جبهة دول أوروبية متعاطفة تكسر تابو الاعتراف بالدولة الفلسطينية

أعلنت النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية لتكسر بذلك تابو غربيّا استمر عقودا، في الوقت الذي تبدو فيه الخطوة تأكيدا للتعاطف مع الفلسطينيين الذين يعانون ويلات الحرب وليست ناتجة عن جهد سياسي لسلطة الرئيس محمود عباس ولا تقديرا لـ”بطولة” حركة حماس ومغامرة هجوم السابع من أكتوبر.

وحرك هجوم إسرائيل على غزة، وما رافقه من تدمير واسع واستهداف للمدنيين، موجة كبيرة من التعاطف مع الفلسطينيين وأعاد طرح موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية كخيار واقعي وضروري لتجنب الحرب. ووجدت النرويج وأيرلندا وإسبانيا، ودول أخرى قد تلحق بها، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية موقف أخلاقي نابع من التعاطف مع الفلسطينيين الذين.

ويعبر التعاطف السياسي الرسمي مع الفلسطينيين عن تعاطف شعبي واسع في الغرب، وهو ما عكسته احتجاجات الطلاب في الجامعات، والمظاهرات في أكبر المدن الغربية، وكذلك تحرك المنظمات المدنية والمبادرات الفردية لتقديم الدعم وإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ومشاركة أطباء ونشطاء في عمليات الإنقاذ بالرغم من المخاطر المحدقة بهم، مثلما جرى للعاملين في منظمة المطبخ المركزي العالمي التي أنشأت مطابخ ميدانية لطهو الوجبات وتوزيعها على المتضررين قبل أن يتم استهداف عناصرها.

الاعتراف الثلاثي بالدولة الفلسطينية قد يقود إلى اعتراف دول أخرى عقب نهاية الحرب ومناقشة سبل إدارة الوضع

ويرجح مراقبون أن يمهد الاعتراف الثلاثي بالدولة الفلسطينية لاعتراف دول أخرى في وقت لاحق قد يتزامن مع نهاية الحرب ومناقشة سبل إدارة الوضع في غزة، والسعي إلى إيجاد صيغة يتم فيها تسليم مهمة الحكم في مرحلة ما بعد الحرب إلى جهة فلسطينية تحوز اعترافا إقليميّا ودوليا.

ولم تعارض فرنسا فكرة الاعتراف، معتبرة أن المشكلة تكمن في التوقيت، في إشارة إلى أن خطوة مثل هذه لن تساهم في إنهاء الحرب وقد تزيد الوضع تعقيدا في ظل رفض إسرائيل القاطع لفكرة الدولة الفلسطينية.

وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه “هذه ليست قضية رمزية أو مسألة تتعلق بموقف سياسي، وإنما أداة دبلوماسية في سبيل الوصول إلى حل يستند إلى دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن”. وتابع “فرنسا لا تعتبر أن الظروف مواتية في الوقت الراهن كي يكون لهذا القرار تأثير ملموس على هذه العملية (السلام)”.

واتخذت بريطانيا بدورها موقفا قريبا من موقف باريس. وقال وزير الخزانة البريطاني جيرمي هانت الأربعاء إن هذا “الوقت غير مناسب” لبلاده للاعتراف بدولة فلسطين، لكنه أضاف أنهم سيبقون الملف قيد المراجعة على أن يُقبلوا على الخطوة ذاتها “عندما يخدم ذلك عملية السلام”.

وقال هانت في تصريحات لشبكة سكاي نيوز الأميركية “موقفنا من هذا الأمر قديم، وهو أننا سنكون مستعدين للاعتراف بدولة فلسطين في الوقت الذي يساعد ذلك عملية السلام بشكل كبير”.

والأمر نفسه تبناه رئيس وزراء التشيك بيتر فيالا حين قال إنه “ليس من المنطقي الاعتراف بفلسطين كدولة، إذا لم يتضح من يمثلها وعلى أي أرض”، في تلميح واضح إلى الجهة التي يمكن أن تتولى قيادة الدولة الجديدة في حال تم الاعتراف بها، في ظل وضع السلطة الفلسطينية الحالي.

ولا يأتي الاعتراف الثلاثي بالدولة الفلسطينية تعبيرا عن حراك سياسي فلسطيني لتوظيف مأساة المدنيين كورقة ضغط لحسم الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، ذلك أن السلطة الفلسطينية تعيش وضعا لا يسمح لها بلعب أي دور خارجي في خدمة الملف الفلسطيني بسبب خلافاتها الداخلية وضعف تأثيرها مقابل تزايد نفوذ حماس وحركة الجهاد الإسلامي.

وكان لهجوم حماس على جنوب إسرائيل في أكتوبر الماضي تأثير عكسي، حيث بات الحل السياسي لمرحلة ما بعد الحرب مرهونا بانسحابها من المشهد، وهو موقف تشترك فيه قوى إقليمية ودولية، ولا يعبر فقط عن موقف إسرائيل أو الولايات المتحدة.

ودفع هجوم السابع من أكتوبر إلى تشدد غربي في المواقف تجاه حماس وزيادة الأصوات الداعمة لإسرائيل والسكوت على التجاوزات التي ارتكبتها في الحرب.

وأعلنت أيرلندا وإسبانيا والنرويج الأربعاء أنها ستعترف بدولة فلسطينية في 28 مايو، وقالت الدول الثلاث إنها تأمل في أن تحذو حذوها دول غربية أخرى، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى استدعاء سفرائها لدى الدول الثلاث.

وقال بيدرو سانشيز رئيس الوزراء الإسباني “نأمل في أن يسهم اعترافنا وأسبابنا في اتباع دول غربية أخرى هذا المسار لأنه كلما زدنا زادت قوتنا لفرض وقف لإطلاق النار والإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حماس وإعادة إطلاق العملية السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى إبرام اتفاق سلام”.

هجوم السابع من أكتوبر دفع إلى تشدد غربي في المواقف تجاه حماس وزيادة الأصوات الداعمة لإسرائيل والسكوت على التجاوزات التي ارتكبتها في الحرب

وقال سايمون هاريس رئيس وزراء أيرلندا في مؤتمر صحفي بدبلن “اليوم (الأربعاء)، تعلن أيرلندا والنرويج وإسبانيا أننا نعترف بدولة فلسطين”. وأضاف “سيتخذ كل منا الآن أي خطوات وطنية لازمة من أجل تنفيذ ذلك القرار”.

وفي أوسلو قال رئيس الوزراء النرويجي يوناس جار ستوره إن الخيار الوحيد لحل سياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو “أن تعيش دولتان جنبا إلى جنب في سلام وأمن”. وأمضت الدول الثلاث أشهرا في إقناع دول أوروبية، منها فرنسا والبرتغال وبلجيكا وسلوفينيا، بحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطينية.

وأمر يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلي بالاستدعاء الفوري لسفراء إسرائيل لدى الدول الثلاث لإجراء مشاورات ردا على ذلك، وحذر من المزيد من “العواقب الوخيمة”. وقال كاتس “أوجه رسالة واضحة اليوم (الأربعاء)، إسرائيل لن تتخذ موقف المتفرج أمام من يقوضون سيادتها ويعرّضون أمنها للخطر”.

وتعترف بالفعل نحو 144 دولة من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، بما في ذلك أغلب دول نصف الكرة الأرضية الجنوبي وروسيا والصين والهند، إلا أنه لم يتخذ هذه الخطوة حتى الآن سوى عدد قليل من دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين. وكانت السويد أولى تلك الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية في 2014.

واستخدمت الولايات المتحدة، أقوى داعمي إسرائيل، حق النقض (الفيتو) الشهر الماضي ضد محاولة في الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين، قائلة إن حل الدولتين يمكن فقط أن يتحقق نتيجة مفاوضات مباشرة بين طرفي الصراع.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: