يتبنى المغرب مبادرات وإجراءات ناجعة للتصدي للتضليل الإعلامي بكل قوة واستدامة وشجاعة، لكن في احترام تام لحرية التعبير كمبدأ وطريقة أكاديمية عميقة لابتداع الحلول الملائمة.
ينخرط المغرب في مواجهة مفتوحة مع الأخبار الزائفة، في ظل ما يطرحه انتشارها من تحديات، وتضليل الرأي العام من خلال فبركة الأخبار والمعلومات وتزوير الوقائع والأحداث وما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على حياة الأفراد وعلى أمن واستقرار البلاد، دون أن تمس هذه الحرب من الحريات الإعلامية.
وتتحرك الآلة الإعلامية المناوئة لوحدة المغرب في كل مناسبة أو فعالية دبلوماسية ودولية، بهدف التشويش على ما تحقق من مشاريع تنموية مهمة في البلاد، ما يجعل من محاربة هذه الأخبار ضرورة ملحة على كافة المستويات.
وشددت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، على أن المغرب تبني أوراشا مفتوحة ناجعة للتصدي للتضليل الإعلامي بكل قوة واستدامة وشجاعة، لكن في احترام تام لحرية التعبير كمبدأ، من خلال تحليل الظاهرة بطريقة أكاديمية عميقة لابتداع الحلول الملائمة، مؤكدة أن التضليل الإعلامي أصبح يمتلك سلاسل إنتاج ومسارات للتداول.
وأضافت أخرباش في لقاء مع طلبة جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس، نهاية الأسبوع، أنه يجب الوعي بأن التضليل الإعلامي له كلفته على جميع المستويات، الديمقراطية والمجتمعية والثقافية والاقتصادية، لافتة إلى أن الظاهرة المعنية لها آفاق في المستقبل رغم محاولات التصدي لها من طرف مختلف المجتمعات.
وأصدرت “الهاكا” دليلا بعنوان “محاربة التضليل الإعلامي: مرجعيات وأدوات وممارسات”، يتطرق إلى آليات وأدوات تفكيك الأخبار الزائفة وكيفية التدقيق فيها والتحقق منها.
ويعد هاجس ضمان نزاهة الأخبار من أولويات هيئة التقنين، في ظل قطاع رقمي يتطور بسرعة رهيبة. ويتضمن الدليل “معجما موجزا حول التضليل الإعلامي” وأبرز الخلاصات، فضلا عن قائمة المواد المرجعية التي تم اعتمادها في إعداده.
وأكدت أخرباش، في سياق حديثها عن سبل التصدي للتضليل الإعلامي، على أهمية الاشتغال على ورش الذكاء الاصطناعي وتحصين المجتمع المغربي من أخطار هذه الظاهرة، لافتة إلى أن “التضليل الإعلامي خطير جدا وراهني وآني، والغاية الفضلى للتصدي له هي صون سلامة المعلومة والمعرفة في المجتمعات المعاصرة”، مبرزة أن “المنصات الرقمية العابرة للقارات خلقت داخل جميع المجتمعات فضاء عموميا جديدا، أصبح يتساكن مع الفضاء العمومي العادي”.
وتسعى السلطات عبر اتخاذ إجراءات قانونية لمحاربة التضليل والأخبار الكاذبة والشائعات والاعتداء على الخصوصية عبر الفضاء الرقمي، حيث سن المشرع المغربي مواد قانونية لمواجهتها، إذ تنص المادة 447 – 2 من القانون الجنائي على أنه يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية على كل من قام بأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم.
وبالنسبة للقانون المتعلق بالصحافة والنشر، تنص المادة 72 على أنه يعاقب بغرامة مالية كل من قام بسوء نية بنشر أو إذاعة أو نقل خبر زائف أو ادعاءات أو وقائع غير صحيحة إذا أخلت بالنظام العام أو أثارت الفزع بين الناس بأي وسيلة من الوسائل، ولاسيما بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية.
وهذه المادة ليست موجهة فقط إلى الصحافيين، وإنما إلى أي شخص قام بسوء نية بنشر أخبار زائفة تحققت فيها الشروط القانونية المنصوص عليها في هذه المادة.
ورغم تطور الوسائل الخاصة بتدقيق الأخبار باستمرار في زمن التحول الرقمي والمواطنة المعززة، تؤكد نرجس الرغاي، عضو بالمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، أن الغاية المنشودة تظل واحدة تتمثل في “التربية على الاستهلاك المستنير والنقدي للخبر الذي ينتشر في مواقع التواصل الاجتماعي”، وهو رهان مطروح بقوة و”يكتسي أهمية بالغة”، لاسيما أن الأخبار الزائفة والأنباء الكاذبة والتضليل الإعلامي والمناورة، كلها “ممارسات تشكل خطرا كبيرا على الديمقراطية وحرية التعبير وآليات وسبل وصول الأخبار الحقيقية القائمة على الأحداث المؤكدة والمصادر الموثوقة”.
وربطت أخرباش التضليل الإعلامي بنظريات المؤامرة وآثارها الوخيمة على الفعل الديمقراطي، مشيرة إلى أن خطاب العدمية والتشكيك في الفعل والفاعل العموميين يضعف مقدرة المجتمع على تدبير الشأن الديمقراطي والعمومي، خصوصا وأن التضليل الإعلامي أصبح جزءا من المجال الحيوي التواصلي، مما يجب تدبيره دائما على أساس الحفاظ على الحريات العامة وحرية الوصول إلى المعلومة وحرية التعبير، لكن في الوقت نفسه اعتبار التصدي للتضليل الإعلامي حقا للمواطن المغربي لأن من حقه الولوج إلى إعلام الجودة واحترام المثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتعمل وزارة الشباب والثقافة والتواصل على إطلاق برنامج وطني للتربية على وسائل الإعلام، ولاسيما التربية الإعلامية الرقمية، بغرض تحفيز الحس النقدي والتعريف بتقنيات التحقق من مصداقية المعلومات الرائجة، ضمانا للأمن الإعلامي للمجتمع وتفاديا لكل ما قد تسببه الأخبار الزائفة من أضرار بالنسبة للأفراد والمؤسسات.
المغرب ينخرط في مواجهة مفتوحة مع الأخبار الزائفة، في ظل ما يطرحه انتشارها من تحديات، وتضليل الرأي العام من خلال فبركة الأخبار والمعلومات وتزوير الوقائع والأحداث
ويعتقد عبدالوهاب الرامي، أستاذ باحث في الإعلام والاتصال، أن عالم اليوم فيه الكثير من الأخبار الزائفة التي يتم الترويج لها “دون سبق إصرار” في شبكات التواصل الاجتماعي، أو من طرف بعض وسائل الإعلام الإلكترونية التي ليس لها باع في التحقق من صحة الأخبار، فضلا عن الجري وراء الربح والاستفادة القصوى من سوق الأفكار والمعلومات داخل المجتمع، وأحيانا يصل الأمر حد الارتزاق، فإن “الهاكا” تعزز الدور المفترض لمؤسسات التنظيم المهني في تحصين المهنة من الانزلاقات والأعطاب، سواء على المستوى المهني الصرف أو على صعيد أخلاقيات المهنة التي يعتبرها الرامي “وجدان الصحافة وقلبها النابض”.
وتركز الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري على رصد مدى كلفة التضليل والأخبار الزائفة على الفعل الديمقراطي وحرية التعبير بالمغرب، كون التضليل يفسد الفعل الديمقراطي لاستهدافه حرية ونزاهة العمليات الانتخابية، فيما تغذي الأخبار الزائفة خطاب العدمية والتشكيك في جدوى ومصداقية الفعل والفاعل العموميين.
وشددت أخرباش على الدور المحوري الذي تلعبه هيئات التقنين المستقلة في تعزيز قيم ومبادئ التعددية والتنوع والمساواة والمواطنة في ظل الطفرة التكنولوجية والمهنية التي تشهدها المنظومة الإعلامية، وفي نفس الوقت قناعة الهيئة بضرورة تقوية مكانة التقنين المستقل لوسائل الإعلام بغية ضمان المصلحة العامة داخل الفضاء الإعلامي العمومي مع تعددية التعبير والتماسك الاجتماعي والعيش المشترك والقيم الديمقراطية.
وأكدت رئيسة الهاكا على “تقوية وتعزيز مقدرة الجامعة المغربية على الدراسة والبحث العلمي في سوسيولوجيا الإعلام، وتملك الثقافة الرقمية، والاشتغال على الأوراش المستقبلية، وتقنين الذكاء الاجتماعي، مع إرساء منظومة إعلامية تخدم الحق في الوصول إلى الخبر، وفي الوقت نفسه تحمي المواطن من خطاب الكراهية والتفرقة، وأيضا من الخطابات التي تمس حقوق الجمهور الناشئ والفعل الديمقراطي والعمومي في البلاد”.