مسار التقارب المغربي الاسباني يُقرب الرباط من ادارة أجواء الصحراء المغربية
تحاول الحكومة الإسبانية الإسراع باستكمال إجراءات ترتيب زيارة رئيسها بيدرو سانشيز إلى المغرب مطلع العام المقبل، متطلعة إلى المزيد من التعاون المشترك في قضايا متعلقة بالسيادة خصوصا مسألة “ترسيم الحدود البحرية” بين البلدين و”إدارة وتدبير المجال الجوي” فوق الصحراء المغربية استنادا لدعم مدريد مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وفق ما أكدت وسائل إعلام إسبانية.
وكشفت صحيفة “okdiario” الإسبانية نقلا عن مصادر دبلوماسية، أن الحكومة الإسبانية تستعد فعليا لنقل تدبير وإدارة المجال الجوي للصحراء إلى المغرب، موضحة أنه يتم بالفعل التحضير لزيارة رسمية مرتقبة لسانشيز إلى الرباط خلال الأشهر الأولى من عام 2024، وسط أنباء عن “ترتيبات جارية” للقاء “طال انتظاره” بين رئيس الحكومة الإسبانية والعاهل المغربي الملك محمد السادس.
وأوضحت المصادر أن مدريد والرباط يراهنان خلال الزيارة المقبلة لسانشيز على تحقيق نمو اقتصادي عبر الوصول إلى أسواق جديدة، بالإضافة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وعروض السياحة وشبكات الشحن الجوي.
وتواصل العلاقات المغربية الإسبانية مسارها الإيجابي بعد اعتراف مدريد بواقعية وجدية مقترح الحكم الذاتي لحل النزاع المفتعل للصحراء، مقابل تقدير الرباط لموقفها من هذه القضية، بتعزيز التنسيق الأمني المغربي الإسباني وجعل رئيس الحكومة سانشيز في موقف قوة أمام خصومه السياسيين خصوصا مع التحضير لتعاون أبعد عمقا في زيارته المقبلة إلى الرباط.
ويحرص المغرب في أي تعاون دولي على الانطلاق من حقيقة سيادته الكاملة في الأقاليم الجنوبية للمملكة جوا وبرا وبحرا، ويناقش ترسيم الحدود البحرية مع الإسبان في جزر الكناري، وفقا لهذه الحقيقة.
وألـمحت إلى إنهاء الحكومة الإسبانية-بالفعل-تفاصيل أحد العروض التي سيقدمها سانشيز إلى المغرب: تسليم المراقبة الكاملة على المجال الجوي للصحراء، الذي تُديره إسبانيا حاليا بتفويض من الأمم المتحدة، وهو ما يعتبر انعطافة مهمة في إطار استكمال فرض المغرب سيادته على صحرائه برا وبحرا وجوا، وقالت “في الواقع، فإن الرهان كبير يتمثل في المجال الجوي للصحراء المغربية، الذي تُديره إسبانيا حاليًا باعتباره يدخل ضمن خط جوي مهم للشركات التي تربط بين أوروبا وأميركا الجنوبية.
وأكد مصدر دبلوماسي رسمي أن “الإعلان عن موعد الزيارة أصبح وشيكا”، مضيفا أن “المغرب يشترط وضع ملف إدارة المجال الجوي للصحراء على الطاولة” وأشار إلى أن جزءا من مسار متكرر لشركات الطيران التي تغطي المسارات بين أوروبا وأمريكا الجنوبية تتركز بالصحراء المغربية، وعدد كبير من الرحلات الجوية سينتقل إلى أيدي المغاربة بعد زيارة سانشيز المقبلة للرباط.
وتسيطر مدريد على هذا الشريط من مركز المراقبة الجوية في جزر الكناري، وتفرض رسومًا على كل رحلة تمر عبر تلك المنطقة وتتطلب خدمات مراقبي الحركة الجوية، وهذا ما نصت عليه منظمة الطيران المدني الدولي وهي وكالة الأمم المتحدة التي تتعامل مع هذه القضايا.
ولعب اعتراف مدريد بمغربية الصحراء من خلال اعتبار مقترح الحكم الذاتي “الحل الواقعي والوحيد لقضية الصحراء المغربية”، دورا مهما في المسار الجديد للعلاقات بين البلدين وبداية عودة الحياة إلى روابط التعاون، مما أدى إلى التوقيع على مشاريع ضخمة أبرزها التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 وعدد من الشراكات الاقتصادية.
وتأتي أخبار الزيارة المرتقبة لسانشيز إلى المغرب، بينما جدد فيه وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني خوسيه مانويل ألباريس موقف بلاده بشأن قضية الصحراء المغربية.
وقال ألباريس في الندوة الصحفية المشتركة مع وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة إن “موقف إسبانيا من قضية الصحراء لم يتغير وهذا ما تم التعبير عنه بالفعل في الإعلان المشترك المعتمد في 7 أبريل 2022، والإعلان الذي وافق على انعقاد الدورة الثانية عشرة للاجتماع الرفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا في فبراير 2023”. وسلط الضوء على العمل الاستثنائي للمغرب في شؤون الهجرة، مشيرا إلى أن ما يتعلق بارتفاع وصول القوارب إلى جزر الكناري، “راجع بالأساس إلى عدم الاستقرار في منطقة الساحل”.
وتعتبر زيارة ألباريس كتمهيد دبلوماسي واضح لزيارة سانشيز، فالمغرب هو من يقرر الزيارات وظروفها والتوقيت في جميع التحركات المتصلة بقريب أو من بعيد بملف الصحراء المغربية.
ويؤكد محللون أن الموقف الإسباني بخصوص مغربية الصحراء وتأييد مقترح الحكم الذاتي، أدت ّإلى الارتقاء بالعلاقات إلى مستويات من التعاون غير مسبوقة، ووصف سانشيز في تصريحات سابقة علاقة بلاده مع المغرب بأنها “استراتيجية”، مؤكدا أن التعاون الثنائي يشمل جميع المجالات.
وقال رئيس الحكومة الإسبانية في لقاء تلفزيوني مع برنامج “لاسيكستا” على التلفزيون الإسباني أن “المغرب مهم بالنسبة لنا من الناحية التجارية، والوصول الاقتصادي إلى قارة مهمة بحجم إفريقيا والأمن ومكافحة الإرهاب وسياسة الهجرة دون أدنى شك”. وأكد “في هذا الإطار يجب أن أخبركم أن التعاون الذي يجمعنا مع المملكة المغربية إيجابي للغاية”.
وحققت الرباط مجموعة من المكاسب والاعترافات التي أعادت الدول المعنية تأكيدها والتشبث بها في النزاع المفتعل بشأن الصحراء المغربية والأطراف المتورطة فيه، في وقت بدأ فيه الصوت الانفصالي في الخفوت في ظل متغيرات إقليمية ودولية جعلت العديد من الدول تتحلى بواقعية سياسية وبجرأة دبلوماسية للخروج بموقف واضح لا لبس فيه حيال النزاع.
ومن المرجح أن تستمر الرباط خلال العام المقبل في حصد اعترافات دولية جديدة لصالحها، على غرار ما حدث مع كل من إسبانيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى.
وأظهرت الدبلوماسية المغربية من خلال النشاط الجاد والمتوازن والتعامل بمبدأ الواقعية السياسية مع القضايا الثنائية والإقليمية والدولية متعددة الأطراف، أنها تمتلك رؤية دقيقة وتحليلا عميقا وفهما متوازنا للوضع الجيواستراتيجي وطبيعة التوازنات الدولية في عالم يعج بالصراعات والتدافع وتتغير فيه التحالفات وموازين القوى بشكل متسارع وغير متوقع.
لذلك تتجه لحسم هذا النزاع لصالحها مستندة في ذلك إلى حجج تاريخية وقانونية وسياسية قوية وإجماع وطني حول هذه القضية وجعلها مقياسا لتقييم الشراكات الاقتصادية مع الرباط وعلاقاته الخارجية مع عدد من الدول تكريسا للرؤية الملكية في هذا الإطار.