المساواة في الإرث تُؤجج المواجهة بين المحافظين واليسار في المغرب

ماموني

أثارت المطالب بمراجعة أحكام الإرث في إصلاح مدونة الأسرة بالمغرب، جدلا بين طيف واسع من أحزاب اليسار والمنظمات ذات التوجه الحداثي من جهة، والتيار المحافظ الذي يضم عددا من الفئات السياسية والمنظمات المدنية، التي ترى أنه لا يوجد دافع للجدل حول الملف المحسوم من طرف نصوص الشريعة الإسلامية.

وقال عبدالإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ضمن كلمته في ملتقى نساء العدالة والتنمية بجهة فاس – مكناس مساء السبت، “إذا كنا مسلمين فالله هو الذي قسم هذا، وإذا خرجنا عن هذا المبدأ سنصطدم بنص القرآن، وهذا سيؤدي إلى فقدان النساء لإخوانهن، لأنهم سيشعرون بأنهن نزعن منهم حقا خوّله لهم القرآن”، وبالرغم من إقراره بأن هناك نساء يعلن أسرهن، فإن بنكيران اعتبر أن هذا ليس مبررا لإقرار المساواة في الإرث.

وأكد أن حزبه يرفض المساواة في الإرث كما تطالب بذلك جمعيات حقوقية، مشددا على أن “التعصيب يجب أن يبقى، ولكنّ المرأة (أرملة الزوج المتوفى) لا تشرَّد، بل يحكم لها القاضي بما يضمن لها سكنا إلى أن تكبر بناتها”.

ويُعنى بـ”التعصيب”، الإرث غير المقدر مقابل الإرث بالفرض المقدر لأصحاب الفروض.

 

شريفة لموير: الاجتهاد البناء هو بمثابة إيقاف أي مزايدة سياسية

في المقابل ترى فيدرالية اليسار الديمقراطي أن المساواة في الإرث بين الجنسين، باتت ضرورة ملحة، في ظل تساوي المهام بين الرجل والمرأة وتطور المجتمع، وأن حق المرأة في الحصول على نصيب مساو لما يحصل عليه الرجل من التركة.

وتتفق مع هذا التوجه رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء سميرة موحيا، حيث أكدت أن “منظومة الإرث المطبقة بالمغرب، لم تعد ملائمة للقرن الواحد والعشرين”.

فيما اعتبرت حنان رحاب، رئيسة منظمة النساء الاتحاديات، (تابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي)، أن “بعض أحكام الإرث لا تستند على نصوص دينية قطعية الثبوت، وقطعية الدلالة، بل هي من الظنيات، وهي اجتهادات بشرية اكتسبت بمرور الزمن رغم تغير السياقات ما يشبه الإطلاقية”، وطالبت بإعادة النظر في بعضها بما ينسجم مع روح الإسلام وسياقات العصر وغايات الإنصاف.

أما حزب الاستقلال (محافظ) فيرفض أي إصلاحات تهم موضوع الإرث وأن المساس بالأحكام القطعية للإرث خط أحمر، حسبما عبرت عنه القيادية خديجة الزومي، رئيسة منظمة المرأة الاستقلالية، وترى قيادة الحزب المشارك في الحكومة أن “الإصلاحات أو التعديلات المرتقبة ينبغي أن تكون في إطار المرجعية الإسلامية والدستورية للمجتمع”، محذرة من “محاولات فرض بعض الأمور المنافية لقيم المجتمع”.

في المقابل، يلح حزب الأصالة والمعاصرة، (حداثي)، على المساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بين المرأة والرجل، خصوصا وأن مقاصد المدونة تروم تعزيز هذه الحقوق لمكونات الأسرة المغربية منها الإرث على قدم المساواة.

وقالت شريفة لمويير، الباحثة في العلوم السياسية، إن “الاختلاف حول هذا الموضوع قد يكون بلمسة سياسية من خلال جزء من التيار المحافظ (العدالة والتنمية)، لمحاولة استمالة المواطنين واللعب على عواطفهم أكثر من أن يكون اختلافا جوهريا”.

وأضافت أن “استمرار هذا الجدل من داخل أحزاب يسارية فيه نوع من المزايدة السياسية البعيدة عن منطق الارتقاء بمدونة الأسرة وتحيين مضامينها”.

وأكدت شريفة لموير أن “ما لا يجب إغفاله أن برامج الإصلاح الذي تعرفه مدونة الأسرة جاء بمبادرة ملكية دون المساس بالمسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية وأن يتم ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي، لهذا فالاجتهاد البناء هو بمثابة إيقاف أي مزايدة سياسية من أي اتجاه محافظ أو يساري وبوازع ضامن لهذا التوازن الذي يُطمح له”.

وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس، قد أكد على ضرورة إعادة النظر في مدونة الأسرة، التي مكنت من إفراز دينامية تغيير إيجابي، من خلال منظورها للمساواة والتوازن الأسري وما أتاحته من تقدم اجتماعي كبير، وذلك بهدف تجاوز بعض العيوب والإخلالات، التي ظهرت عند تطبيقها القضائي.

فيدرالية اليسار الديمقراطي ترى أن المساواة في الإرث بين الجنسين، باتت ضرورة ملحة، في ظل تساوي المهام بين الرجل والمرأة وتطور المجتمع

وأكد محمد عبدالنباوي، منسق الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في تصريحات صحفية، أن “الهيئة استمعت إلى 21 حزبا سياسيا وست مؤسسات رسمية، إلى جانب عشر جمعيات مهتمة بحقوق الإنسان، وأن الجميع حريصون في اقتراحاتهم على ضمان استقرار الأسرة وصلاحها ويسعون إلى تمكينها من قانون يحميها من الأزمات التي قد تنتج عن التفكك”.

ويرى المطالبون بإلغاء “التعصيب” أن قانون المواريث يعطي الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان الوريث الوحيد، في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدّرا معلوما يسمى فرضا، مما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيق ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين من إخوة وأبناء إخوة وأعمام وأبناء عم وإن بعدوا.

وكنوع من المهادنة في ما يخص النقاش حول الإرث، تقول حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية، أنها لا ترى مانعا من النظر في بعض أحكام الإرث الخلافية في إطار المرجعية الإسلامية بما يحقق العدل، موضحة أن “النظر الشرعي يتيح خيارات تروم إيجاد حلول لبعض الحالات الاستثنائية المرتبطة بالتعصيب، من قبيل حالة شخص له زوجة، وبنات صغيرات وليس له ولد ذكر، وقدّر أن ما يُخلّفه لا يفي بحوائجهم عند اقتسام تركته”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: