مد هستيري متصاعد في أوروبا ضد الهجرة

جوناثان

حزب يميني متطرف في هولندا يفوز في الانتخابات العامة بمقاعد أكثر من أي مجموعة سياسية أخرى. هجوم بسكين خارج مدرسة في دبلن يشعل أعمال شغب ونهب تنفذها عصابات يمينية. أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوغوف في المملكة المتحدة يكشف عن ارتفاع الدعم لحزب الإصلاح اليميني.

الهجرة هي الموضوع المشترك في كل هذه القصص الإخبارية. وهو ما يصعد بالموضوع إلى قمة الأجندات السياسية في جميع أنحاء أوروبا، ويهدد بتحويل الديمقراطيات الليبرالية إلى معاقل للتعصب.

لكن علينا أن لا نخطئ بالاعتقاد أن الأمر يتعلق بالهجرة “غير الشرعية” بل بكل وضوح وبساطة تقف خلف هذا الاتجاه في حقيقة الأمر دوافع عنصرية.

قد يكون من المناسب لحكومة المملكة المتحدة أن تثير قضية “وقف القوارب” التي تعبر القناة الإنجليزية. لكن الأعداد المعنية ضئيلة مقارنة بعدد المهاجرين القادمين إلى المملكة المتحدة بشكل قانوني، للدراسة أو للعمل في الطب والتمريض وخدمات الرعاية الصحية والاجتماعية. حيث يتعرض حتى الطلاب لحملات الكره والعداء.

◙ يمكن إرجاع جذور كل الاضطرابات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي ساهمت في إثارة مشاكل الهجرة في أوروبا إلى التدخل الأوروبي في المنطقة الذي يعود تاريخه إلى الحرب العالمية الأولى

خلال السنوات الأخيرة شهدت المملكة المتحدة عددا قياسيا من الطلاب القادمين من خارج الحدود، يجلبون معهم ملايين الجنيهات الإسترلينية للجامعات التي تفرض رسوما أعلى بكثير على الطلاب الأجانب مقارنة بنظرائهم البريطانيين، ويساهمون بذلك بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ويستقر البعض منهم في البلاد بعد التخرج إذا نالوا وظيفة ويدفعون الضرائب للخزينة.

لكن السياسيين اليمينيين يطالبون الآن بمنع هؤلاء الطلاب من إحضار عائلاتهم للعيش معهم.

يمكن القول إن أوروبا تسير بأعين مغمضة نحو عصر مظلم، سيكون أسوأ من أهوال خسارة أرواح ما يزيد عن 70 مليون شخص خلال الحرب العالمية الثانية خلال جهود تخليص العالم من الأيديولوجية السرطانية العنصرية التي تبناها النازيون.

لكن سوء الفهم يشكل أساس المد المتصاعد من هستيريا الهجرة في أوروبا، الظاهرة التي يقف خلفها انخفاض معدلات المواليد الجدد في القارة، حيث يشكل المهاجرون في المملكة المتحدة خاصة جزءا كبيرا من القوى العاملة، بما في ذلك في الطب والتمريض. لكنهم يشغلون الوظائف منخفضة الأجر أيضا.

وفي نفس الوقت يروج السياسيون اليمينيون للمسار الكاذب القائل بأن المهاجرين يسرقون وظائفهم ومساكنهم، ويعرقلون نظامهم الصحي. ويرددون الادعاء الأكثر شرا والقائل بأنهم “يغيرون شكل بلدنا أمام أعيننا”.

هذا الاقتباس التحريضي الأخير يرجع إلى ريتشارد تايس، المطور العقاري البريطاني الثري الذي أسس حزب بريكست ويتزعم الآن حزب الإصلاح الذي يخلفه. ويقول إن بريطانيا “مكسورة” و”تحتاج إلى صافي هجرة صفري”. ويرى أن حكومة المحافظين “خانت تماما” الشعب البريطاني لأن الهجرة إلى المملكة المتحدة بلغت مستوى قياسيا.

◙ في أيرلندا تجمعت حشود مناهضة للمهاجرين الأسبوع الماضي إثر حادث طعن شمل خمسة أشخاص، من بينهم فتاة تبلغ من العمر خمس سنوات

صحيح أن الهجرة إلى المملكة المتحدة بلغت مستوى قياسيا، ولكن الاقتصاد البريطاني كان سينهار لو لم يحدث ذلك.

الأحزاب السياسية التقليدية الأكثر عقلانية في مختلف أنحاء أوروبا تواجه مأزقا في حال تجاهلت مد الهستيريا العنصري المتصاعد، ما قد يرغمها على الرضوخ لإرضاء المد الشعبوي.

حكومة المحافظين هي الأخرى تتعرض للانقسام في المواقف بسبب الروايات المتنافسة بين أعضاء البرلمان الوسطيين القلائل المتبقين في الحزب المحاصر، والمتطرفين مثل وزيرة الداخلية التي أقيلت مؤخرا سويلا برافرمان، وهي مهندسة السياسة الغريبة الداعية إلى إبعاد مهاجرين وشحنهم بالقوارب إلى رواندا.

وفي هولندا انهارت حكومة ائتلافية مكونة من أربعة أحزاب في يوليو لعدم توصلها إلى اتفاق حول إجراءات السيطرة على تدفق المهاجرين. وصعد اليميني المتطرف خيرت فيلدرز في خضم الفراغ الأخلاقي. وهو سياسي يفتقر إلى المنطق ويتعالى صوته عن “تسونامي اللجوء والهجرة”. وتعهد “بحظر” القرآن، وإغلاق حدود البلاد وتحقيق “نيكست”، وهي نسخة هولندية من بريكست.

هذا النفور المتزايد من الأجانب غير الأوروبيين يعد أمرا مضحكا نوعا ما، حيث يعتبر نتيجة مباشرة للاستعمار الذي فرضته الدول الأوروبية مثل المملكة المتحدة وهولندا على العالم لقرون.

لكن مثل هذه الحقائق لا تؤثر على المشهد الخيالي الذي يشغله أشخاص أمثال فيلدرز.

وهنا تبرز مزايا التنوع الثقافي وتتعدد بحيث لا يمكن حصرها، في مواجهة عنصرية السياسيين اليمينيين واختيارهم تقديم التعددية الثقافية باعتبارها تهديدا وليست مصدر قوة.

◙ قد يكون من المناسب لحكومة المملكة المتحدة أن تثير قضية “وقف القوارب” التي تعبر القناة الإنجليزية. لكن الأعداد المعنية ضئيلة مقارنة بعدد المهاجرين القادمين إلى المملكة المتحدة بشكل قانوني

وفي أيرلندا تجمعت حشود مناهضة للمهاجرين الأسبوع الماضي إثر حادث طعن شمل خمسة أشخاص، من بينهم فتاة تبلغ من العمر خمس سنوات، خارج مدرسة ابتدائية في دبلن، لتؤكد الشرطة سرعة انتشار “الافتراضات المقيتة” بأن المهاجم مواطن أجنبي. ونزل البعض إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم للأجانب من خلال تخريب المتاجر الأيرلندية ونهبها.

ومن المفارقات أن الرجل الذي خاطر بحياته لإنقاذ الضحايا الجرحى كان مهاجرا من البرازيل، يوصل الوجبات السريعة للمنازل وهو أب لطفلين.

من المؤسف أن نشهد تحول أوروبا شيئا فشيئا تحت تأثير من يسلّطون الضوء على الاختلافات بدلا من أوجه التشابه بيننا، في محاولتهم الخبيثة للاستيلاء على السلطة.

يمكن إرجاع جذور كل الاضطرابات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي ساهمت في إثارة مشاكل الهجرة في أوروبا إلى التدخل الأوروبي في المنطقة الذي يعود تاريخه إلى الحرب العالمية الأولى.

ويكمن التحدي الذي يواجهه الساسة المعتدلون في أوروبا في الاعتراف بهذا التاريخ، وبالتمسك واحترام ومكافحة الروايات الكاذبة التي يروج لها المتطرفون بدلا من تصديقها.

وللأسف، لا يبدو أن هناك حتى الآن من هو قادر على الارتقاء إلى مستوى هذا التحدي، بينما تنزلق أوروبا إلى عصر مظلم على المستوى الأخلاقي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: