جدل في فرنسا بشأن عزم ماكرون استخدام تقنيات الإنجاب لزيادة المواليد

فجأة أصبحت عملية الإخصاب في المختبر، وهي إجراء تم استخدامه لأول مرة منذ أكثر من 45 عاما، موضوعا يدور حوله الجدل السياسي على جانبي المحيط الأطلسي لأسباب مختلفة تماما.

وتتطلع حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تطبيق حزمة سياسات، لتشجيع استخدام التقنيات المساعدة على الإنجاب بما فيها الإخصاب بالمختبر، من أجل زيادة معدلات المواليد المتناقصة في البلاد، ومع ذلك ترى المنظمات النسائية الفرنسية، أن هذه التقنيات تدخل الحكومة بلا ضرورة في الحياة الخاصة للنساء، كما تعرب هذه المنظمات عن قلقها من أن الشعور القومي المتنامي في البلاد، يدفع الجهود الرامية إلى زيادة معدلات الإنجاب.

وذكر الموقع الإعلامي الأميركي المتخصص في شؤون الكونغرس (سي-كيو-رول –كول)، أن الخلاف في وجهات النظر في إطار الجدل الدائر حول استخدامات الإخصاب داخل المختبر، يبدو متباينا تماما في الولايات المتحدة حيث يعد التيار المحافظ العقبة الرئيسية لنشر هذه التقنية، وبرغم موافقة الرئيس السابق دونالد ترامب هذا الشهر على استخدام التقنية، فإن استخدامها كعلاج للعقم أثار رفض الكثير من غلاة المحافظين والأنجيليين المتشددين، خاصة فيما يتعلق بمسألة التخلص من الأجنة التي لم يعد بها حاجة لاستخدامها في عملية الإخصاب.

وأصدرت الهيئات التشريعية في 13 ولاية أميركية على الأقل، ما يعرف باسم القانون الخاص بالشخصية، والذي يصنف الجنين على أنه شخص حي، وقضت المحكمة العليا في ولاية ألباما في فبراير الماضي، بأن الأجنة المجمدة بغرض استخدامها في التخصيب المعملي يمكن اعتبارها أطفالا، وهو قرار تسبب في أن تغلق بعض المستشفيات التي تجري هذه العملية أبوابها.

وبالمقارنة يعمل خبراء الخصوبة في فرنسا بناء على طلب من ماكرون، على وضع خطة وطنية لزيادة الخصوبة لمواجهة تراجع عدد المواليد، ويوصي أولئك الخبراء بزيادة الاستثمارات الحكومية في التخصيب المعملي وغيره من إجراءات علاج العقم.

وتشير الإحصائيات إلى تراجع عدد المواليد في فرنسا باطراد خلال السنوات الأخيرة، حيث تناقصت بشكل تقريبي بنسبة 7 في المئة خلال عامي 2022 و2023، ومع ذلك لا يأخذ هذا التراجع شكلا حادا كما هو الحال في دول أخرى بالاتحاد الأوروبي، غير أن ماكرون أعلن في خطاب ألقاه في يناير الماضي، أن فرنسا بحاجة إلى “إعادة تسلح سكاني”.

 

حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون تتطلع إلى تطبيق حزمة سياسات لتشجيع استخدام التقنيات المساعدة على الإنجاب بما فيها الإخصاب بالمختبر
◙ حكومة إيمانويل ماكرون تتطلع إلى تطبيق حزمة سياسات لتشجيع استخدام التقنيات المساعدة على الإنجاب بما فيها الإخصاب بالمختبر

 

وتتكفل الخطة الوطنية للصحة في فرنسا بدفع تكلفة عملية الإخصاب في المختبر، وتبلغ نسبة المواليد الفرنسيين بهذه التقنية نحو 4 في المئة، وتتخلص هذه الدولة مما يقرب من 150 ألف جنين سنويا خلال العمليات.

وبالمقارنة تشير الإحصائيات في الولايات المتحدة إلى أنه في عام 2021، بلغت نسبة المواليد باستخدام هذه التقنية أكثر بدرجة طفيفة من 2 في المئة، غير أن الديمقراطيين والمدافعين عن هذه الطريقة، يشعرون الآن بالقلق من أن استخدامها قد يصبح أكثر صعوبة، مع إغلاق بعض المستشفيات التي تقدمها أبوابها، خوفا من التعرض لعقوبات جنائية بسبب التخلص من الأجنة.

وأظهرت أرقام نشرها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، أن فرنسا شهدت ولادة 678 ألف طفل في عام 2023، أي أقل بنسبة 6,6 في المئة من عدد المواليد في العام السابق. ويذكر أن عدد سكان البلاد بلغ أكثر من 68,4 مليون نسمة في الأول من يناير 2024، أي بزيادة قدرها 0.3 في المئة على مدى عام واحد.

ويُعزى تراجع الولادات في فرنسا بشكل رئيسي إلى “الانخفاض الحاد” في معدل الخصوبة، الذي بلغ 1,68 طفل لكل امرأة العام الماضي مقارنة بـ1.79 في عام 2022. ومع ذلك، ظلت فرنسا في عام 2021 (أحدث مقارنة ممكنة) الدولة الأكثر خصوبة في الاتحاد الأوروبي، مع 1.84 طفل لكل امرأة، بحسب المكتب الإحصائي الأوروبي “يوروستات”.

وارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة إلى 85.7 عاماً للنساء و80 عاما للرجال، وفق المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية. ويعود انخفاض معدلات الإنجاب، عدة أسباب، منها تغير نمط حياة الفرنسيات، ما أثر بشكل كبير على معدلات الإنجاب، إذ أصبحت النساء أكثر تعليمًا وشغلت أدوارًا أكثر أهمية في سوق العمل، ما أدى إلى تغيير في الأولويات والتوازن بين الحياة المهنية والشخصية.

وأثرت الظروف الاقتصادية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا والشكوك المتعلقة بتغير المناخ، على قرار الأفراد بشأن الإنجاب. بالإضافة إلى ذلك، الظروف الشخصية مثل ظروف المعيشة والتوظيف يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في قرار الإنجاب.

وأكدت الدراسة أنه رغم التقدم الذي أحرزته النساء في التعليم والعمل، فإن الرجال لم يتولوا بشكل كبير المزيد من مهام المنزل ورعاية الأطفال. هذا قد يدفع النساء إلى التفكير في تقليل حجم الأسرة. إذن فإن التحولات الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في انخفاض معدلات الإنجاب في فرنسا.

وعلى الرغم من التصريحات العلنية من جانب الكثير من الجمهوريين المساندة لتقنية الإخصاب في المختبر، إلا أن المحافظين لا يزالون مترددين في سن التشريعات التي تحميها، فعندما طرح الديمقراطيون في مجلس الشيوخ مشروعا لحماية عمليات التخصيب المعملي صوت الجمهوريون ضده.

ويعلق سمير حمامة وهو طبيب مقيم بمدينة مونبلييه الفرنسية، متخصص في الخصوبة وأحد المسؤولين عن صياغة خطة ماكرون في التوسع في التقنيات المساعدة على الإنجاب، على مشهد تقنية الإخصاب في المختبر بالولايات المتحدة، فيقول “إنه ضرب من الجنون التام، إنه لأمر غريب وغبي أن يتم اعتبار جنين لديه خمس أو ست خلايا إنسانا”.

◙ رغم التصريحات العلنية من الجمهوريين المساندة لتقنية الإخصاب في المختبر، إلا أن المحافظين لا يزالون مترددين في سن التشريعات التي تحميها

وفي الخطاب الذي ألقاه ماكرون قال إنه يريد إعطاء الأولوية للخصوبة، وفي إطار هذه الجهد إتاحة الإخصاب بالمختبر، وغيره من أشكال المساعدة على الإنجاب على نطاق أوسع.

ويؤكد مشروع الخطة الصحية الوطنية الفرنسية، الذي سيتم طرح صياغته النهائية في الخريف المقبل، أهمية الاستثمار الحكومي في عمليات الإخصاب بالمختبر، وفي إجراء البحوث الطبية حول أسباب العقم والتوصل إلى علاجات جديدة له.

غير أن المنظمات النسائية في فرنسا لم تستقبل خطة ماكرون باستحسان، ويرى الكثير منها أن خطته لتعزيز الخصوبة تعد بمثابة تدخل حكومي في حقوق المرأة الإنجابية، كما تشعر المنظمات بالقلق من أن الضغط، من أجل إنجاب المزيد من الأطفال إنما يوقد نيران التيارات القومية، ويتعلق جزء كبير من خطة ماكرون المقترحة، بالسماح بإجراءات اختبارات مجانية للخصوبة للنساء اعتبارا من سن 25 عاما.

وفي حوار واسع النطاق استغرق ساعة من الزمن، أشار الطبيب سمير حمامة إلى مشكلة تزايد عدد المهاجرين في فرنسا، وما يثار من إمكانية تهديدهم للهوية الفرنسية، وقال إن مشكلة المهاجرين ترتبط بشكل مباشر بأزمة الخصوبة في البلاد، وأضاف إن “تناقص عدد المواليد الفرنسيين يثير مشكلة داخل المجتمع الفرنسي”.

وهذا النوع من السلوك تجاه خصوبة المرأة، أثار استياء المنظمات الرائدة لرعاية صحة النساء. وتقول كارين فافييه الرئيسة المشاركة، لفرع جمعية تنظيم الأسرة في أقليم أوسيتاني الفرنسي، “نحن لا نوافق على هذه الخطة”، وتعرب عن اعتقادها بأنه يجب أن تترك مسألة إنجاب الأطفال برمتها إلى اختيار “الزوجين وليس للدولة”.

ووصفت جوديث ميني وهي متطوعة بعيادة لتنظيم الأسرة بمدينة مونتبلييه، خطة ماكرون لتعزيز الخصوبة بأنها “خطوة إلى الوراء”، بالنسبة لحركة حقوق المرأة في الإجهاض، لأنها تشرك الحكومة كثيرا في القرارات الخاصة بإنجاب المرأة.

كما حذرت ميني من الأيديولوجيات القومية المعادية للمهاجرين المحيطة بالخطة. وهي ترى أن هذه الخطة تعد “تخويفا للفرنسيين من أنهم لم يعودوا دولة، وليسوا متحدين ولم تعد هويتهم فرنسية بعد الآن”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: