الجزائر تحاول اللحاق بنجاحات صناعة السيارات

ينظر خبراء إلى مساعي الجزائر لاقتفاء أثر دول في منطقة شمال أفريقيا، ولاسيما المغرب، في ترسيخ قاعدة قوية لنشاط صناعة السيارات، على أنها مليئة بالتحديات بالنظر إلى أنها تحتاج إلى بناء علاقات وتطوير بيئة الأعمال حتى تكون أكثر جاذبية.

الجزائر – تسابق السلطات الجزائرية الزمن لإعادة إطلاق مصانع لتجميع وتركيب السيارات، وفق تصورات ورؤى جديدة، في محاولة تهدف إلى إصلاح ما أفسدته مشاريع سابقة في عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

وكان تدشين شركة فيات الإيطالية التابعة لمجموعة ستيلانتيس الاثنين الماضي مصنعا لها لتجميع السيارات في وهران غرب البلاد إحدى هذه المحاولة لإعطاء انطباع للمستثمرين بأن مناخ الأعمال مليء بالفرص غير المستغلة وأنه بالإمكان الاستفادة منها.

وجاء افتتاح المصنع، الذي ستبلغ طاقة إنتاجه الأولية 50 ألف سيارة سنويا من أربع طرازات بعد اتفاق أبرم في أواخر العام الماضي بين وزارة الصناعة الجزائرية وفيات، بقيمة استثمارية تصل إلى نحو 200 مليون يورو.

وأكد المدير التنفيذي لستيلانتيس كارلوس تافاريز في حفل الافتتاح “أنجزنا مصنعا في وقت قياسي وهو عام واحد بقدرة إنتاجية تصل إلى 90 ألف سيارة في السنة ما يدل على ثقتنا بالسوق الجزائرية”.

وأضاف أن المجموعة “فتحت 50 معرض بيع يديرها 900 موظف لبيع 9 طرازات من علامتي فيات وأوبل وتم استيراد 75 ألف سيارة فيات و3 آلاف من أوبل” لطرحها في السوق الجزائرية خلال 2023 قبل افتتاح المصنع.

ووعد تافاريز بأن تصل نسبة صناعة أجزاء السيارة محليا إلى 35 في المئة في 2026 بعد إضافة الهيكل المعدني والطلاء “أي سنتين قبل الموعد الذي حددته الحكومة ببلوغ 30 في المئة”.

 

علي عون: مصنع فيات نقطة انطلاق حقيقية للقطاع في الجزائر
علي عون: مصنع فيات نقطة انطلاق حقيقية للقطاع في الجزائر

 

وحضر الحفل وزير الصناعة الجزائري علي عون الذي أوضح أن “المصنع سيبدأ بإنتاج 50 ألف سيارة في السنة ليصل إلى 80 ألف سيارة سنة 2026 مع توفير 1200 وظيفة”، معتبرا أن مصنع فيات “نقطة انطلاق صناعة سيارات حقيقية في الجزائر”.

وعانى السوق الجزائري للسيارات كثيرا من قرار السلطات وقف استيراد السيارات وغلق مصانع التجميع التي كانت حسب الرئيس عبدالمجيد تبون “تكتفي بوضع العجلات فقط” مقابل امتيازات ضريبية كبيرة.

وفي فبراير 2019 أعلنت شركة نيسان اليابانية أنها ستنشئ وحدة لها بالجزائر بتكلفة تقدر بنحو 160 مليون دولار وذلك بالتعاون مع مجموعة حسناوي المحلية.

ومنذ سنوات، يثير ملف السيارات جدلا كبيرا بالبلد النفطي الذي سيطر الفساد على مفاصل اقتصاده، في ظل تجميد توريد المركبات الجديدة منذ 2017، والمستعملة منذ 2005، وفشل مشاريع للتركيب والتجميع التي أطلقت قبل 2019.

وانعكس ذلك بوضوح على عمليات البيع، إذ تقول جمعيات حماية المستهلك إن السوق المحلية تشهد ندرة كبيرة في السيارات الجديدة والمستعملة، وغلاء في الأسعار فاق كل التصورات.

وظلت الشركات الأجنبية العاملة بالبلد العضو في منظمة أوبك تشكو باستمرار من أن القوانين واللوائح تتغير باستمرار وتطبق بشكل غير متساو، وهو ما يزيد من منسوب الأخطار.

كما أن الشركات ورجال الأعمال يخشون المجازفة بالدخول في مشاريع محلية بسبب نقص ضمانات الحقوق القضائية، وطول مسار التقاضي الذي يعدّ من أكبر العقبات في بيئة الاستثمار في البلاد.

وسبق أن قال وزير الصناعة السابق أحمد زغدار إن المشاريع السابقة، في إشارة إلى حقبة بوتفليقة، لم تصل نسبة الإدماج فيها إلى 3 في المئة، واعتبر ذلك أمرا مقبولا. وأكد أن الإستراتيجية الجديدة سترفع نسبة الاندماج مع دخول العام الثالث لها.

ويكشف فشل الجزائر في مشاريع صناعة السيارات على مدار سنوات طويلة بينما كانت جارتاه المغرب وتونس تبنيان قاعدة للتصنيع عن اختلالات قانونية حالت دون تحقيق الإدماج، حيث فتح إجراء استيراد السيارات المجزأة المجال للتجاوزات.

وفي نهاية المطاف أدى هذا الوضع إلى زيادة وتيرة الفساد وتسبب في إغلاق العديد من المصانع وطرد الآلاف من العمالة ليحرم البلد من التقدم في خطته لتنويع الاقتصاد والتخلص من التبعية للنفط.

وأُغلقت مصانع سيارات وسُجن مالكوها وطُرد الآلاف من العمال منها، وتحوّل مشروع بناء مصانع لتجميع السيارات، والذي كان يفترض أن يصبح فخر الاقتصاد الجزائري، إلى إخفاق تام، ما أجبر السلطات على إعادة النظر فيه برمته.

◙ 3 في المئة نسبة اندماج تصنيع السيارات في الاقتصاد وهي قليلة وفق المسؤولين

ولذلك ومع تغير ملامح السلطة منذ الإطاحة بالنظام السابق برزت مساع منذ 2022، ولو أنها تسير ببطء، إلى إرساء صناعة محلية للسيارات انطلاقا من تركة شركات خاصة قامت الدولة بتأميمها استنادا على أحكام قضائية صدرت في حق مالكيها.

وتأتي الخطوة التي ترتكز في جانب رئيسي منها على مواصلة منع وكلاء السيارات من الاستيراد رغم انعكاساتها الكبيرة على القطاع وعلى نشاط المتعاملين وعائدات الخزينة العامة من جباية ورسوم جمركية.

ويقول خبراء إن مسلسل تعثر صناعة السيارات في البلاد بدأ خلال 2014، بأخطاء متتالية لحكومات بوتفليقة، بينما كان المغرب في ذلك الوقت يؤسس لقطاع قوي وباتت الأرقام اليوم تتحدث عن نفسها هناك.

وكانت الانطلاقة بطرح الجزائر لدفتر شروط يتعلق باستيراد المركبات الجديدة التي وجب توفر معايير معينة فيها للسلامة والأمن، ما تسبب في توقف دخول السيارات إلى البلاد لأشهر.

ومع نهاية عام 2015 وفي ظل الصدمة النفطية التي أعقبت أزمة 2014 وتهاوي أسعار الخام، تم إقرار إجراءات في الميزانية تقضي بإخضاع استيراد السيارات الجديدة لتراخيص مسبقة تسلمها وزارة الصناعة، في محاولة للحد من نزيف النقد الأجنبي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: