السلطة الجزائرية تبحث عن توافق اجتماعي واقتصادي بالعودة إلى آلية الثلاثية

تحاول السلطة الجزائرية من خلال عودة اللقاءات الثلاثية بينها وبين رجال الأعمال والشركاء الاجتماعيين، بلورة توافق واضح حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، والاهتمام بمستقبل الجانب التنموي خصوصا بعد تداعيات جائحة كورونا.

شكل إعلان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، عودة آلية الثلاثية للانعقاد، وهي لقاءات الحكومة وأرباب العمل والشركاء الاجتماعيين، مؤشرا على نية السلطة في البحث عن التوافق بين الأطراف الثلاثة حول الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، لكن الشكوك تحوم حول من يمثل الطبقة الشغيلة، في ظل انحياز السلطة للمركزية النقابية التاريخية، مقابل مخاوف الإقصاء التي تخيم على النقابات المستقلة.

ورحبت فعاليات نقابية واقتصادية بقرار الرئيس عبدالمجيد تبون، القاضي بالعودة إلى آلية “الثلاثية”، غير أن النقابات المستقلة لازالت تلتزم الصمت، في انتظار الاطلاع على تركيبة ممثل الطبقة الشغيلة، وهو ما يعكس مخاوفها من إقصائها وحصر المشاركة النقابية في الاتحاد العام للعمال الجزائريين.

وكان الرئيس الجزائري، قد ذكر في الخطاب الذي ألقاه على العمال ومسؤولي التنظيم النقابي المذكور، بأنه “ستتم العودة إلى لقاءات الثلاثية، شريطة ألا تكون تلك اللقاءات على شاكلة النمط السابق”، في إشارة للمواعيد التي تنعقد خلال حقبة الحكومات السابقة للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

 

علي قرفة: اجتماع الثلاثية يأتي كآلية لتقييم ما تم تحقيقه وإنجازه
علي قرفة: اجتماع الثلاثية يأتي كآلية لتقييم ما تم تحقيقه وإنجازه

 

وأكد تبون أنها “ستكون بحضور النقابية المركزية، وكل الوطنيين الأحرار”، وهي رسالة لم تحمل أي إشارة لمشاركة النقابات المستقلة، كما أنها قدمت عبارة مطاطية يمكن تمديدها حسب المزاج السياسي، خاصة وأن بعض تلك النقابات تحسب على المعارضة، واتهمت في وقت سابق بتوظيف الوضع الاجتماعي للطبقة العاملة لأغراض سياسية، قبل أن تتم مراجعة قانون حق الإضراب والعمل النقابي، بشكل وصفه ناشطون في صفوفها بـ”التضييق والخنق”.

وذكر رئيس اتحاد الصناعيين والمنتجين والمحولين الجزائريين علي قرفة، بأن “إعلان رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون عودة آلية اجتماع الثلاثية، تأكيد على اهتمام القاضي الأول في البلاد، ومن بعده الجهاز التنفيذي بمستقبل ومآلات مخططات التنمية التي شرع فيها منذ التخلص من حصار جائحة كورونا “.

ولفت في تصريح لصحيفة “الخبر” المحلية، إلى أن “اجتماع الثلاثية الذي سيتحدد تاريخه لاحقا من طرف السلطات العليا يأتي كآلية لتقييم ما تم تحقيقه وإنجازه على مستوى عدة أصعدة، لاسيما في مجال الاقتصاد وصيرورة المشاريع الإستراتيجية التي تم إطلاقها، وبدأت معالمها ونتائجها ظاهرة للعيان، ويلمسها المواطن في عدة مجالات”.

ويبدو أن السلطة الجزائرية التي أدارت الشأن الاجتماعي خلال السنوات الخمس الأخيرة، دون العودة إلى الشركاء الاجتماعيين، وأقرت حزمة من التدابير الاجتماعية كرفع الرواتب والمعاشات واستحداث منحة للبطالة، دون أن تأخذ برأي ممثلي الطبقة الشغيلة، بصدد العودة إلى نظام الثلاثية، لحاجتها إلى تزكية موسعة لقرارات أخرى، والبحث عن هدنة اجتماعية طويلة الأمد.

وتعيش الفعاليات النقابية على وقع أزمة هيكلية عميقة، في ظل عدم قدرة نقابات مستقلة على التكيف مع دفتر شروط العمل النقابي، رغم قدرتها على تعبئة الشارع العمالي، بينما تعرف المركزية النقابية الموروثة عن عهد حرب التحرير، نزيفا وعدم استقرار لافت، بدأ بسجن أمينها العام السابق عبدالمجيد سيدي سعيد، المحسوب على منظومة الرئيس الراحل بوتفليقة، وعدم صمود خلفه اليساري عبدالحميد لعباطشة إلا سنوات قليلة، قبل أن تؤول الأوضاع إلى الأمين العام الجديد عمار تاقجوت.

الفعاليات النقابية تعيش على وقع أزمة هيكلية عميقة، في ظل عدم قدرة نقابات مستقلة على التكيف مع دفتر شروط العمل النقابي

ورغم موالاته للسلطة منذ عدة عقود، إلا أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، استطاع الحفاظ على مسافة فاصلة بينه وبين الحكومات المتعاقبة، كما حولته السنوات التي سبقت انتفاضة الحراك الشعبي المندلع العام 2019، إلى واحد من أذرع السلطة، لاسيما بعد سقوطه في فخ دعم الولايات الرئاسية المتتالية للرئيس الراحل، خاصة الرابعة والخامسة، ثم تحالفه مع الحكومة فيما عرف بالشراكة بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، والتي اعتبرت حينها بمثابة بيع مكاسب تاريخية للقطاع المذكور، والذي عاش وقتها تغولا كبيرا، مما كلفه نزيفا بشريا والتحق مناضلون وقياديون من صفوفه بالنقابات المستقلة.

وأكد علي قرفة، على أن “فصيل أرباب العمل، يثمن قرار رئيس الجمهورية بإعادة برمجة اجتماع الثلاثية، كما يقاسمه موقفا مما كان يحدث سابقا بمناسبة لقاءات الثلاثية، التي كانت أشبه بمهرجانات فلكلورية، تتبنى قرارات ومواقف على الورق، لا نجد لها أثرا في الميدان، ماعدا بعض القرارات التي كانت تخدم فئة من رجال المال والأعمال، بينت الأيام فيما بعد أنهم شكلوا عصابة فساد استباحت أملاكا عقارية بالدينار الرمزي، كما استحوذت على المليارات من العملة الصعبة بمبرر الاستثمار والاستيراد، وفضحت أجهزة الأمن والعدالة والجمارك فيما بعد مثلما حدث مع استيراد حاويات حجر البناء أو تغذية الحيوانات (كروكات)، بل وحتى مصانع نفخ عجلات السيارات”

.وأضاف: “اجتماع الثلاثية المرتقب سيناقش أرقام الاقتصاد الوطني ونسبة النمو، وأرقاما وإحصائيات حول المؤسسات التي تم استحداثها في السنوات الأخيرة التي تلت جائحة كورونا، وعدد مناصب الشغل التي تم توفيرها بعد إطلاق هذه المشاريع، بالإضافة للحديث عن المؤشرات الاقتصادية وتأثيرها على عالم الشغل، وعلى القدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي على السلم الاجتماعي والأمن القومي على العموم”.

ومنذ خطاب الرئيس بمناسبة اليوم العالمي للعمال، يردد الفاعلون الاقتصاديون والنقابيون، نفس الأفكار والتصورات، مما يؤشر على إنتاج نفس الخيارات الاقتصادية المقررة، فكما رافع في وقت سابق أمين عام المركزية النقابية عمار تاقجوت، لصالح برنامج السلطة دون التطرق للأوضاع الاجتماعية والمهنية للطبقة الشغيلة، أعطى تصريح رئيس اتحاد للصناعيين والمنتجين والمحولين الجزائريين، الانطباع بأن الفصيل يسير في نفس التوجه، رغم ما لأرباب العمل من تحديات، أهمها تأمين زيادات في رواتب اليد العاملة التي يشغلونها من أجل تحقيق توازن مع الزيادات التي أقرتها الحكومة لعمال الوظيفة العمومية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: