عودة سفير الجزائر إلى مدريد تمهد لطي صفحة القطيعة بين البلدين

عاد الدبلوماسي الجزائري عبدالفتاح دغموم إلى مدريد لشغل منصب سفير بلاده في إسبانيا، وهو ما يمهد لطي صفحة القطيعة التي دامت عاما ونصف العام، بعد إعلان الجزائر في 2022 تجميد العمل باتفاقية الشراكة وحسن الجوار، كرد فعل على انحياز مدريد لمقاربة المغرب في حل نزاع الصحراء المغربية، كما يفتح أفقا جديدا لعودة النشاط الاقتصادي والتجاري بين البلدين الذي فقد نحو ثلاثة مليارات دولار.

وتسير العلاقات الجزائرية – الإسبانية تدريجيا إلى وضعها الطبيعي بعيدا عن الأضواء والتسويق السياسي والدبلوماسي، حيث التحق دغموم، في غضون هذا الأسبوع، بمنصبه الجديد كسفير لبلاده في إسبانيا، الأمر الذي سيطوي نحو عام ونصف العام من القطيعة أحادية الجانب، ويمهد لتطبيع بين الطرفين يعول عليه لمراجعة شبكة العلاقات والمصالح في المنطقة.

وكانت الأزمة الجزائرية – الإسبانية قد ألقت بظلالها على المنطقة، وساهمت في توتر لافت بين الجزائر ومجموعة الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى تعطيل وإرجاء العديد من المواعيد والأجندات الثنائية، بسبب انحياز الاتحاد لصالح إسبانيا باعتبارها عضوا من المجموعة، وترجيحه لكفة التضامن السياسي والاقتصادي على حساب الاتفاقيات الثنائية رغم طابعها الإستراتيجي.

وذكر تقرير لصحيفة “الكونفيدونسيال” الإسبانية بأنه “بعدما يقرب من عامين من التوترات الدبلوماسية والتجارية بين إسبانيا والجزائر، بدأت بوادر التطبيع تظهر إلى العلن، مع وصول السفير الجزائري الجديد عبدالفتاح دغموم إلى مدريد هذا الأسبوع، والذي يمثل خطوة حاسمة نحو استعادة العلاقات الثنائية بين البلدين”.

في المقابل كان تنظيم لأرباب العمل الجزائريين بقيادة رجل الأعمال كمال مولى قد استقبل من طرف السفير الإسباني في غضون شهر ديسمبر الجاري، أين تم الاتفاق بين الطرفين على دعم وتفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، بعد الخسائر التي تكبّدتها خلال عام ونصف العام من القطيعة.

◙ العلاقات الجزائرية – الإسبانية تسير تدريجيا إلى وضعها الطبيعي حيث التحق دغموم في غضون هذا الأسبوع بمنصبه الجديد كسفير لبلاده في إسبانيا

ولم يتم إلى حد الآن (ظهر السبت) الإعلان من طرف الحكومة الجزائرية عن عودة السفير الجزائري إلى إسبانيا، بينما تتابع وسائل إعلام إسبانية بإسهاب تطور الوضع خلال الأسابيع الأخيرة، منذ إخطار الجزائر لإسبانيا بتعيين سفيرها الجديد في مدريد، وطرح الملف سريعا على مجلس الوزراء الإسباني للمصادقة عليه.

ويبدو أن الطرفين، اللذين تضررا كثيرا من القطيعة، لاسيما في المجالين الاقتصادي والتجاري، حيث تكبدت نحو 700 شركة إسبانية من غلق السوق الجزائرية في وجهها بقرار سياسي، خسائر قدرت بثلاثة مليارات دولار، بينما ساهم وقف البضائع الإسبانية بشكل لافت في الندرة والغلاء الذي تعانيه الأسواق الجزائرية، على غرار مواد صناعية وزراعية ومواد خام.

وكانت الجزائر قد قررت في أعقاب الإعلان عن تجميد اتفاق الشراكة وحسن الجوار، وقف العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، بعد التصريح المثير لرئيس الحكومة بيدرو سانشيز، حول دعم بلاده للمقاربة المغربية في حل ملف الصحراء المتنازع عليها بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من طرف الجزائر، وهو ما علق عليه الرئيس عبدالمجيد تبون بالقول “ليس لدينا مشكلة لا مع الملك ولا مع الشعب الإسباني، خلافنا مع الحكومة التي تنصلت من مسؤوليتها التاريخية والسياسية حول الصحراء”.

وهو ما أثار فاعلين في النسيج الصناعي والحرفي الإسباني، حيث ضغطوا على الحكومة، وعلى الاتحاد الأوروبي، من أجل فرض احترام الجزائر لاتفاق الشراكة مع دولتهم ومع الاتحاد الأوروبي، وهو ما رفضته الجزائر التي كانت تراهن على قدوم حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية، لكن بقاء بيدرو سانشيز، دفعها إلى مراجعة أوراقها، خاصة مع الفتور الذي يطبع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.

ودفع ملف الهجرة السرية من الجزائر أو عبرها إلى إسبانيا، نفسه بقوة إلى علاقات البلدين، خاصة وأن السواحل الإسبانية استقبلت في نفس الفترة أعدادا كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين الجزائريين والأفارقة، مقارنة بالفترات الأخرى، ولذلك ينتظر أن يكون أول الملفات المرشحة للبحث مع أول تطبيع رسمي لعلاقات الطرفين.

ومنذ شهر أبريل العام 2022 رفضت السلطات الجزائرية بشكل منهجي قبول إعادة المهاجرين غير الشرعيين الجزائريين الذين تم إنزالهم في إسبانيا والخاضعين لإجراءات الإبعاد من الأراضي الإسبانية، بينما كانت رحلات العودة إلى الوطن تعمل بانتظام بين البلدين قبل إعلان القطيعة.

وترى صحيفة “الكونفيدونسيال” بأنه “من الواضح أن الجزائر امتنعت في الوقت الحالي عن لعب ورقة الضغط من خلال التدفقات، حيث امتنعت عن استخدام هذه الوسيلة المزعزعة للاستقرار حتى في فترات التوترات المتزايدة مع مدريد، فقد واصلت الجزائر تقييد المغادرة غير القانونية عن طريق البحر، دون الاستسلام لإغراء إطلاق العنان لتدفقات الهجرة كوسيلة للانتقام السياسي”. وحسب بيانات إسبانية، فقد وصل 5020 جزائريا سرا إلى شبه السواحل الإسبانية خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2022، مقابل 6520 خلال نفس الفترة من العام 2021.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: