قصر المرادية يراهن على استثمار منجمي ضخم لاسترضاء السكان المحليين

كسر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تجاهلا رسميا للجنوب استمر عقودا، بزيارة عمل وتفقد إلى محافظة تندوف (أقصى الجنوب الغربي) هي الأولى من نوعها منذ الاستقلال، مما جعلها تنطوي على رسائل ودلالات سياسية واجتماعية، خاصة أن للمحافظة أهمية من حيث المصالح الإقليمية والإستراتيجية للبلاد بالإضافة إلى احتضانها اللاجئين الصحراويين وبوليساريو الانفصالية.

وخلق تهميش الشأن الاجتماعي والاقتصادي للمحافظة حالة من الاحتقان الشعبي الصامت لدى سكان الشريط الحدودي، لذلك جاءت التفاتة تبون برصد استثمار حكومي ضخم لخلق فرص الشغل ودعم التنمية المحلية وتطوير الخدمات، كنوع من استرضاء السكان المحليين وتنفيس الاحتقان الذي يعيشونه.

وراهنت الحكومة على مشروع منجم الحديد في غار جبيلات، بالشراكة مع شركات صينية، من أجل بعث حركة تنموية في الشريط الحدودي، من خلال مباشرة عملية الاستغلال في المنجم، ومشروع خط سكة حديد يمتد على مسافة 950 كيلومترا بين المنجم ومحافظة بشار أين يتم تشييد مصنع للمعالجة، ثم توجيهه على سكة حديد جاهزة طولها 800 كيلومتر، بغرض التصدير عبر ميناء وهران.

◙ الحكومة تراهن على خط السكة الحديد بشار – تندوف – غار جبيلات، لفتح آفاق تنموية واعدة من أجل تثمين الثروات المنجمية في المنطقة

وظل المشروع معطلا منذ عدة عقود بسبب الشكوك التي حامت حول عمليات التحليل ودراسة الجدوى الاقتصادية، ولم تتوفر الإرادة السياسية لاستغلاله إلا بداية من عام 2020، في إطار رهان الحكومة على قطاع المناجم لدفع عجلة التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر دخْل البلاد.

ورغم كلفة المشروع الباهظة والشكوك التي تحوم حول الجدوى الاقتصادية، قياسا بالمسافة الطويلة بين مكان المنجم وميناء التصدير (1600 كيلومتر)، تصرّ القيادة السياسية للبلاد على إنجازه، في محاولة لتحسين وجه الشريط الحدودي وتغيير انطباع السكان الذين ترسخت في أذهانهم فكرة أن اهتمام السلطة مركز على الجوانب الأمنية والعسكرية وعلى لاجئي بوليساريو، في حين يقابَل الشأن الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي للسكان بالإهمال.

وتعد زيارة الرئيس تبون إلى تندوف هي الأولى من نوعها لرئيس دولة جزائري، مما خلق حالة من الغضب والاستياء الصامت لدى سكان الشريط الحدودي، وراكم لديهم مشاعر الإقصاء والتمييز بين أبناء الجنوب والشمال، حيث بات ذلك جليا في خطاب ناشطين محليين، يناضلون من أجل تحقيق ما يرونه “مساواة وتوازنا بين سكان وربوع البلاد”.

وتزايدت مظاهر الاحتجاج في الشريط الحدودي الجنوبي منذ العشرية الماضية، فتأسست جمعيات وبرز ناشطون مستقلون في مدن وبلدات مختلفة، من أجل الدفاع عن حق السكان في العمل وشغْل المناصب والحصول على الخدمات الصحية والتعليمية، خاصة في المناطق المعروفة بإنتاج واستغلال النفط والغاز. ورغم ما تبذله الحكومة من جهود لاحتواء الموقف مازال هؤلاء غاضبين مما يرونه “استحواذ سكان الشمال على فرص الشغل في شركات النفط على حساب السكان المحليين”.

وسبق لسياسيين ونواب برلمانيين أن رافعوا من أجل ضرورة اهتمام السلطة المركزية بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية لسكان الشريط الحدودي خاصة الجنوبي منه، باعتبار أن “الأمن الإستراتيجي يتحقق بالاستقرار الاجتماعي ومراعاة الظروف الجغرافية وخصوصيات المنطقة، وليس بالتركيز على الأسلاك الأمنية والعسكرية فقط، وأن التكامل بين جميع القطاعات هو صمام الأمان الوحيد للأمن الإقليمي”، وهو ما يبدو قد التفتت إليه السلطة أخيرا، بإطلاق مشروع ضخم وبكلفة باهظة من أجل استرضاء السكان المحليين.

ووصفت وكالة الأنباء الرسمية إطلاق مشروع منجم غار جبيلات بـ”الإستراتيجي” لفائدة المحافظة الحدودية، واستعرضت بالتدقيق “إشراف رئيس الجمهورية على وضع حجر الأساس لمشروع مصنع المعالجة الأولية لخام الحديد المستخرج من منجم غار جبيلات، تثمينا للمنجم الذي يعد من بين الأضخم في العالم من حيث الاحتياطيات، إذ تقدر بنحو 3.5 مليار طن من خام الحديد فيما تبلغ قدرات إنتاجه 2 إلى 3 ملايين طن سنويا كمرحلة أولى (2022 – 2025)”.

◙ تهميش الشأن الاجتماعي والاقتصادي للمحافظة خلق حالة من الاحتقان الشعبي الصامت لدى سكان الشريط الحدودي

ونقلت عنه تأكيده على “أهمية إنجاز مدينة منجمية حول منجم غار جبيلات، وضرورة الانطلاق الفوري في إنجاز مركب الصلب ببشار، فضلا عن توفير كافة الخدمات والمرافق، على غرار الكهرباء وشبكة المياه لقاعدة الحياة وللسكان مستقبلا في إطار مدينة منجمية بأتم معنى الكلمة”.

وحسب المجمع الصناعي المنجمي “سوناريم”، فإن “المشروع المندمج لمنجم غار جبيلات، وعلاوة على مساهمته المرتقبة في خلق 25 ألف منصب عمل مباشر و125 ألف منصب غير مباشر، سيعرف تشييد مرافق سكنية واجتماعية بما فيها تلك الخاصة بالمدينة المنجمية لغار جبيلات”.

ولفت الرئيس الجزائري إلى أن إنجاز مصنع بشار للصلب وقضبان السكك الحديد والهياكل المعدنية يجب أن ينطلق من الآن لكي تكون هذه المنشآت في الموعد خلال سبتمبر 2026، وأن مشروع غار جبيلات يمثل بشرى لمنطقة الجنوب الغربي، قياسا بالتطور الكبير الذي ستشهده صناعة الحديد والصلب في الجزائر.

وخلال وضعه حجر الأساس لمشروع إنجاز خط السكة الحديد بشار- تندوف – غار جبيلات على مسافة 950 كيلومترا شدد الرئيس تبون على “ضرورة احترام آجال إنجاز هذا المشروع الضخم المحددة بـ30 شهرا، وأن مستقبل الجزائر مرتبط بمنجم غار جبيلات الذي سيوفر 3 مليارات دولار وهي قيمة استيراد مادة الحديد”.

وتراهن الحكومة على خط السكة الحديد بشار – تندوف – غار جبيلات، لفتح آفاق تنموية واعدة من أجل تثمين الثروات المنجمية في المنطقة، ويأتي ضمن ما يعرف بالخط المنجمي الغربي الذي يعد مشروعا إستراتيجيا ضخما وبنية تحتية لتثمين واستغلال واحد من أكبر مناجم خام الحديد في العالم.

وقد لُوحظت مرافقة قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة للرئيس تبون في زيارته إلى المحافظة، واتضح فيما بعد أن قوات الجيش ستساهم في المشروع بتوفير معداتها وإمكانياتها اللوجستية، بما في ذلك طائراتها ومروحياتها في حركة تنقل اليد العاملة بين نقاط المشروع خلال مرحلة التشييد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: