رفض المجتمع وضغط الأسرة وأعباء الأطفال تحديات تواجهها المطلقات بالمغرب

ماموني

يلعب المجتمع المدني دورا مهما في دعم النساء المطلقات في المغرب، اللواتي يعانين من رفض المجتمع لهن وتحمّلِهن مسؤولية رعاية أطفالهن وحدهن وسط قسوة أسرهن عليهن. وقد نجحت جمعية “حقوق وعدالة” -عبر مشروعها “إدماج النساء المغربيات المطلقات في وضعية صعبة”- في إدماج سيدات وجدن أنفسهن ضائعات بعد الطلاق، حيث ساعدتهن على إنشاء مشاريع مدرة للدخل وأعانتهن على تعلم حرف.

رغم محاولاتهن بناء حياتهن من جديد إلا أن مطلقات مغربيات اعترفن بأن الطريق صعب إثر تعرضهن لمعاناة الابتزاز الجنسي ورفض المجتمع لهن وضغط الأسرة عليهن إضافة إلى تحملهن أعباء الأطفال.

وقالت أعداد من النساء إن الأسرة والمقربين بالمجتمع المغربي ينظران إلى المطلقة على أنها عار وحالة شاذة، وعليها تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال والإنفاق عليهم، ونظرة الشارع الدونية، وهي معاناة مشتركة بين أغلب النساء المطلقات.

ويلعب المجتمع المدني دورا مهما في إيجاد الحلول وتعزيز المشاركة المجتمعية من خلال التوعية، والدفاع عن الحقوق، والمراقبة، والتعاون والشراكة، ولكن في حالات كثيرة يبقى المجتمع المدني عاجزا أمام إيجاد الحلول، ولكن المؤسسات الحكومية تبقى هي المسؤولة عن ذلك.

ولهذا قدمت جمعية حقوق وعدالة مشروع إدماج نساء مطلقات في وضعية صعبة، الذي نجح في إدماج سيدات وجدن أنفسهن ضائعات بعد الطلاق بين تحمل أعباء الأسرة ونظرة المجتمع، وعملت الجمعية على المشروع مدة ثلاث سنوات بدعم من سفارة النرويج بالمغرب.

 

مراد فوزي: مشروع الإدماج يهدف إلى تمكين النساء المطلقات
مراد فوزي: مشروع الإدماج يهدف إلى تمكين النساء المطلقات

 

وتستقبل الجمعية حوالي 200 سيدة مطلقة سنويا، وتمكنت جمعية حقوق وعدالة من مواكبة 36 سيدة رفقة أسرهن باستفادتهن جميعا من دعم نفسي متسلسل، ومواكبة خمس سيدات في فتح مشاريع مدرة للدخل، وتمكين 60 سيدة من التكوين المهني في مختلف التخصصات لإدماجهن في سوق الشغل.

ويقوم المشروع بتطوير الإجراءات المتعلقة بالدعم القانوني والنفسي والاقتصادي للنساء المطلقات أو في مرحلة الطلاق وأسرهن من أجل تسهيل إعادة إدماجهن ضمن أسرهن، فضلا عن الوساطة بين النساء المطلقات وأسرهن بهدف توعية هذه الأخيرة بأهمية دعمها وتحديد احتياجاتها لتعزيز إعادة إدماج المطلقات.

وقال مراد فوزي، رئيس جمعية حقوق وعدالة، إن مشروع “إدماج النساء المغربيات المطلقات في وضعية صعبة” الذي اشتغلت عليه الجمعية بدعم من السفارة النرويجية بالمغرب يهدف إلى تمكين النساء المطلقات اللاتي واجهن رفضًا من الأسرة والمجتمع بسبب وضعيتهن كنساء مطلقات من الدعم اجتماعيا، قانونيا، نفسيا، ثم اقتصاديا، مؤكدا أن المشروع يرتكز كذلك على توعية الرأي العام لرفع التمييز والنظرة الدونية للنساء المطلقات في المجتمع المغربي، مع الترافع من أجل قوانين تكفل المساواة والعدالة في حقوق النساء.

وفي مداخلة له في ندوة حول معاناة المطلقات، أكد مراد فوزي أن قصص النساء المطلقات في وضعية صعبة تتشابه في الغالب من حيث نظرة مهينة تحكم مستقبلهن، وتقلل من فرص ارتباطهن. وغالبا ما يتم التفكير في المطلقة كسبب لفشل زواجها، وأنها غير صبورة أو أنها المتسبب الرئيسي في الانفصال.

وضمن شهادتها أكدت إحدى المطلقات أنها حاولت بعد طلاقها بناء حياتها من جديد بلجوئها إلى البحث العلمي الجامعي، “لكنها صدمت عندما تعرضت للتحرش الجنسي من طرف أستاذ باحث يشرف عليها”، معبرة عن أن “ذلك السلوك يتزايد عندما يعرف المتحرش أن السيدة مطلقة، لأنها بحسبهم صارت لقمة سائغة يسهل الوصول إليها”.

 

أمان الأمين: أغلب المطلقات الوافدات على الجمعية يعشن الاضطهاد
أمان الأمين: أغلب المطلقات الوافدات على الجمعية يعشن الاضطهاد

 

وقالت امرأة أخرى مطلقة “إن الأسرة والمقربين بالمجتمع المغربي ينظران إلى المطلقة على أنها مصدر لجلب العار وحالة شاذة، وعليها تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال والإنفاق عليهم ونظرات المجتمع الدونية”، مشيرة إلى أنها “معاناة مشتركة بين أغلب النساء المطلقات”. واعتبر الأستاذ الجامعي محمد الباكير أن شهادات السيدات المطلقات تحيلنا على “ضرورة تغيير النظرة التي تحط من كرامة المرأة والإيمان بأنها ضامن توازن المجتمع والأسرة”، وأشار إلى “أننا في حاجة إلى مشروع دعم النساء المطلقات في وضعية صعبة”، بينما ذكر الباكير أنه “لا يمكن تغيير القوانين بدون تغيير للعقليات والإيمان بحقوق المرأة”.

وبخصوص واقع الطلاق بالمغرب، أبرز تقرير رسمي صدر مؤخرا عن المندوبية السامية للتخطيط تحت عنوان “المرأة المغربية في أرقام”، أن محاكم المغرب شهدت أكثر من 60 ألف حالة من “طلاق الشقاق” في سنة 2022، لافتا إلى أن “الانفصال للضرر شكّل نحو 99 في المئة من تلك الحالات”.

وأوضح المتدخلون في الندوة أن النساء المطلقات في المغرب، بغض النظر عن انتمائهن الاجتماعي، يواجهن التمييز من طرف المجتمع وأسرهن، التي ترفض بأن تكون بناتهن مطلقات، بالإضافة إلى أن المجتمع يصدر مجموعة من الأحكام عن المرأة المطلقة والتي سبق تجهيزها، حيث تقف المطلقة عاجزة أمام الوسيلة الناجعة لتغيير هذه الأحكام، فتختار عادة أن تصدق أو تتماشى مع هذه الأحكام لتؤمن أنها تشبهها فعلا.

وهناك حالات كثيرة من المطلقات يتم طردهن من بيت الزوجية فيكون مآلهن الشارع رفقة أطفالهن، بعدما يرفض أهلهن استقبالهن. وتقول أسماء عبدالهادي، ناشطة بالمجتمع المدني، إن على الدولة التفكير في هذه الحالات وإيجاد حلول لها مثل العمل على افتتاح أماكن للإيواء، والتي تكون مخصصة لهذه الفئة من النساء وفق شروط معينة، مشيرة إلى أن هناك تجارب يمكن الاستفادة منها.

وأضافت أن العمل على رفع النظرة الدونية عن النساء المطلقات، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الاعتبارات التي لها علاقة بوضعية هذه الفئة من النساء، مؤكدة أن هناك ضمانات قانونية يضمنها المشرع المغربي، ولكن على مستوى التنزيل هناك إشكاليات كبيرة، وأي قانون بدون سياسات عمومية اجتماعية تضمن للنساء ولوج الخدمات الاجتماعية في أبسط الحقوق سيكون قانونا تشوبه مجموعة من المعوقات.

 

النساء المطلقات في المغرب، بغض النظر عن انتمائهن الاجتماعي، يواجهن التمييز من طرف المجتمع وأسرهن
النساء المطلقات في المغرب، بغض النظر عن انتمائهن الاجتماعي، يواجهن التمييز من طرف المجتمع وأسرهن

 

واعتمدت الجمعية على الرسوم الكاريكاتيرية خلال حملاتها التوعوية بالتحديات التي تواجهها النساء المطلقات في وضعية صعبة في مجتمع لا يتقبل طلاقهن، وعرضت جمعية حقوق وعدالة، شهادات صادمة لنساء مطلقات تفيد تعرضهن لمعاناة الابتزاز الجنسي ورفض المجتمع وضغط الأسرة وأعباء الأطفال.

وكمحاولة لإدماج هؤلاء النساء فقد مكن مشروع البرنامج من تقديم المساعدة لـ461 امرأة في وضعية صعبة تمت مواكبتهن اجتماعيا، قانونيا، نفسيا، ثم اقتصاديا، وبحسب معطيات للجمعية، فإن محاميها قدموا المساعدة القانونية بالنظر في 171 ملفا لهؤلاء النسوة.

وساعدت الجمعية في إدماج 30 امرأة في سوق العمل، وكذلك مواكبة 5 نساء في إنشاء مقاولاتهن في ميادين الطبخ والأكل والخياطة والحلاقة والتجميل. كما استفادت 36 امرأة مطلقة في وضع صعب من 74 جلسة عمل جماعية نفسية بالموازاة مع الجلسات والتتبع الفردي مع الأخصائية النفسية.

وأوضحت أمان الأمين، المشرفة على مشروع إدماج النساء المغربيات المطلقات في وضعية صعبة بجمعية “حقوق وعدالة”، أن الجمعية تتضمن مركز استماع للنساء في وضعية صعبة، وأن أغلب الوافدات وبالأخص المطلقات، لوحظ أنهن يعشن الاضطهاد والتمييز من طرف المجتمع الذي يراهن وصمة عار، من هذا المنطلق انبثقت الفكرة وقررت الجمعية عقد شراكة مع السفارة النرويجية للعمل على النساء المطلقات في وضعية صعبة.

وأكدت الأمين أن “في مجتمعاتنا العربية يُلقى حمل الطلاق على ظهر المطلقة وحدها، وكأن الزوج معفى من هذه المسؤولية تماما، فتضطر أحيانا أمام الضغوطات التي يمارسها المجتمع عليها إلى الصبر والصمت والخضوع للعنف للحفاظ على بيت الزوجية”.

وحول أهمية الدعم النفسي للنساء المطلقات، أكدت الأمين أن المرأة المطلقة تواجه العديد من الاضطرابات النفسية بسبب نظرة المجتمع لها، حيث تتعرض للإحباط وتعاني مشاعر الحرمان والتوتر والقلق، مشيرة إلى أن النساء المستفيدات في إطار المشروع تمت مرافقتهن من طرف أخصائية نفسية من أجل إعادة الثقة في النفس، كما استفادت عائلاتهن من الوساطة الأسرية من أجل تقبل المرأة المطلقة، وكذلك الأطفال تمت مرافقتهم، “نعرف مدى تأثرهم نتيجة انفصال الأبوين، لهذا تعتبر المرافقة النفسية مهمة بالنسبة إليهم من أجل تهيئتهم لعيش حياة سليمة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: