو ما تبين من خلال المشاركة الواسعة في المؤتمر الوزاري الداعم لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية في 15 يناير 2021، بدعوة من الولايات المتحدة والرباط.

ومن بين الدول العربية التي شاركت في المؤتمر السعودية والإمارات ومصر والبحرين والكويت والأردن وسلطنة عمان واليمن. وبالإضافة إلى كل من الولايات المتحدة، وفرنسا، شاركت بعض الدول الأفريقية، في الحدث لإبداء دعمها للمقترح المغربي، ومنها، السنغال، الغابون، غامبيا، غينيا، زامبيا، توغو، جزر القمر، غينيا بيساو، غينيا الاستوائية، ملاوي، ليبيريا، ساحل العاج، جيبوتي، وكذا جمهورية أفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية، وبوروندي، وبنين.

وإلى ذلك، دعمت المقترح المغربي أيضا غواتيمالا، وهايتي، وأنتيغوا وبربودا، وساو تومي وبرينسيبي، وسانت لوسيا، جمهورية الدومينيكان، بربادوس، جامايكا، جزر المالديف، والسلفادور، وسوازيلاند (إسواتيني). وترجمت عدة دول اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء بفتح قنصليات بالإقليم المتنازع عليه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: