مؤسسات الإعلام في المغرب مطالبة بتجويد المحتوى للمحافظة على استمراريتها

يطبق المغرب القوانين الجديدة لإصلاح المشهد الإعلامي في ميدان يتميز بالمنافسة الشديدة والسباق المحموم، لكن المسؤولية الكبرى تبقى على عاتق مؤسسات الإعلام المطالبة بجهود أكبر لتطوير المحتوى في ظل الدعم المقدم لها.

يعيد الصحافيون والإعلاميون المغاربة خلال احتفالهم باليوم الوطني للإعلام طرح الأسئلة القديمة المتجددة حول توفير شروط إعلام وطني حر ومسؤول قادر على مواكبة التحديات التي تفرزها التطورات المحلية والدولية.

ويقول الصحافيون إنه بعد عام من إقرار مدونة الصحافة التي تتضمن ثلاثة نصوص هي قانون الصحافة والنشر، والنظام الأساسي للصحافي المهني، وقانون المجلس الوطني للصحافة، يتوجب تقييم ممارسات وأداء المؤسسات وأثر السياسات العمومية على واقع الإعلام.

ويطبق المغرب القوانين الجديدة لإصلاح المشهد الإعلامي بهدف بناء مؤسسات تتوفر على كافة الشروط المهنية والاقتصادية والاجتماعية في ميدان يتميز بالمنافسة الشديدة والسباق المحموم.

 

عبدالصمد مطيع: من حق المواطن الاستفادة من إنتاج يعتمد على الجودة

لكن ما يثير الانتباه هو أن الإشكالات والصعوبات نفسها مازالت تواجه كل المؤسسات الإعلامية تقريبا بمختلف أنواعها في الصحافة المكتوبة والإعلام السمعي البصري والصحافة الإلكترونية.

ويرى صحافيون أن المملكة المغربية  تحتاج إلى مجهودات جبارة لبناء إعلام حقيقي تتمتع فيه الصحافة بحرية ومسؤولية، معتبرين أن الترتيب السنوي للإعلام المغربي بحسب تصنيفات المؤسسات الدولية المعنية بحرية الصحافة يثير الإحراج حتى وإن كان غير منصف نظرا إلى المعايير المعتمدة. وهذه المجهودات ستكون ناجعة إن ارتكزت على احترام حرية الرأي والتعبير، وحرصت على حق المواطن في الإعلام.

وأكد عبدالصمد مطيع أستاذ باحث ومدير مساعد مكلف بالتكوين المستمر والتدريب بالمعهد العالي للإعلام والاتصال أنه يتعين على الصحافة المكتوبة، لكي تضمن استمراريتها، تبني إستراتيجيات تحريرية تدعم المحتوى الإخباري والتفاعل مع الجمهور.

وأضاف مطيع في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن تجارب متعددة في هذا الصدد آتت أكلها بالفعل، إذ يمكن للصحف استخدام وسائل التواصل الرقمي لزيادة التفاعل مع الجمهور عن طريق نشر المحتوى على منصات مثل فيسبوك وإكس وإنستغرام وغيرها، مما سيمكّنها من زيادة قاعدة متابعيها.

كما يتعين على الصحف المكتوبة إطلاق تطبيقات خاصة بالأخبار تسهل على الجمهور متابعة المحتوى بشكل سلس وسريع، والانفتاح بشكل أفضل على المحتوى متعدد الوسائط كالفيديوهات والصور والرسوم البيانية والرسائل الصوتية وغيرها.

المهنيون يأملون في إصدار قانون للحق في الحصول على المعلومة، مؤكدين أنه ضروري وأساسي كي يكون لمجهودات إصلاح القطاع قيمة ومعنى

وفي الإعلام السمعي البصري، ورغم الطفرة التي تحققت في هذا القطاع إثر رفع احتكار الدولة وبروز عدد من القنوات الإذاعية وحتى التلفزيونية، فإن المشاهد والمستمع المغربي لم يجد بعد ضالته في المنتوج الإعلامي الوطني.

وأشار مطيع إلى أنه من حق المشاهد والمستمع المغربي الاستفادة من إنتاج تلفزيوني وإذاعي يعتمد على الجودة والمهنية، مبرزا أن وسائل الإعلام السمعي والبصري مدعوة إلى تعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة لتوفير محتوى متنوع وجذاب للجمهور، إلى جانب تشجيع متابعيها على التفاعل، واستخدام تحليلات البيانات لفهم اهتمامات وسلوك المستخدمين وضبط المحتوى بشكل أفضل.

ويرى العديد من أهل القطاع أن مجهودات القائمين على القطاع في تطويره وإصلاحه حققت مكتسبات مهمة، لكنها في حاجة إلى تفعيل وتأويل ديمقراطي، وتتجلى هذه المكتسبات في إدراج الدستور لأربعة فصول تعد من أبرز ما حققه القطاع من مكاسب، وهذه الفصول تنص على أن حرية الفكر والرأي والتعبير بكل أشكالها، وحرية الإبداع والنشر مكفولة ومضمونة، شأنها شأن حرية الصحافة التي لا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبْلية.

كما أن تنويع المنتوج الإعلامي أصبح ضرورة ملحّة اليوم في ظل العرض الهائل الذي ينافس المنتوج الوطني، وأشار مطيع إلى أن القنوات التلفزيونية مثلا تحتاج اليوم إلى مراجعة لشبكاتها البرامجية، مع ضرورة الانفتاح على مواضيع جديدة تواكب الدينامية التي يعرفها المجتمع والاقتصاد المغربيان.

أما المحطات الإذاعية فبدورها تبقى في حاجة ماسة إلى التطور من أجل الانفتاح على مواضيع ذات أولوية بالنسبة إلى كافة شرائح المجتمع. ولن يأتي ذلك إلا من خلال فهم أفضل لاهتمامات الجمهور واعتماد شبكات برامجية تنفتح على مفهوم القرب والتحرر من النماذج الاقتصادية الهجينة.

وإذا كانت بعض هذه المواقع والمنصات الإلكترونية قد ساهمت إلى حد ما في تعزيز النقاش السياسي والاقتصادي الوطني وتفعيل مفهوم القرب على أرض الواقع ومواكبة قضايا المواطن بدرجة أكثر مهنية، فإن ذلك يظل مرتبطا بنماذج معدودة ومتفاوتة من حيث حصيلتها من الجودة والمهنية.

وترتبط قدرة هذه المواقع على تقديم محتوى مفيد ومهم يلبي احتياجات واهتمامات الجمهور المتلقي، بمدى تفاعلها مع توقعات متابعيها بشكل أفضل واستيعاب ردود فعلهم وملاحظاتهم لضمان تحسين جودة المحتوى.

ومن اللافت أن الصحافة الإلكترونية تعاني وبشكل كبير من التبعات السلبية للثورة الإعلامية، بما في ذلك انتشار الأخبار الزائفة واستغلال بيانات مستخدمي الإنترنت وتقلص الموارد وتراجع احترام أخلاقيات المهنة.

ويرى مطيع أن هذه المعوقات لن تثني المحتوى الإعلامي عن الاستجابة لمتطلبات ورغبات الجمهور إذا عملت هذه المنابر على تطوير محتواها الإعلامي، وتحقيق التكامل مع مختلف أصناف الصحافة سواء الورقية أو السمعية البصرية، والتي تشكل صلب كل مشهد إعلامي.

ويأمل المهنيون في إصدار قانون للحق في الحصول على المعلومة، مؤكدين أنه ضروري وأساسي كي يكون لمجهودات إصلاح القطاع قيمة ومعنى، فلا وجود لإعلام حقيقي من غير معلومات متوفرة وذات مصداقية.

وقد بينت الممارسة أن أحد أسباب الفساد يكمن في حجب المعلومات والتلاعب بها واحتكارها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: