كونفدرالية دول الساحل والمبادرة الأطلسية.. تطور في اتجاه الاندماج

ماموني

شكلت مبادرة العاهل المغربي الملك محمد السادس الدولية لضمان وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، قنطرة أساسية لتوسيع حجم الطموح والإرادة من تحالف بسيط إلى اتحاد كونفدرالي بين الدول الأساسية النيجر ومالي وبوركينا فاسو، بهدف الاستفادة من الترابط الجيوسياسي والثقافي والاجتماعي لتحقيق التكامل الاقتصادي والتنموي، خدمة لأهداف التنمية المستدامة والحد من الأضرار الناجمة عن التحديات الأمنية بالمنطقة وتغير المناخ، وذلك بخلق سياسات الأعمال ونماذج التنمية لتحفيز النمو الاقتصادي.

أصدرت بوركينا فاسو ومالي والنيجر بلاغا مشتركا من العاصمة نيامي، تعلن فيه عن إنشاء اتحاد تحالف دول الساحل الذي سيتم الإمضاء عليه في القمة المقبلة لرؤساء الدول الثلاث، مشيرة إلى أن معاهدة اتحاد تحالف دول الساحل أصبحت جاهزة تنتظر توقيع الرؤساء، ولن يتم الكشف عن محتواها قبل تقديمها إلى رؤساء الدول لاعتمادها في القمة المقبلة والتي لم يتم تحديد تاريخها.

الكونفدرالية تتطلب التنسيق الشامل في القضايا الأساسية والتي لها أبعاد مشتركة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. فالتنمية وتوسيع دائرة التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث وما تنتظره من الانفتاح على المحيط الأطلسي، كلها تتطلب رؤية محكمة عميقة فيما يتعلق بتنفيذ عمليات أمنية متناسقة وفعالة وحاسمة ضد أي جماعات لا تريد الانخراط في الخطط التنموية والاقتصادية للمنطقة، حيث تصورت هذه الدول بالفعل إنشاء قوة دفاع مشتركة.

◄ ما تتطلبه الوضعية الحالية لدول مالي والنيجر وبوركينا فاسو الذهاب بعيدا في تحقيق تكامل اقتصاداتها وإنشاء اتحاد اقتصادي أوثق من خلال تنسيق السياسات الضريبية وأنظمة التجارة والبنية التحتية الاقتصادية

الكونفدرالية تخدم المبادرة المغربية تجاه دول الساحل الرامية لتحقيق التقارب السياسي والاقتصادي المشترك، والتي أعلن عنها الملك محمد السادس شهر ديسمبر الماضي، خصوصا أن دول الساحل المذكورة عازمة على الانخراط في هذا التوجه الذي يقوده المغرب خدمة للاستقرار والتنمية.

انتقال دول الساحل زائدا موريتانيا إلى مرحلة التطبيق العملي للمبادرة الإستراتيجية الأطلسية يحتاج إلى بعض الوقت لتدبير كل خطوة بشكل دقيق ودون أخطاء، ما دفع وزير خارجية بوركينا فاسو كاراموكو جان ماري تراوري، إلى التأكيد أن خبراء بلده جاهزون تماما لمرحلة التفعيل، لهذا اتفق قادة دول الساحل والمغرب على عقد اجتماع لتحديد معالم المبادرة الملكية التي ستمنح هذه الدول فرصة الولوج إلى المحيط الأطلسي، وأن العمل على مختلف الأصعدة متواصل لتفعيل هذه المبادرة التي سيتم الكشف عن ملامحها التقنية قريبا، حتى يتبين للجميع أنها لا تتوقف عند الولوج المادي إلى المحيط الأطلسي فقط، بل إنها أكثر من ذلك بكثير ستنقل اقتصادات دول المنطقة من المحلية إلى العالمية.

يضم تحالف دول الساحل، الذي تم إنشاؤه في 16 سبتمبر 2023، مالي والنيجر وبوركينا فاسو بموجب اتفاقية دفاع مشترك، وأعقبت التوقيعَ على الميثاق، المتعلق بهذا التحالف الذي يحمل اسم ليبتاكو – غورما، اجتماعاتٌ وخططٌ لمبادرات من شأنها دفع الهيكل الجديد أكثر نحو وضع نظام أساسي للتحالف وتحويله إلى كونفدرالية، ونقول بأن المبادرة جديرة بالاهتمام والتقدير من حيث أنها تخدم توحيد طاقات الدول الثلاث، ففي 16 سبتمبر 2023، وقعت مالي والنيجر وبوركينا فاسو على ميثاق ليبتاكو – غورما 1، انبثق عنه تحالف دول الساحل، وهو هيكل يهدف إلى العمل كتحالف إستراتيجي للتعاون بين أعضائه.

الاتحاد الكونفدرالي يعطي دفعة قوية للدفاع الجماعي عن استقرار  الدول، ويتضمن إجراءات تتجاوز التعاون ضمن التحالف نحو التكامل في هذا الهيكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تتجاوز الإطار البسيط للتعاون من أجل التنمية المتكاملة، نحو علاقات أكثر صلابة، وهو مشترك إستراتيجي مع المملكة المغربية.

يبدو أن الأمور تتحرك بسرعة كبيرة نحو جمع الدول معًا في إطار مؤسسي يمكن، دون الحديث بالطبع عن اتحاد مثالي، تحقيقه بإنشاء البنية المؤسسية للاتحاد، وتقدمها نحو مسار موحد يتمتع بالروافع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والطبيعية لضمان التقارب المؤسسي الناجح مع مبادرات إقليمية تتقدمها المبادرة المغربية، وفي الوقت نفسه تحصين المحيط من أي تشويش عليها.

التهديدات الإرهابية والصراعات الطائفية وتهريب المخدرات والأسلحة في منطقة الساحل، كلها تحديات مشتركة تتطلب تصورًا مشتركًا للخطر وخططا عملية لمواجهته، وهذا كان محط اجتماعات متتالية، منها لقاء عشرين وزيرا من بوركينا فاسو ومالي والنيجر في 15 فبراير الماضي في واغادوغو لدراسة وصياغة مشروع معاهدة بشأن اتحاد دول الساحل، وفي أقل من شهر اجتمع قادة جيوش الدول الثلاث في نيامي وأعلنوا عن إنشاء قوة مشتركة لمكافحة الجهاديين.

◄ الكونفدرالية تخدم المبادرة المغربية تجاه دول الساحل الرامية لتحقيق التقارب السياسي والاقتصادي المشترك، والتي أعلن عنها الملك محمد السادس شهر ديسمبر الماضي

بدوره المغرب منخرط بقوة في تحقيق الأمن والاستقرار في العمق الأفريقي، رأينا هذا في عدد من المبادرات العملية التضامنية والتعاونية آخرها مشاركة ضباط كبار ممثلين لمجموعة من الدول في القارة منها مالي وموريتانيا، في النسخة الأولى من منتدى مدراء المدارس الحربية الأفريقية، في الفترة ما بين 15 و19 مايو الجاري، في إطار تعزيز العلاقات بين الجيش المغربي ونظرائه في الدول الأفريقية وتوحيد الجهود على المستوى الإقليمي والقاري للتعامل مع التحديات المشتركة وكسب الرهانات المتجددة.

ما تتطلبه الوضعية الحالية لدول مالي والنيجر وبوركينا فاسو الذهاب بعيدا في تحقيق تكامل اقتصاداتها وإنشاء اتحاد اقتصادي أوثق من خلال تنسيق السياسات الضريبية وأنظمة التجارة والبنية التحتية الاقتصادية، ورسم مسارات واضحة غير متصادمة مع اقتصادات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وذلك خدمة للاستقرار والتنمية.

الذي يميز الاتحاد الكونفدرالي هو اشتراك الدول الثلاث في العديد من الخصائص الجيواقتصادية والبنية الديموغرافية والسوسيو – ثقافية وتتقاسم نفس الحدود مع موروثات تاريخية شبه مماثلة، كما أنها تتشارك نفس التحديات تقريبا الأمنية والمناخية والبيئية، ما يتطلب توحيد الجهود والرؤى، لمجابهة التحديات المرتبطة بغياب الاستقرار وضعف البنى التحتية، وتحقيق طموح تمكينها من الدخول مباشرة إلى المحيط الأطلسي لتسويق منتجاتها، وتحقيق تنمية شاملة لمواطنيها.

تتماشى أهداف وغايات الاتحاد الكونفدرالي لدول الساحل الأفريقي إلى جانب التاريخ المشترك، مع ما ستوفره المبادرة الملكية من فرص كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة برمتها، من تسريع للتواصل الإقليمي وللتدفقات التجارية ومن رخاء مشترك في منطقة الساحل، مع اعتماد خارطة طريق لاستفادة دول الساحل من المحيط الأطلسي رغم الصعوبات الجيوسياسية وواقع الاستقرار الأمني الذي تواجهه هذه الدول.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: