ما بعد زلزال الحوز: دعم السكان المتضررين وإعادة بناء الحياة

منذ 8 سبتمبر 2023 تغيرت حياة المغاربة المتضررين من زلزال الحوز بشكل جذري. وفي حين أن الناس ربما كانوا أكثر اعتيادا على حدوث الزلازل في المناطق الشمالية من المملكة، لم يكن من المتوقع أن تضرب هذه الكارثة الطبيعية جبال الأطلس الكبير والمناطق المحيطة بها، مخلفة خسارة مأساوية لحياة أكثر من 3000 شخص وآلاف الجرحى.

وفي أعقاب هذا الحدث المدمر، شرعت مؤسسة الأطلس الكبير على الفور في توفير الدعم المادي والنفسي والاجتماعي لسكان أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت وورزازات ومراكش. وشمل الدعم توزيع الإمدادات الأساسية مثل المواد الغذائية والملابس والأفرشة والخيام ومجموعات الطاقة الشمسية ووحدات تصفية المياه والأغطية والمراتب واللوازم المدرسية ومنتجات النظافة. ولم يتوقف التزام المؤسسة تجاه هذه المجتمعات المتضررة عند هذا الحد، بل استمرت في بحث سبل دعم هذه المجتمعات على المديين القصير والطويل.

وبشراكة مع منظمة “بروجكت هوب”، اتخذت المؤسسة خطوة أساسية من خلال تعديل منهجية عمل فريق برنامج التمكين “تخيل” لإجراء سلسلة من ورشات الدعم النفسي والاجتماعي لفائدة النساء القاطنات بالمناطق المتضررة. كانت خطة عمل شهر أكتوبر في الأصل تستهدف تسع قرى في إقليم الحوز، بهدف إشراك 225 امرأة (25 من كل قرية) في جلسة أسبوعية لمدة شهر، إلا أن نسبة مشاركة المجتمعات المحلية فاقت التوقعات، حيث بلغ عدد المشاركات 279 امرأة.

المؤسسة حرصت على توفير الرعاية اللازمة للأطفال مستعينة بمربيات حتى تتفرغ الأمهات للمشاركة في الجلسات

وقد حرصت المؤسسة على توفير الرعاية اللازمة للأطفال مستعينة بمربيات حتى تتفرغ الأمهات للمشاركة في الجلسات. وتم تشكيل ثلاثة فرق مخصصة لجلسات التمكين النفسي والاجتماعي، إذ تألف كل فريق من مسيّرتي ورشات التمكين، ومربية، وطبيب نفساني، وسائق. إضافة إلى ذلك، أقامت الفرق خياما كبيرة تفوق طاقتها الاستيعابية 25 امرأة، وحرصت على تقديم وجبتي الفطور والغداء لخلق بيئة مريحة وملائمة.

يتمثل الهدف الأساسي من جلسات الدعم النفسي والاجتماعي هذه في مساعدة النساء وأطفالهن على التغلب على المشاكل النفسية الشديدة الناجمة عن التعرض إلى حادث صادم أو منع حدوثها. وتلعب ورش العمل هذه أيضا دورا محوريا في مساعدة العائلات والمجتمعات على استعادة الحالة الطبيعية لعلاقاتها وديناميكيتها الاجتماعية. إضافة إلى ذلك، تمكن هذه الجلسات النساء من استغلال إمكاناتهن الذاتية وقدرتهن على الصمود لتجاوز الظروف الصعبة التي يواجهنها.

وبهدف خلق بيئة آمنة وملائمة داخل المجتمع، خصصنا مساحة يعمها الهدوء والخصوصية وعناصر أخرى مهمة مثل الإضاءة الوافرة والتهوية المناسبة ومقاعد مريحة. تهدف هذه المساحة الآمنة، وهي خيمة عادة ما توفرها مؤسسة الأطلس الكبير، إلى تعزيز جو يخلو من الأحكام المسبقة ويدعم الأفراد لاستكشاف أفكارهم ومشاعرهم وسلوكياتهم بكل أريحية. تتعمق جلساتنا النفسية والاجتماعية والتمكينية في فهم الصمود والإجهاد النفسي، وذلك للكشف عن ردود الفعل الشائعة لدى الأشخاص المتضررين بعد الكوارث ومختلف تجليات الإجهاد النفسي، معرفيا وجسديا وعاطفيا وروحيا وسلوكيا.

ومن خلال هذه الرحلة الاستكشافية، نتطرق إلى مفهوم الصمود على المستويين الفردي والمجتمعي، مع تسليط الضوء على تأثيره الإيجابي على الرحلة نحو تبني “الوضع الطبيعي الجديد”. إضافة إلى ذلك، نقوم بإقرار التجارب المشتركة والفردية، ونطمئن المشاركات بأن المشاعر التي تخالجهن وردود أفعالهن أمر طبيعي، مما يساعدهن على المضي قدما في رحلاتهن الاستكشافية الخاصة.

تعد الجلسة الثانية رحلة في فهم المشاعر التي تنطوي على استكشاف الطبيعة المعقدة للمشاعر، فمنها البسيطة والمعقدة، وبدرجات متفاوتة من الشدة، مثل الإحباط أو الانزعاج أو الغضب. ومن خلال العمل مع 10 قرى، تطرقت فرق ورشة العمل إلى موضوع اختلاط المشاعر، مثل الشعور بالحزن إلى جانب الغضب أو الأسى أو الشعور بالذنب. ولأن فهم الطبيعة الذاتية للتعبير عن المشاعر أمر ضروري، نركز خلال الورشات على التحكم في المشاعر، وتصفية الأذهان، والإقرار بأن المشاعر كأمواج البحر بين مد وجزر وبأن الكل يمر بتقلبات. تتعمق كل من الميسرات والمشاركات في مفهوم الحزن، وهو شعور كبير غالبا ما يتم الإحساس به بعد التعرض لكارثة، لأنه يساعدنا في التعامل مع مختلف الخسائر. وأخيرا، نناقش المفهوم الخاطئ للشعور بالضعف باعتباره وسيلة لخلق مساحة للتعافي داخل مجتمعنا. أن نحس بالضعف، ونعبر عن مشاعرنا، ونبني الثقة مع الآخرين كلها خطوات أساسية لتجهيز أنفسنا للتعامل مع أي تحديات قد تواجهنا في المستقبل.

في الجلستين الثالثة والرابعة، تتعاون الميسرات والمشاركات لتحقيق العديد من الأهداف. أولا، استكشاف مفهوم الضعف وتبديد الاعتقاد الخاطئ بأنه يدل على الوهن. فإقرار الشعور بالضعف والثقة في الآخرين للتعبير عن مشاعرنا هو أمر أساسي من أجل التعافي المجتمعي. يمكننا تزويد أنفسنا بهذه المعرفة من التعامل مع تحديات الحياة، إما بشكل مستقل أو مع أفراد موثوق بهم. بعد أن تطرقنا إلى كيفية إدراك المشاعر التي تخالجنا والتحكم بها بشكل فعال، نركز على صمودنا الداخلي وضرورة التحلي بالشجاعة اللازمة لخوض رحلة التعافي، كما نناقش موضوع مواجهة الخوف والتغلب عليه. بالإضافة إلى ذلك، نتعمق في مفهوم النمو الذاتي، ونستكشف أهميته في طريقنا نحو التعافي والازدهار.

 

المتابعة مستمرة

عندما علمت أن مؤسسة الأطلس الكبير ستيسر هذه الجلسات، لم أنكر حقيقة أنني شعرت بالخوف من عدم القدرة على تقديم الدعم العاطفي للأشخاص الذين فقدوا أفراد أسرهم المقربين وأصدقائهم ومنازلهم. أنا شخصيا أصبت بصدمة بعد الزلزال وكنت بحاجة إلى دعم عاطفي أيضا. ومع ذلك، من الوهلة الأولى التي ألقيت فيها السلام على أول قرية في إيجوكاك، أدركت أنه علي وضع مخاوفي جانبا والاستعداد للعمل.

انضممت إلى الفريق الثاني، حيث أشرفت على مساعدة أربع قرى في جماعة إيجوكاك في الحوز وقرية واحدة في إقليم تارودانت. وكانت بعض هذه القرى في الأطلس الكبير على دراية بعمل المؤسسة، إذ سبق لها أن استفادت من عدد من المبادرات مثل غرس الأشجار، وورش عمل لبناء القدرات، وورش عمل تمكين المرأة.شكل السفر إلى هذه المناطق البعيدة والتي يتعذر الوصول إليها في كثير من الأحيان صعوبات عديدة، لاسيما بسبب الطرقات الخطرة التي زادت من تعقيد عملية الوصول إلى القرى. خلال هذه الرحلات الصعبة، بدأت أقدر أهمية المهمة المسندة إلي.

ونحن نواصل عملنا في هذه المناطق، غمرتني مشاعر الأمل والعزم. يمتد الدعم الذي نقدمه إلى ما هو أبعد من الإغاثة الفورية، بل يشمل أيضا تمكين هذه المجتمعات من استعادة اكتفائها الذاتي. لقد أكدت هذه التجربة من جديد إيماني بقوة المجتمع والصمود وأهمية الدور الذي تلعبه المنظمات مثل مؤسسة الأطلس الكبير و”بروجكت هوب” في أوقات الأزمات.

خلال ورش عمل التمكين النفسي والاجتماعي، أثلجت صدورنا رؤية نساء هذه القرى يساندن بعضهن البعض، على الرغم من أن لكل منهن ظروفها الشخصية. هدفت الجلسات إلى مساعدتهن على التعامل مع الآثار النفسية للزلزال وإعادة بناء روابطهن الاجتماعية. كان الالتزام والقوة التي أظهرتها النساء ملهمة حقا.

بشراكة مع منظمة “بروجكت هوب”، مؤسسة الأطلس الكبير عدلت منهجية عمل فريق برنامج التمكين “تخيل” لإجراء سلسلة من ورشات الدعم النفسي والاجتماعي لفائدة النساء القاطنات بالمناطق المتضررة

في العادة، يعقد فريق برنامج تمكين النساء لدى مؤسسة الأطلس الكبير ورش عمل لمدة أربعة أيام متتالية، إلا أنه تقرر بالتنسيق مع “بروجكت هوب” زيارة المشاركات مرة واحدة في الأسبوع على مدى أربعة أسابيع. إن تخصيصنا جلسات أسبوعية لمدة شهر عوض أربعة أيام يترجم حرص المؤسسة على المواكبة الدؤوبة للسكان المتضررين في رحلتها نحو التعافي.

وعلى الرغم من تشابه المخاوف التي عبرت عنها النساء، إلا أن مستويات الصمود بالنسبة إلى كل مجموعة تختلف اختلافا كبيرا. “كان الأسبوع الأول مليئا بالتحديات بالنسبة إلي، حيث كان 90 في المئة من السكان لا يزالون يتعاملون مع الصدمة العاطفية الناجمة عن الزلزال”، عبرت فاطمة. لم أنس النظرة على وجه فاطمة، إحدى المشاركات من إيجوكاك، وهي تعبر بمرارة عن إصابتها هي وأطفالها بصدمة رهيبة نتيجة فقدان كل شيء وحقيقة أنهم لم يتمكنوا من تغيير واقعهم. كما أنني لم أنس دموع وصمت زينة، التي فقدت زوجها وابنتيها ووالدها وزوجة أبيها أمام عينيها في تلك الليلة أثناء تناول العشاء، ولم تتمكن من إنقاذ أي منهم.

ترمي ورش العمل هذه إلى توفير مساحة آمنة للأفراد مثل فاطمة وزينة لمشاركة تجاربهن والتعبير عن مشاعرهن وبدء عملية التعافي. ومع تقدم أعمال الجلسات، أبانت المشاركات عن مشاعر الرفقة والدعم المتبادل، فمنهن من كن يشعرن في السابق بالعزلة ووجدن السلوى في الفهم المشترك لآلامهن وفي الرحلة نحو الشفاء. وهكذا، أصبحت ورش العمل اللبنة الأساسية ليس فقط لإعادة البناء المادي ولكن أيضا لضمان الرفاهية العاطفية للسكان. في نهاية الجلسة الرابعة، اقترحت جميع المجموعات التي زرناها أن يجتمعن مرة واحدة في الأسبوع لدعم بعضهن البعض لتعزيز رفاهيتهن العاطفية.

لم تمنحني مشاركتي في هذه المبادرة تقديرا أعمق لقوة الروح الإنسانية فحسب، بل أبرزت أيضا أهمية الجهود المستمرة لدعم هذه المجتمعات في رحلتها نحو التعافي والشفاء.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: