الموقع الجيوستراتيجي يضمن للمغرب مشاركة مشروع واشنطن للتعاون الأطلسي

ماموني

تراهن واشنطن على الموقع الجيوستراتيجي للمغرب لاعتماده وصحرائه عضوا في مبادرتها الدولية للتعاون الأطلسي، من أجل تكامل تجاري واقتصادي وتعزيز الأمن والاستقرار ومعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك في المنطقة.

كشفت الإدارة الأميركية عن خريطة مُحدثة لـ34 دولة انخرطت في مبادرتها الشراكة من أجل التعاون الأطلسي، بعدما استضافت واشنطن، عبر تقنية الفيديو، الاجتماع الثاني لكبار ممثلي الدول الأعضاء في الشراكة، بحضور المغرب، ما يفتح فصلا جديد في التعاون الإقليمي، وإقامة علاقات أوثق بين دول المحيط الأطلسي في أربع قارات.

وتظهر الخريطة، الدول التي أعلنت انضمامها لمبادرة “الشراكة من أجل التعاون الأطلسي” التي تم إطلاقها في سبتمبر من سنة 2023، أي قبل فترة وجيزة من إعلان العاهل المغربي الملك محمد السادس عن مبادرة لضمان وصول دول منطقة الساحل إلى الأطلسي، في خطاب الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء، في السادس من نوفمبر من العام الماضي.

وكان الملك محمد السادس، قد أكد في خطابه ، أن “غايتنا أن نحول الواجهة الأطلسية، إلى فضاء للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي”. وهذا التوجه يتكامل مع مبادرة إنشاء إطار مؤسسي يجمع الدول الأفريقية الأطلسية الـ23 بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والرخاء المشترك في المنطقة.

وأكدت الخارجية الأميركية، أن “المحيط الأطلسي يربطنا ويدعمنا كما لم يحدث من قبل، ويعتبر مجالا لحركة تجارية وحركة شحن أكثر من أي محيط آخر، بينما تنتقل المزيد من البيانات عبر الكابلات الموجودة تحت الماء أكثر من أي من أي مكان على وجه الأرض، كما أنه موطن لأكثر من نصف مصايد الأسماك في العالم”.

الشراكة الأطلسية تسعى إلى تمكين الدول الأعضاء من توسيع نطاق تعاونها بشأن سلسلة من الأهداف المشتركة

وبحسب ما أوردته الخارجية الأميركية، فإن المغرب سيقود، إلى جانب إسبانيا وأنغولا، المجموعة المخصصة للتخطيط المكاني البحري، مبرزة أنه خلال العام الجاري سيتم تنظيم مجموعة من ورشات العمل بين الدول الأعضاء حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وتضم المبادرة إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية والمغرب، بلدانا من القارتين الأفريقية والأوروبية والأميركيتين الشمالية والجنوبية والكاريبي، بما يشمل بريطانيا وإسبانيا والبرتغال وهولندا وبلجيكا والنرويج وأيرلندا وأيسلندا وكندا والبرازيل والأرجنتين، فضلا عن موريتانيا والسنغال وكوت ديفوار ونيجيريا وأنغولا والغابون والكونغو الديمقراطية وغيرها.

وتسعى الشراكة الأطلسية التي تم إطلاقها في سبتمبر 2023، إلى تمكين الدول الأعضاء من توسيع نطاق تعاونها بشأن سلسلة من الأهداف المشتركة، والدفاع عن مجموعة من المبادئ المشتركة للتعاون الأطلسي، والتي يوجد ضمنها المغرب بخريطته الكاملة، باعتبار الصحراء جزءا لا يتجزأ من ترابه الوطني، وهو الأمر الذي يأتي في إطار إعداد الرباط لتنزيل مبادرتها الدولية الخاصة بضمان وصول دول منطقة الساحل إلى المحيط الأطلسي عبر ميناء الداخلة.

وأكد هشام معتضد، الخبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية، أن “هذا المعطى، يشكل فرصة متجددة للدفع بالعلاقات المغربية – الأميركية إلى مزيد من التقدم بالسرعة السياسية التي يتطلع إليها المغرب، وتجاوبا مع الانتظارات التي تترقبها البلدان خاصة فيما يتعلق بالتعاون عبر-الأطلسي والتنسيق الاقتصادي داخل الأسواق الأفريقية، وأيضا ينسجم مع الرؤية المغربية للدفع بفضاءاته البحرية لتشكيل رافعة آمنة وأكثر دينامكية في التطورات الاقتصادية والتجارية التي تشهدها العديد من القطاعات الوطنية، والرفع من مستويات تأمينها الذي أصبح ضرورة حيوية للرباط من أجل مواكبة تأمين استثماراته المرتبطة بتلك الفضاءات”.

1.5 تريليون دولار سنويا، قيمة مساهمة المحيط الأطلسي في الاقتصاد العالمي ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول العام 2030.

وأضاف في تصريح لـه، أن  “الامتياز الجيوستراتيجي المغربي وطموح البلدان المطلقة على المحيط الأطلسي منها إسبانيا، تتناغم مع توجه المملكة لتأمين الفضاءات البحرية وتعزيز الأسطول البحري والعسكري الذي سيشكل امتيازا استراتيجيا للدول التي ستستعمل تلك الفضاءات المغربية كممرات اقتصادية لاستثماراتها، وستسهم في رفع مستويات التأهب والحماية، وهو ما سينعكس إيجابا على المبادرة الأميركية والمغربية على حد سواء والدول التي يتقاسم معا المغرب واجهاته البحرية، وسيعزز ذلك أيضا التنسيق العسكري البحري للمغرب مع الدول المطلة على مستوى البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي”.

وفي السياق ذاته، نظمت الخارجية الأميركية بتنسيق مع سفارة المملكة المغربية بواشنطن لقاء حول مستجدات الشراكة من أجل التعاون الأطلسي، بحضور 39 من سفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية الأعضاء في هذه المبادرة.

وخلال هذا اللقاء، الذي انعقد بمقر سفارة المملكة، استعرض السفير المغربي، يوسف العمراني، الدور الفعال الذي تقوم به المملكة من أجل تعزيز مجال أطلسي مستقر، ومزدهر، ومندمج يساعد على تحقيق تحول اقتصادي واجتماعي للمنطقة قاطبة.

وركز العمراني، بشكل خاص، على المبادرة الملكية التي تضع المحيط الأطلسي في قلب الرؤية المبتكرة والجريئة للعاهل المغربي تجاه القارة الأفريقية، والمستندة على مبادئ التضامن والتعاون والتنمية المشتركة.

وأشار إلى أن المشاريع الهيكلية المقدمة في إطار هذه المبادرة تطمح إلى إنشاء ممر اقتصادي يربط أفريقيا الأطلسية بنصف الكرة الأرضية الشمالي والغربي، ومنح دول الساحل مسلكا نحو هذا المجال البحري. بدورها، أعربت منسقة الشراكة الأطلسية في وزارة الخارجية الأميركية، جيسيكا لابين، عن شكرها للمغرب على دوره الريادي والتزامه بتعزيز المجال الأطلسي.

وأشادت لابين بمبادرة عقد هذا اللقاء الهام لفائدة السلك الدبلوماسي المعتمد بواشنطن، مشيرة إلى القيم المشتركة التي تعزز بروز هوية أطلسية جماعية، داعية الدول الأعضاء إلى “التعاون الوثيق فيما بينها قصد التغلب على التحديات المشتركة، وكذا اغتنام فرص التنمية المندمجة الكفيلة بضمان استدامة موارد المحيط الأطلسي للأجيال القادمة”.

وأطلقت الولايات المتحدة الأميركية هذه المبادرة، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من سنة 2023، من أجل ضمان شراكة بين الدول المطلة على الواجهة الأطلسية، وكانت البداية بـ31 بلدا من بينها المغرب، من أجل دعم مجموعة من المبادئ المشتركة وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات، وهو ما تضمينه في إعلان اعتمدته الدول الأعضاء.

المشاريع الهيكلية المقدمة في إطار هذه المبادرة تطمح إلى إنشاء ممر اقتصادي يربط أفريقيا الأطلسية بنصف الكرة الأرضية الشمالي والغربي، ومنح دول الساحل مسلكا نحو هذا المجال البحري

كما قررت الدول الأعضاء تنظيم برامج عمل مختلفة عام 2024 حول القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل: التلوث البلاستيكي؛ والأمن الغذائي؛ وأدوات التمويل المبتكرة لحفظ الموارد البحرية للمحيط الأطلسي واستخدامها المستدام. ويقدر البنك الدولي مساهمة المحيط الأطلسي في الاقتصاد العالمي بمبلغ 1.5 تريليون دولار سنويا، ويتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول العام 2030.

وحصل المغرب على دعم لمشروعه القاري من إسبانيا، وذلك من خلال البيان الذي صدر في 21 فبراير الجاري، في ختام زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى المغرب الذي رحب بالمشروع، حيث أعرب “عن إشادته وتأكيده على اهتمام إسبانيا بالمبادرات الإستراتيجية التي أطلقها الملك محمد السادس، خاصة مبادرة البلدان الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، والمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، وكذلك أنبوب الغاز الأفريقي الأطلسي نيجيريا-المغرب”.

وزاد اهتمام المغرب مؤخرا بهذه المنطقة، فإلى جانب المبادرة الأميركية يهدف المغرب إلى هيكلة الفضاء الأطلسي الأفريقي، بإطلاق مبادرة المغرب الأطلسية التي حظيت باهتمام دول الساحل، والتي تتعلق بتوفير المغرب بنيته التحتية من طرق وموانئ على الواجهة الأطلسية لفائدة دول الساحل التي لا تمتلك واجهات بحرية، من أجل إنعاش تجارتها الخارجية، وبالتالي إنعاش اقتصادها المحلي.

وأطلق المغرب في يناير الماضي، حملة استكشاف علمي عبر السفينة البحثية المغربية “حسن المراكشي” لتقييم مخزون الصيد السمكي واستكشاف النظام البيئي البحري في المياه الأطلسية للمنطقة الاقتصادية الخاصة في ليبيريا، كما طلبت كوت ديفوار وغينيا الاستفادة من الخبرات المغربية في هذا القطاع. وهذه الدول الأفريقية الثلاث أعضاء أيضًا في الشراكة الأطلسية، التي أطلقتها الولايات المتحدة في سبتمبر 2023.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: