الرباط تسعى لخلق جبهة إعلامية موحدة للتعاون ضد المعلومات المضللة في الدول المغاربية

ماموني

يجمع المغرب متخصصين ومهنيين في الإعلام من الدول المغاربية لطرح رؤاهم بخصوص تعاون إعلامي إقليمي لمواجهة أهم تحديات وسائل الإعلام وهي الأخبار المضللة ومستقبل الصحافة في عصر التطور التكنولوجي.

تواجه البلدان المغاربية تحديات متقاطعة في مجال الإعلام، ويسعى المغرب لخلق جبهة موحدة للتعاون بين وسائل الإعلام في المنطقة ضد المعلومات المضللة، ويواصل العمل للإسهام في بناء مستقبل إعلامي أكثر قوة ونزاهة.

وجمع المغرب متخصصين ومهنيين من الدول المغاربية لمناقشة التحديات التي تواجه وسائل الإعلام ومستقبل الصحافة في عصر التطور التكنولوجي، وواقع حرية الصحافة في المنطقة إضافة إلى النموذج الاقتصادي للمؤسسات الإعلامية ورهان الاستدامة والاستقلالية التحريرية.

واعتبر المشاركون في المنتدى المغربي للصحافيين الشباب أن التحول الرقمي وظهور التقنيات الجديدة يغنيان النقاش بشكل متزايد، وقد أدت الرقمنة إلى تفاقم التحدي المتمثل في المعلومات المضللة، مع الانتشار السريع للأخبار الزائفة، الأمر الذي يتطلب من وسائل الإعلام المزيد من اليقظة.

 

إيريك فالت: البلدان المغاربية تواجه تحديات متقاطعة ويمكن أن يستفيد كل منها من خبرة الآخر وممارساته الجيدة

وأكدوا على دور وسائل الإعلام باعتبارها تجسد نموذجا يضمن النشر الفعال للمعلومات على الرغم من الأزمات، مما يعزز أهميتها في المشهدين الاجتماعي والسياسي المغاربيين.

واستحضر سامي المودني رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب خلال الجلسة الافتتاحية، الجمعة، ما جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلى أسرة الصحافة والإعلام بمناسبة اليوم الوطني للإعلام الذي يصادف 15 نوفمبر، حيث أكد فيها العاهل المغربي الملك محمد السادس على “دور الصحافة في البناء الديمقراطي، وعلى تكريس حرية التعبير بوصفها سبيلا لنهوض صحافة جيدة وتطورها”، معتبرا أن “خطوة تشكيل هولدينغ إعلامي فرصة للمغرب من أجل تعزيز التعددية السياسية وتيارات الفكر والرأي والتنوع الثقافي في الإعلام العمومي”.

وإضافة إلى النهوض بالإعلام المحلي، يسعى المغرب للمشاركة الفعالة والتعاون بين وسائل الإعلام لتبادل التجارب والتعاون في ما بينها خصوصا في الملفات المشتركة.

وأشارت الورقة التأطيرية للندوة إلى أن كل دولة بالمنطقة المغاربية تقدم مسارا مختلفا في ما يتعلق بحرية الصحافة، فالمغرب مثلا عرف إصلاحات دستورية كبيرة سنة 2011 تروم تعزيز حرية الصحافة، حيث تنص المادة 28 من دستور المملكة على أن حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية وللجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة.

كما تشجع السلطات العمومية على وضع القواعد القانونية والأخلاقية لوسائل الإعلام، حيث يحدد القانون قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها، مع احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي.

وأكد المودني في تصريحات خاصة لـه أن التحولات السياسية التي عرفتها المنطقة المغاربية بعد 2011 يوازيها تحول تكنولوجي يؤكد على أهمية وسائل الإعلام، باعتبارها تجسد نموذجا يضمن النشر الفعال للمعلومات لمواجهة الانتشار السريع للأخبار الزائفة، مما يعزز أهميتها في المشهدين الاجتماعي والسياسي الإقليميين.

وأضاف أن الهدف من الندوة هو تبادل التجارب بين الدول لتعزيز أواصر الأخوة والتضامن المغاربي والخروج بمجموعة من التوصيات التي يمكن أن تساهم في الرفع من أدائها.

وتناولت الندوة التجربة التونسية، فمنذ ثورة 2011 تشهد البلاد مرحلة انتقالية ديمقراطية اتسمت بتقلبات ومنعطفات عديدة، لكن التطورات التي عرفتها تونس أثارت مخاوف من تراجع حرية الصحافة.

أما بالنسبة إلى وضعية الإعلام في الجزائر، فقد أكد المشاركون أن الإطار التشريعي أصبح مقيّدا للحريات بشكل متزايد، كما أن المادة 54 من الدستور تضمن حرية الصحافة، غير أنها تقيد نشر المعلومات والآراء التي يجب أن تحترم “الثوابت الدينية والثقافية وقيم الأمة”.

وفي هذا السياق، تنتشر الرقابة والرقابة الذاتية على نطاق واسع، حيث يشدد قانون الإعلام الجديد لسنة 2023 الرقابة على عمل الصحافيين في الجزائر، ويفرض بشكل خاص عقوبات جديدة، ويمنع على وسائل الإعلام الجزائرية الاستفادة من أي تمويل أجنبي مباشر أو غير مباشر أو مساعدات مادية، ويعاقب على ذلك بغرامات ثقيلة.

ولم تغب ليبيا عن دائرة النقاش، وجاء فيه أنها أصبحت تمثل نقطة سوداء بالنسبة إلى الإعلام في المنطقة المغاربية، فقد فر معظم المراسلين ووسائل الإعلام من البلاد، ولم تعد لدى الصحافيين الأجانب إمكانية تغطية الأحداث ولم تعد وسائل الإعلام التقليدية باعتبارها صاحبة مصلحة في الصراع، تقوم بدورها في ضمان الحصول على المعلومة الحرة والمستقلة والمتوازنة، التي تعكس القضايا الحقيقية التي يواجهها المجتمع الليبي، خاصة شريحة الشباب.

وارتباطا بالتحديات الكثيرة التي تواجه القطاع الإعلامي، أكد جلال محمد عثمان رئيس الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي من ليبيا في تصريحات لـه أن ليبيا عانت على مدى عقود وحتى بعد 2011 من انقسام سياسي وخسرت فرصة للتشبيك مع وسائل إعلام والمؤسسات المتخصصة في دعم وحوكمة الإعلام في الدول المغاربية.

وأضاف عثمان أن التحدي الأكبر لوسائل الإعلام هو الاستقلال المالي كون رأس المال هو المتحكم في السياسة التحريرية، والدول المغاربية تملك بنية تحتية قد تساعد في إيجاد تحالف قوي على مستوى التدريب وعلى مستوى المؤشرات المتعلقة بأخلاقيات المهنة.

وفي مداخلة له في الجلسة الافتتاحية، أكد إيريك فالت الممثل الدائم لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بالرباط أنه “يتعين علينا التأكيد ابتداء أن حرية التعبير هي حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي، ولكن يجب التأكيد كذلك ولاسيما في الوقت الحاضر، على أنه لا يمكن ممارستها إلاّ في شكلها المتّسم بالفعالية والمسؤولية”.

وتابع فالت “في سياق المغرب الكبير وهي منطقة تشهد تغيّرات سياسية واقتصادية وتكنولوجية مستمرة، يبدو أن وسائل الإعلام هي في نفس الوقت تواجه التحولات الطارئة ولكنها فاعلة فيها بالضرورة”.

المشاركون في المنتدى المغربي للصحافيين الشباب اعتبروا أن التحول الرقمي وظهور التقنيات الجديدة يغنيان النقاش بشكل متزايد

وتابع أن “البلدان المغاربية تواجه تحديات متقاطعة، ويمكن أن يستفيد كل منها من خبرة الآخر وممارساته الجيدة”، مشيرا إلى أنه “يمكن للتّعاون العابر للحدود بين الصحافيين والمحررين والمنظمات أن يعزز نوعية المعلومات ومصداقيتها، ومن الضروري أن تدعم هذه الدول بعضها البعض، وتفهم بعضها البعض بشكل أفضل وأكثر فعالية في هذه الأوقات الصعبة والحاسمة”.

ويمكن للتعاون بين وسائل الإعلام في المنطقة أن يخلق بالفعل جبهة مشتركة ضد المعلومات المضللة، وأن يواصل الإسهام في بناء مستقبل إعلامي أكثر قوة ونزاهة.

وفي موريتانيا، أشار المشاركون إلى أنه “منذ إلغاء تجريم المخالفات الصحفية قبل نحو 10 سنوات، أصبح بإمكان الصحافيين العمل في بيئة أقل قمعا لكنهم يعيشون في ظروف تتسم بعدم الاستقرار إلى حد كبير، فلا توجد في موريتانيا إلى حد الآن أي هيئة تنظيمية للصحافة، أو قانون إطار يضمن الحق في الوصول إلى المعلومة، أو يفرض احترام التعددية والشفافية في وسائل الإعلام، كما لا يوجد قانون يضمن حرية التعبير وسلامة الصحافيين والحق في الحصول على المعلومات الموثوقة”.

وعلق أحمد طالب ولد المعلوم رئيس نقابة الصحافيين الموريتانيين في تصريحات لـه، قائلا إن الحرية يجب أن تكون منهجا للإعلام لتقديم رسالته على أكمل وجه، وهي حرية مقترنة بالمسؤولية، والندوة كانت مناسبة لطرح القضية في جوانب الخط التحريري واستقلالية الإعلام في طرق التعامل مع الطوارئ التكنولوجية والتحديات الاقتصادية كون المنصات الإعلامية الآن تتطلب استقلالا اقتصاديا.

ونظرا للتحديات المطروحة على الإعلام دوليا، صارت الأمم المتحدة تقوم باستشارات عالمية، بعدما اتضح سنة 2020 أن الجائحة لم تكن فقط صحية بسبب انتشار فايروس كورونا، بل كانت أيضا جائحة معلوماتية مخيفة. وقال فتحي الدبابي مدير مركز الأمم المتحدة للإعلام بالرباط إن “وسائل التواصل الاجتماعي صارت تعطي الإمكانية لأي إنسان أن يعبر دون أي ضوابط، ودون أن يتم التحقق من المعلومات التي تنتشر أحيانا بشكل قد يمس بالتماسك الاجتماعي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: