جدل في المغرب حول آليات التصدي لهجرة الأطباء

تباين في الآراء بين من يدعو إلى العودة لاعتماد “آلية الخدمة الإجبارية” وبين مطالب بتحسين الرواتب والمعدات اللوجستية في المستشفيات المغربية

عاد الجدل في المغرب بشأن الآليات الكفيلة بالتصدي لهجرة الأطباء بين من يدعو إلى العودة لاعتماد “آلية الخدمة الإجبارية” وبين مطالب بتحسين الرواتب والمعدات اللوجستية في المستشفيات المغربية. ويعاني المغرب على غرار تونس وعدة دول أخرى من هجرة الأطباء المباشرين وحتى المتربصين إلى الدول الأوروبية والخليجية، فيما يقول مراقبون إن المغريات المالية تعتبر الحافز الأهم لارتفاع نسب مغادرة الأطباء لبلدانهم.

وكان موضوع النقص في الأطباء والممرضين وهجرة الكفاءات الطبية المغربية إلى الخارج محط مداخلات المستشارين البرلمانيين خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية بداية الأسبوع الجاري بمجلس المستشارين. وأعاد مستشارون برلمانيون إثارة مشروع “الخدمة الإجبارية” للأطباء الذي أثار توترا في ظل الحكومة السابقة ولم يتم اعتماده، حيث اعتبروه حلا من الحلول للتصدي للنقص الكبير في الموارد البشرية بقطاع الصحة.

 

محمد زيدوح: اعتماد الخدمة الإجبارية للأطباء لأكثر من سنتين ضرورة
محمد زيدوح: اعتماد الخدمة الإجبارية للأطباء لأكثر من سنتين ضرورة

 

وأكد البرلماني محمد زيدوح ضرورة اعتماد “الخدمة الإجبارية” للأطباء لأكثر من سنتين، مشيرا إلى أنه كان سيتم إقرار هذا المشروع لكنه تمت محاربته بالإضرابات، وتوقف العمل به، وليس لأن الدولة لا تريده، مضيفا أنه “يجب إلزام كل طبيب في السنة الرابعة وتبقت له سنتان للتخرج بأن يعمل على الأقل لمدة سنة في إقليم معين”.

ومن جهته شدد يوسف آيدي رئيس الحزب الاشتراكي بمجلس المستشارين على أن هدر الطاقات الطبية وهجرتها إلى الخارج يدعوان إلى التفكير في فرض حد أدنى من الخدمة الإجبارية في القطاع العام، مؤكدا أنه “لا يمكن لبلادنا أن تصرف المال العام من أجل تكوين طبيب وغدا يهاجر إلى الخارج”.

وسبق للتنسيقية الوطنية لطلبة الطب بالمغرب القيام بالاحتجاج واعتصامات ومسيرات وطنية ومقاطعة للدراسة والتدريبات الاستشفائية ضد هذا المقترح عقب إعلان وزير الصحة السابق الحسن الوردي عودة الخدمة الصحية الإجبارية، معلنة عن رفضها القاطع لأي محاولة لإعادة فرض مشروع الخدمة الإجبارية. وفيما يرى فريق أن الخدمة الإجبارية حل لوقف نزيف هجرة الأطباء، يرى آخر أن ذلك ليس حلا ولن يأتي بالنتائج المرجوة.

وأكد البروفيسور الطيب حمضي الباحث في السياسات والنظم الصحية لـه أن “التفكير في إثارة النقاش حول إجبارية الخدمة الطبية لسنتين من أجل حل مشكلة نقص الأطباء في المغرب حل خاطئ لمشاكل حقيقية، كون الخدمة الإجبارية لم تكن حلا أبدا إلا في حالة توجيه الطبيب إلى المناطق المهمشة بشرط تواجد طواقم طبية متوفرة بالعدد المطلوب ونشجعهم على ذلك”.

وشدد حمضي على أن الخدمة الإجبارية ستدفع الأطباء أكثر إلى الهجرة ، مشيرا إلى أن 70 في المئة من طلبة السنة الدراسية الأخيرة يهاجرون إلى الخارج عندما يذهبون للاستفادة من التكوين فيحصلون على الدبلوم مباشرة من الدولة التي هاجروا إليها.

وأورد أن النقص في عدد الأطباء كبير جدا بالمغرب والحل هو تكوين المزيد من الأطباء بالموازاة مع تحسين الأجور والتعويضات والتكوين وإعادة الاعتبار لمكانة الطبيب داخل المجتمع وتحسين ظروف العمل.

وترى شريفة لموير أستاذة العلوم السياسية بجامعة الرباط أن اعتماد الدولة لهذا الحل لمواجهة هدر الطاقات الطبية وهجرتها إلى الخارج ليس حلا مبتكرا للأطباء، إذ سيحمل معه موجة كبيرة من الاحتجاجات كتلك التي شهدتها شوارع المملكة في عهد الحكومة السابقة، نظرا لحساسية هذا الموضوع.

 

الطيب حمضي: إجبارية الخدمة الطبية حل خاطئ لمشاكل حقيقية
الطيب حمضي: إجبارية الخدمة الطبية حل خاطئ لمشاكل حقيقية

 

وقالت في تصريح لـه إنه حتى مع اعتماد هذا المشروع فلن يمنع من هجرة الكوادر الطبية بعد استيفائها للخدمة الإجبارية، لذلك فالدولة مطالبة باعتماد مقاربة تحفيزية مع الكوادر الطبية من أجل التصدي لهجرة الطاقات الطبية إلى الخارج.

ويقدر النقص في المغرب بـ100 ألف بين أطباء وممرضين. واستحدثت الحكومة المغربية ضمن خطّتها الصحية 5500 منصب جديد، لكن محللين يقولون إن الإجراء جاء لتعويض الذين سيحالون على التقاعد، وتأثيره على نقص الكوادر الطبية ضئيل جدا.

بدورهم، أوضح طلبة الطب بالمغرب أن الحل لا يكمن في إرسال طبيب صوب القرى والمناطق النائية دون معدات وتجهيزات، ولن يستطيع الطبيب أن يقدم أي خدمة للمرضى، وكل ما سيقوم به هو توجيهُهم صوب المستشفيات الإقليمية والمراكز الاستشفائية الجامعية، مشيرين إلى أنهم لا يرفضون فتح النقاش مع كل الجهات المسؤولة للمشاركة في إيجاد حل معقول لمشكلة نقص الموارد البشرية في قطاع الصحة، على ألا يقوم على الإجبار ويراعي الاحتياجات الإنسانية للطبيب وحقوقه التي كفَلَها له القانون.

وتطالب التنسيقية الوطنية لطلبة الطب بالمغرب بزيادة المخصصات المالية لقطاع الصحة العمومية، وضمان الحق في التكوين المستمر، وباقي الحقوق المشروعة للطبيب، بالإضافة إلى توفير التجهيزات الطبية اللازمة لرفع التهميش عن المناطق النائية تفادياً لوقوع الحوادث الإنسانية الكارثية.

وأكدت لموير أن الأولوية ليست للخدمة الإجبارية للأطباء بقدر إيلاء أهمية أكثر للبنيات التحتية واللوجستيك بالمستشفيات التي تستقبل المواطنين المغاربة، والمناطق التي لا تتوفر على مستشفى، لذلك الأجدى هو دفاع البرلمانيين أغلبية ومعارضة عن استدراك الخصاص الحقيقي في القطاع الصحي، ومن ثم الحديث عن آليات تهم التعامل مع الموارد البشرية وتجهيز بنيات استقبال طلبة الطب في مدرجات الكليات أو في المصالح الاستشفائية.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: